التهديد الاستراتيجي لاسرائيل من حزب الله وليس سوريا

حجم الخط

معاريف– بقلم  الون بن دافيد 

 

​تستغل اسرائيل ايام ترامب وبومبيو الاخيرة كي توجه ضرباتها للايرانيين في سوريا، وذلك حسب التقارير من هناك. والى جانب القلق المفهوم الذي توقظه هنا نية الرئيس بايدن للعودة الى الاتفاق النووي مع ايران ثمة من يرى في هذا ايضا فرصة لاخلاء الايرانيين من سوريا في صفقة رزمة شاملة. ولكن التهديد الاستراتيجي الاهم علينا لا يوجد في سوريا بل في لبنان، وصحيح حتى الان تمتنع اسرائيل عن معالجته.

​لقد نجحت الهجمات المتواترة المنسوبة لاسرائيل في سوريا في تشويش محور التوريد البري والجوي الايراني لحزب الله، ولكنها لم توقف مساعي حزب الله لتأسيس  قدرة مستقلة  لانتاج وتركيب صواريخ دقيقة على الاراضي اللبنانية.  في صيف 2019 هاجمت حوامات انتحارية عنصرا معدا لانتاج وقود الصواريخ في بيروت.  ومنذئذ كشف رئيس الوزراء مرتين من على منصة الامم المتحدة المواقع التي يحاول فيها حزب الله انتاج الصواريخ. في السنة الماضية نشب ايضا حريق خفي في موقع آخر للتنظيم، ولكن هذا لم يردع حزب الله.

​التقدير هو ان التنظيم نجح حتى اليوم في أن يجمع بضع مئات من الصواريخ الدقيقة لمسافات متوسطة وطويلة. يبدو أن ليس لديه بعد قدرة انتاج كاملة من الالف حتى الياء، لمثل هذه الصواريخ، ولكنه يواصل جهوده لتحويل  الصواريخ “الغبية” الى صواريخ دقيقة من خلال عناصر من انتاج ايراني توضع على رأس الصاروخ وتكسبه قدرات قيادة وتوجيه. هذه العناصر  يمكن تهريبها في حقيبة، والتقدير هو أنه يوجد في لبنان في هذه اللحظة بضعة مواقع تركب فيها صواريخ دقيقة.

​ان امتناع اسرائيل عن العمل بشكل علني ضد هذه المواقع – مفهوم. فمنذ 2012 تثبتت معادلة ردع وبموجبها يرد حزب الله بالنار على كل هجوم اسرائيلي على الاراضي اللبنانية. ويمكن لتبادل هذه الضربات أن تؤدي بسرعة الى مواجهة شاملة، حتى وان كان الطرفان غير معنيين بها تماما.

​فهل من اجل احباط بضع مئات من الصواريخ الدقيقة سنعرض مدننا لهجمة من عشرات الاف الصواريخ غير الدقيقة تزرع فيها دمارا شديدا ومصابين؟ الجواب السهل والمريح هو أن التهديد ليس فظيعا بعد، وانه يمكن تحسين وسائلنا الدفاعية في مواجهة كمية كهذه من الصواريخ. لا يروق لاحد ان يعيش حرب لبنان الثالثة. ولكن السؤال هو الى متى، فهل الى أن يصبح في لبنان 1000 صاروخ دقيق؟ 2000؟ 10.0000؟

​وصف الجيش الاسرائيلي تهديد الصواريخ الدقيقة من لبنان في الماضي كتهديد استراتيجي على اسرائيل. حين يكون بوسع حزب الله أن يمطر وابلا من الصواريخ ليس تقريبا في منطقة الكريا في تل أبيب، في مكان ما بين شارعي كبلان وشاؤول الملك، بل بالضبط على مبنى هيئة الاركان في داخل قاعدة الكريا – فان هذه تصبح قدرة يمكنها أن تعطل منظومات استراتيجية لاسرائيل. ولكن هذا التعريف لم يترجم حتى الان لخطة عملياتية توقف مشروع الدقة لحزب الله.

​كالمثال عن الضفدع التي تنضج ببطء في وعاء من الماء، نحن ايضا نروي لانفسنا بانه مع أن الماء ساخنة بما يكفي الا انها لا تزال مناسبة ولا حاجة للخروج منها. يتباهى الجيش الاسرائيلي بالغطاء الاستخباري الممتاز الذي لديه عن لبنان بحيث يمكن التقدير بانه يعرف بالضبط ما هي درجة حرارة الماء في كل لحظة. اليوم، عندما نكون على مسافة غير بعيدة عن نقطة الغليان، نجدنا ملزمين بان نعرف ونقرر بصراحة ما هي درجة الحرارة التي لا يعود بوسعنا ان نحتملها.

