لم يكن للجموع التي انقضت على تلة الكابيتول خطة، فقد دعاهم ترامب «ليستعيدوا أميركا»، ففهموا قوله ببساطته. الى اين يذهبون؟ الى البيت الأبيض؟ لم يكن لهم سبب يدعوهم للذهاب اليه، فلا يزال هناك رجلهم. بقي الكونغرس.
انتظر بعضهم المعجزة: نار تهبط من السماء فتحرق المبنى الضخم، الذي يفرض تواجده على المدينة بأسرها، على البلاد بأسرها. اليسوع سينقذ. وهو سيبيد بأنفه نانسي بلوسي، رئيسة مجلس النواب التي يصفونها في اليافطات بـ»الشيطان». يوم الدين جاء، وهم سيكونون هناك، ليروا المعجزة. اقتنع بعضهم بأن الانتخابات سرقت وأن من واجبهم ان يستردوا ما سرق. اناس طيبون، سذج، مشوشون. اعتقدوا ان تواجدهم في المكان سيؤثر على سلوك كبار رجالات الجمهوريين، من نائب الرئيس، مايك بينيس، ومن دونه. «هم ضعفاء»، قال ترامب في خطاب ألقاه على مسامعهم، وهو يقف خلف زجاج واق من الرصاص. يجب ممارسة الضغط عليهم.
بعضهم سعى لاستعراض احتقارهم تجاه أميركا الاخرى، الليبرالية، متعددة الثقافات. رفعوا اعلام الكونفدرالية، اعلام الجنوب القديم، الابيض، العنصري. بعضهم انجرف وراء القطيع، دون التفكير الى أين ولماذا واين الحدود. وبعضهم بحثوا عن الحركة، الاتصال الجسدي، النوافذ المحطمة. الناس المذهولون، أفلام الفيديو في الشبكة، مشاهد تثبت لكل العالم من هو الرجل، من هو الحاكم.
بضع مئات منهم وقفوا امام الكابيتول منذ الصباح. تعانقوا مع أفراد الشرطة: الترامبيون يحبون الشرطة، ولا سيما اولئك الذين اطلقوا النار على الشبان السود. بعد خطاب ترامب، انضم اليهم عشرات الآلاف. دفع الجموع من الخلف، وتحطمت سلسلة الشرطة. اقتحمت الابواب، حطمت النوافذ، والعشرات، وربما المئات، اقتحموا الداخل، الدائرة الفاخرة، المبهرة، من تحت القبة الضخمة، التي تفصل بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب، الى المكاتب والقاعات. لم يعرف المقتحمون ما يفعلونه بعد ذلك. أمرهم ترامب بان يستردوا أميركا. ولم يقل لهم ما يفعلونه بها.
أحرق البريطانيون مبنى الكابيتول في العام 1814. اربعة ارهابيين من بورتوريكو فتحوا النار من مدرج المتفرجين في العام 1954. ارهابي واحد اقتحم في العام 1998 وقتل شرطيين. الاقتحامات، الاربعاء الماضي، كانت غير مسبوقة بمعنى واحد: المقتحمون بعث بهم رئيس الدولة، القائد الاعلى. ودور الرئيس جعل الحادثة حدثا بحجوم صادمة. ليس مظاهرة فقدت السيطرة، بل «انتفاضة»، «تمرد»، «محاولة انقلاب»، «انقلاب عسكري». وليس كارهو ترامب وحدهم يتحدثون هكذا، بل كبار رجالات حزبه. كان انتخاب ترامب رئيسا خطـأ تاريخياً. احد الكُتّاب الصحافيين الأميركيين وصفه، أول من امس، كمحب للحرائق عُين قائدا لمحطة اطفاء الحرائق. في سنوات ولايته الأربع تبين أنه نرجسي عديم الصلاح، كاذب بانتظام، شعبوي سائب وديماغوجي. وعلى الرغم من ذلك، صوت له 75 مليون أميركي. هذا يقول شيئاً ما مقلقاً عن أميركا.
وجدت نواقص ترامب تعبيراً موجزاً لها في الشهرين السابقين منذ خسر في الانتخابات. فقد أقنع نفسه بانه انتصر وبدأ بحملة مضادة لمؤسسات الحكم، ضد المحاكم، ضد الجمهوريين في الولايات المترددة، وضد وزراء حكومته. كلهم ارتبطوا بمؤامرة ظلامية، وسرقوا منه الانتخابات. والنتيجة الفورية للحملة كانت الهزيمة التي تكبدها الجمهوريون في الانتخابات في جورجيا. هزيمة كلفتهم فقدان السيطرة على مجلس الشيوخ. والنتيجة التالية كانت المسرحية العنيفة في الكونغرس.
الدروس لإسرائيل تكاد تكون مفهومة من تلقاء ذاتها: حاكم يتآمر على مؤسسات الحكم، القوانين الاساس، والجهاز القضائي، حاكم يجعل من اجندته الشخصية ايديولوجيا، حاكم يستعبد حزبه لنزواته، من شأنه أن ينتهي مثل دونالد ترامب.
عندما شاهدت الصور من داخل المبنى فكرت بمحاولة مناحم بيغن السيطرة بالقوة على الكنيست في العام 1952. عوقب بيغن وتعلّم الدرس. فكرت بخطاب نتنياهو من على الشرفة في ميدان صهيون. من يحرض الجمهور يركب على ظهر نمر: لا يعرف الى أين يأخذه النمر.
الحدث في الكابيتول أيقظ من جديد المطالبات بانهاء ولاية ترامب بالإقصاء. نظرياً هذا ممكن، من خلال الكونغرس او مجلس الوزراء. عندما يكون تبقى أسبوعان فقط حتى أداء بايدن اليمين القانونية، من المشكوك فيه أن يكون هذا عملياً. من المشكوك فيه ان يكون يستحق العناء. من ناحية اخرى ترامب انتهى: البيت الأبيض ينهار من حوله؛ اذا ما دعا قائد القوات المشتركة وأمره مثلا بأن يهاجم ايران، سيرد عليه الجنرال: نعم، سيدي الرئيس، ولن يفعل شيئا. ترامب سيذهب الى ملاعب الغولف الخالدة؛ اما الترامبية فستبقى.
عن «يديعوت»