القتل والهدم والتنكيل الوحشي بالفلسطينيين مهمّة روتينيّة للاحتلال

حجم الخط

بقلم: سريت ميخائيلي*

 

من يشاهد الشريط الذي يوثّق حادثة إطلاق النار على هارون أبو عرام من خربة الرّكيز الواقعة في تلال جنوب الخليل يُصدم حتى قبل سماع الطلقتين. أوّل ما يُزعزع الناظر إلى ما يحدث هناك سماع استغاثات أفراد أسرته.

ما يصدم حقيقة هو ظهور فلسطينيّين يقاومون بدنيًا جنوداً يحاولون مصادرة مولّد كهرباء - هارون نفسُه يقاومهم حافيًا إذ انتُزع حذاؤه وسط إصراره على إنقاذ "الموتور" من أيدي الجنود.

من النادر أن يقاوم الفلسطينيّون الهدم أو المصادرة بهذه الطريقة. في مدوّنة بتسيلم "تجمّعات سكّانيّة مهدّدة بالتهجير" توجد مقاطع فيديو توثّق أعمال الهدم التي تنفّذها إسرائيل في مناطق الضفة الغربيّة التي يُمنع فيها البناء والتطوير الفلسطينيّ وتفصيل دقيق للمعدّات التي صادرتها الإدارة المدنيّة والتي دمّرتها بواسطة جرّافاتها. لدى مشاهدة هذه المقاطع يبدو معظم السكّان تحت تأثير السّطوة إلى درجة أنّه لا يخطر في بالهم ما هو أكثر من مُجادلة القوّات وشتمهم أو حمل الهاتف وتصوير العمليّة التي ستُبقيهم بلا مأوىً وتُلقي بهم تحت حرّ شمس الصّيف وعواصف الشتاء.

وفي مقطع من موجة الهدم في كانون الأوّل ويظهر فيه عاملو مقاول لدى الإدارة المدنيّة يفكّكون منزلاً هو عبارة عن بركس مسقوف بالصّفيح في تجمّع الزرعي (زعاترة)، قرب قرية الزعيّم. المصوّر هو صاحب المنزل لكنّه لا يتدخّل وإنّما يقف جانباً ويصبّ جام غضبه صوتاً يرافق الصورة في شريط الفيديو. وفي مقطع آخر نشاهد مجموعة من بدو راس العوجا يتفرّجون جُلوساً أثناء انهماك جرّافة الإدارة المدنيّة بتفكيك ومصادرة بركسات هي منازلهم ومخازنهم الزراعيّة. وهناك شابان يُجادلان الجنود وهؤلاء يدفعونهما إلى الوراء. وفي مقطع ثالث من تشرين الثاني جرّافة تهدم منزل عائلة أبو عرام، هارون أبو عرام نفسُه الذي يرقد الآن في المستشفى الأهلي في الخليل مشلولاً شللًا رباعيًا. نشاهد أفراد الأسرة يقفون قرب المبنى، امرأة تصوّر بواسطة الهاتف وامرأتان تجلسان مع طفلة على كراسيّ بلاستيكيّة وينظرن. وهناك وصف لوقائع هدم منزل آخر في الخالديّة كان يُؤوي أسرة مؤلّفة من 19 شخصاً يُخبرنا أنّ أفراد الأسرة احتجّوا وأشعلوا الإطارات واعتصموا فوق سطح منزلهم لكنّ قنابل الغاز المسيل للدّموع التي أطلقها عناصر حرس الحدود أخمدت الاحتجاج سريعاً. وفي مقاطع مصورة أخرى يتّضح لنا جيّداً سبب انعدام المقاومة: المواقع المستهدفة بالهدم يدهمها مندوبو الإدارة المدنيّة برفقة أعداد كبيرة من القوّات العسكريّة وحرس الحدود - بالضّبط لكي ينزعوا مثل هذه الأفكار من رؤوس الرّعايا الفلسطينيّين.

لماذا اختلف الأمر في يوم الجمعة الماضي وما الذي ميّزه فدفع بهارون وأفراد أسرته إلى التصدّي لمصادرة مولّد الكهرباء بمثل هذه المقاومة العنيدة وبصدورهم العارية؟ في بيان لا يمتّ إلى الواقع بصِلة قال الناطق بلسان جيش إسرائيل شيئاً واحداً صحيحاً: "في مهمّة روتينيّة يومَ أمس وضعت قوّات الجيش يدها على معدّات استُخدمت في بناء مخالف للقانون في قرية التواني…".