​لا توجد هنا نية للتقليل من تعقيد هذه المعضلة او لتخفيف حدتها. فاسرائيل، تقليديا، امتنعت عن الخروج الى الحروب كي تمنع تعاظم قوة العدو او كما وصف ذلك مئير داغان الراحل “للحرب لا يخرج المرء الا عندما يكون السيف على الرقبة وبدأ يحز باللحم الحي”. والامور بالتأكيد صحيحة عند الحديث عن حرب في الجبهة الشمالية، فيها امكانية كامنة لان تجعل المجتمع الاسرائيلي يعيش تجربة أليمة لم يعشها منذ حرب الاستقلال، ولكن توجد لحظات يصبح فيها التهديد لا يطاق.

​في السنوات ما بعد الانسحاب من لبنان شاهد الجيش الاسرائيلي بعيون تعبة التسلح المتسارع لحزب الله وقال لنفسه ان “الصواريخ ستصدأ في مخازنها”. ولكن في 2006 هبطت الصواريخ غير الصدئة ظاهرا علينا بالالاف وبمفاجأة. في حينه كان لدى حزب الله نحو 14 الف صاروخ. اما اليوم فيوجد له نحو 70 الف صاروخ ومقذوفة صاروخية (ولسبب ما ثبتت في الوعي اعداد مغلوطة مثل 120 الف أو 150 الف صاروخ. هذا ليس الحال).

​إن الميل الانساني لاصحاب القرار هو ركل مثل هذه المعضلة الصعبة ودحرجتها اسفل الشارع على أمل أن يضطر احد ما آخر لان ينحني فيرفعها. ولكن امام ما ينشأ في لبنان هناك حاجة لزعامة مسؤولة، سياسية وعسكرية، لان تعرف منذ هذه السنة ما هو الخط الاحمر الذي  يلزمها بالعمل.

​اللبنة السورية

​ستمر اشهر طويلة اخرى الى أن تتفرغ الادارة الامريكية الجديدة للانشغال بمشاكل الشرق الاوسط. ولكن في اسرائيل يقدرون بانه منذ الان بدأ رجال بايدن يؤسسون لقنوات حوار مع ايران. فالى جانب القلق المبرر من النية للعودة الى الاتفاق النووي السيء الذي وقعه الرئيس اوباما مع ايران، على اسرائيل أن تلاحظ ايضا الفرص التي في مثل هذه الخطوة. في العمل مع الادارة الجديدة، وليس ضدها يمكن ومتاح اقتياد ايران الى اتفاق نووي محسن.

​لايران المحطمة اقتصاديا، اجتماعية وصحيا لا يوجد حقا بديل غير اتفاق جديد. لا حاجة للتأثر بالخطوات الاستفزازية الايرانية، التي تخصب الان اليورانيوم الى مستوى أعلى وتقيم مصنعا لانتاج معدن اليورانيوم (عنصر حرج لانتاج القنبلة) – ليس لهم حقا قدرة مساومة ذات مغزى، اذا ما واجهوا ادارة امريكية مصممة. على اسرائيل أن تعمل على ان تؤكد هذا الاعتراف والتصميم في اوساط رجال بايدن والا تعمل بطريقة كدية تجعلهم مغتربين.

​ان اتفاقا نوويا محسنا لن يرضي كل تطلعاتنا ولكنه يمكنه أن يبعد ايران سنوات طويلة عن القنبلة، وتوجد له ايضا امكانية كامنة لاستغلال التغيير الاقليمي الذي تصدره ترامب واخراج سوريا ايضا من العناق الشيعي. مع وعد من اصدقائنا الجدد في الخليج في المساهمة في اعادة سوريا الخربة، سيكون ممكنا اقناع الروس والاسد لتوجيه الايرانيين للخروج ولاعادة سوريا الى مكانها الطبيعي في حضن العالم السُني.

اذا كان ممكنا اخراج اللبنة السورية من الهلال الشيعي وحرمان حزب الله من مسارات التوريد وجبهته اللوجستية الخلفية – فان التهديد من لبنان سيبدو مختلفا تماما. ​