إسرائيل وإعادة إنتاج متلازمة “شَعْبٌ يَسْكُنُ وَحْدَهُ”!

حجم الخط

بقلم أنطوان شلحت  

 

ما زالت قضية امتناع إسرائيل عن تزويد الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة منذ العام 1967 باللقاح ضد فيروس كورونا تتفاعل، وبين هذه التفاعلات الخلوص من ذلك التصرّف الذي يتم انتهاجه عن سبق عمد وإصرار، إلى استنتاج فحواه أن دولة الاحتلال عنصرية بامتياز.

وتفجرّت هذه القضية مع بدء جهاز الصحّة في إسرائيل بتطعيم الجمهور العريض ضدّ فيروس كورونا، وبموازاة ذلك مطالبة عدة منظمات لحقوق الإنسان السّلطات الإسرائيليّة بأن تؤمّن وصول تطعيمات ذات نوعيّة جيّدة إلى الفلسطينيّين سكّان الضفة الغربيّة وقطاع غزّة المحتلّين عملاً بما يُلزمها من قوانين بوصفها سُلطة احتلال.

وصدق أحد الأكاديميين الإسرائيليين ممن خلصوا إلى مثل الاستنتاج المذكور أعلاه، بقوله إن سلوك إسرائيل حيال غير اليهود الذين يعيشون بين ظهرانيها، وحيال الأراضي المحتلة منذ 1967 التي يسكنها ملايين الفلسطينيين، لا تحركه معايير سياسية ولا قواعد سلوك تلزم أي دولة متحضرة وسويّة، إنما تحركه غريزة جينية قديمة مستلة من متلازمة الآية التوراتية “هُوَذَا شَعْبٌ يَسْكُنُ وَحْدَهُ، وَبَيْنَ الشُّعُوبِ لاَ يُحْسَبُ”، وهي الغريزة عينها التي رافقت “الشعب اليهودي” على مرّ التاريخ من دون أخذ تداعياتها الكارثية في الاعتبار، وعلى ما يبدو يُعاد إنتاجها من جديد هذه الأيام، ببريق ساطع.

ولا بُدّ من أن يُضاف إلى هذا أن عملية التطعيم، بل وكل قضية المواجهة المتسلسلة لتفشي جائحة كورونا، تصادفتا مع تسييس كل شيء في إسرائيل تحت وطأة أزمة سياسية غير مسبوقة تجد نفسها في خضمها، بالأساس على إيقاع سعي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للتمسك بسدّة الحكم على الرغم من شبهات الفساد التي تحوم حوله، ومن خلال التنكّر المُعلن للسوابق الإسرائيلية بهذا الشأن، التي تُظهر أن كل الزعماء الذين سبقوه استقالوا من مناصبهم الرسمية فور تقديم لوائح اتهام ضدهم بارتكاب الشبهات عينها، وقد تسببت هذه الأزمة السياسية حتى الآن بإجراء أربع جولات انتخابية خلال أقل من عامين.

ومن الطبيعي أن يطاول هذا التسييس عملية التلقيح ضد الفيروس، باعتباره أول عامل يمكن أن يطيح نتنياهو، في ضوء ما ترتب عليه من تداعيات صحية واقتصادية- اجتماعية آخذة بالتفاقم يوماً بعد يوم.

وثمة جوانب أخرى تبدو مثيرة للدهشة على وقع هذه الأزمة، أبرزها وأكثرها جدة مغازلة الفلسطينيين في إسرائيل لكسب أصواتهم، وهي مغازلة كان أول من عزف على لحنها نتنياهو نفسه وسرعان ما سرت عدواها، كسريان النار في الهشيم، لدى سائر الأحزاب الصهيونية انتهاء حتى بالحزب الوحيد الذي ما زال يجاهر بأنه “يسار صهيوني”، ميرتس. ولا يمكن أن نسقط، عند تحليل أسباب هذه المغازلة ذات الغاية الواضحة، سبب الخلافات التي دبّت بين صفوف مركبات القائمة المشتركة بشأن الخطوط الحمر للعمل البرلماني، التي من شأن عدم تجاوزها أن يشكل ضمانة لعدم مس التمثيل السياسي الأداتي بثوابت النهج الوطني.

ومع ذلك يبقى الأمر الأساس أن امتناع إسرائيل عن تزويد الفلسطينيين في أراضي 1967 باللقاح هو نتيجة طبيعية لـ”نظام تفوّق يهودي من النهر إلى البحر؛ نظام أبارتهايد”، كما أكدت ذلك وثيقة مهمة جديدة صادرة عن “بتسيلم- مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة” قبل عدة أيام وعُرضت فيها المبادئ التي توجّه هذا النظام وقدّمت أمثلة وقاعدة بيانات على تطبيق تلك المبادئ، كما أشارت إلى الاستنتاج المشتقّ من ذلك بخصوص تعريف هذا النظام، وبخصوص حقوق الإنسان.

ومن ضمن تلك المبادئ أشير على نحو خاص إلى “قانون أساس القومية”، وإلى مخططات الضمّ. وبخصوص الأول ورد في الوثيقة ما يلي: ينصّ قانون الأساس الجديد الذي سُنّ في العام 2018 على حقّ تقرير المصير للشعب اليهوديّ – وحده فقط – ويقرّر أنّ تمييز اليهود عن غير اليهود (في إسرائيل والعالم كلّه) تمييزٌ أساس وشرعيّ. على هذا الأساس فإنّه قانون يُبيح التمييز المُمأسَس لصالح اليهود ضدّ غير اليهود كمبدأ قانوني ملزِم في مجالات إقامة البلدات والإسكان والأرض والمواطنة واللّغة والثقافة. صحيح أنّ إسرائيل عملت وفق معظم هذه المبادئ في الماضي قبل سنّ القانون المذكور بكثير، ولكنّ تكريس التفوّق اليهوديّ في نصّ قانون أساس – خلافاً لقانون عاديّ أو ممارسات فعليّة – يعكس مبادئ دستوريّة مُلزمة. بالتالي لم نعد فقط أمام رسالة إلى جميع أجهزة السّلطة مفادُها أنّه من اللّائق العمل على تحقيق التفوّق اليهوديّ في كافّة الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، بل إن الرّسالة الآن: أنتم مُلزَمون بذلك (بقوة قانون دستوري).

بكلمات أخرى: ما كان من الممكن الوصول إلى مبادئ كهذه لو لم تكن العنصرية مُمأسسة وكذلك التمييز على أساس إثنيّ.