الواقع أنّ البناء الفلسطينيّ في بلدات مثل الرّكيز "مخالف للقانون" دائماً. هكذا هو الأمر حيث إسرائيل هي من يقرّر ما الذي يتماشى مع القانون، وهي من صمّم وحاك سياسة يستحيل معها البناء القانونيّ على الفلسطينيّين إذ مهما قدّموا من خرائط وطلبات ترخيص وإثباتات ملكيّة للأرض من الأرجح ألّا يحصلوا على رُخصة بناء لأنّ مثل هذه التراخيص لا تُعطى لسكّان تجمّعات مسافر يطّا - نُقطة!

فعليّاً ضمّت إسرائيل هذه المنطقة منذ زمن طويل وهي لن تسمح لسكّان تجمّع فلسطينيّ أن يبنوا بيوتاً مرخّصة في قراهم التي لا تعترف بها إسرائيل أصلاً، علماً أنّها قائمة بنظام حياتها الرّعويّ والزراعيّ منذ ما قبل قيام إسرائيل بسنوات طويلة.

سياسة الهدم والمصادرة تتّبعها إسرائيل لا في مسافر يطّا وحدها بل في 60% من أراضي الضفة الغربيّة إذ ما زال التخطيط والبناء فيها تحت سيطرة إسرائيل حيث تعمل الأجهزة المختصّة على منع التطوير الفلسطينيّ بما في ذلك بناء المنازل والمباني العامّة والبنى التحتيّة من شبكات كهرباء وماء وطرُق. إزاء استمرار هذه السياسة يئس معظم الفلسطينيّين منذ سنوات وصاروا يستنكفون حتى عن تقديم طلبات الترخيص؛ أمّا حيث تمّ تقديم طلبات كهذه فلم تصادق الإدارة المدنيّة سوى على 1.4% منها. التعامُل مع المستوطنين مختلف تماماً بالطبع فهؤلاء يحظون بجهاز تخطيط سخيّ وتراخيص بناء، وحتى مستوطناتهم التي أقيمت خلافاً لقرارات أجهزة التخطيط والبناء (ظاهريّاً) وبدعم من الدولة يتمّ لاحقاً المصادقة عليها وترخيصها.

لقد صدق الناطق بلسان جيش إسرائيل حين قال إنّ المهمّة التي نفّذها الجيش روتينيّة تماماً. جنود وضبّاط مدجّجون بالأسلحة والدّروع ومندوب الإدارة المدنيّة - وكان ضابطاً مسلّحاً في هذه الحالة - يقومون على نحوٍ روتينيّ فعلاً بعمليّات مثل مصادرة مولّد كهرباء أو جرّافة في التجمّعات الفلسطينيّة الأكثر تدنّياً في ظروف معيشتها مقارنة ببقيّة الضفة الغربيّة - والهدف منع السكّان من إقامة أيّ بناء أو تطوير تجمّعاتهم وفقاً لاحتياجاتهم.

هدم الممتلكات الفلسطينيّة ومصادرتها مهمّات روتينيّة إلى درجة أنّه لا أحد حتى يسأل لماذا تُرسَل وحدات عسكريّة ميدانيّة لتنفيذ مهمّات يُفترض أنّها مدنيّة مثل مهمّة إنفاذ قانون التخطيط والبناء. لكنّ نظرة يقظة إلى أرض الواقع تُظهر أنّ إسرائيل تُمسك بخناق التطوير الفلسطينيّ كهدف مركزيّ يصبّ في تحقيق السيطرة على الضفة الغربيّة، وأنّ التنكيل المتواصل بسكّان التجمّعات الفلسطينيّة هو "معركة" فعلاً وهذا ما تعكسه عبارة "المعركة على مناطق ج" التي يستخدمها سياسيّون متنوّعون - من اليمين الاستيطانيّ وحتى المركز الرّاديكاليّ - لوصف هذه السياسة.

هي فعليّاً مهمّة عسكريّة روتينيّة والضحايا الفلسطينيّون يعلمون تمامَ العلم أنّ حياتهم لا قيمة لها في الواقع السّائد الآن وأنّ مصيراً مشابهاً لمصير هارون أبو عرام في انتظارهم إذا احتجّوا أو قاوموا.

*مركّزة العلاقات الخارجيّة في منظمة بتسيلم - المركز الإسرائيليّ لحقوق الإنسان في المناطق المحتلّة .