من الناصرة إلى الخليج: التغيير الجاري في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل

حجم الخط

بقلم: دورون مصا

 


تعرض محافل في اليسار الإسرائيلي التقارب بين بنيامين نتنياهو وبين الجمهور العربي في إسرائيل كحيلة انتخابية قصيرة المدى، وهي لا تدل على تغيير حقيقي في موقفه المتحفظ والمتعالي من المجتمع العربي. إن الميل لفحص الوضعية عبر البعد السياسي الضيق يفوت الثورة الحقيقية التي تتميز بها علاقات إسرائيل مع شعوب الشرق الأوسط كله، والتي تعد العلاقات مع «عرب إسرائيل» مجرد مقياس لها.
في إطار هذه الثورة، فإن للمفاهيم الرومانسية، القيمية والأيديولوجية، التي عرفت في الماضي السياسة الإقليمية، لا يوجد مكان حقيقي. العكس هو الصحيح، في أساسها يقبع استعداد اللاعبين الإقليميين لتوديع أحلام الأفق المطلقة ورؤى التطرف التي تتصمّم عبر سياسة الهويات في صالح جدول أعمال يقوم على أساس تعريف المصالح، التي تفضل فيها الحياة في الحاضر على تلك في المستقبل.
هكذا فإن التنمية الاقتصادية، وجودة ومستوى المعيشة، وجودة البيئة، والتنمية التكنولوجية، ومصادر الطاقة، وبالطبع صحة الجمهور، هي اسم اللعبة قبل كثير من أهداف غبية ميزت السياسة القديمة للشرق الأوسط في صيغته ما قبل الربيع العربي 2010. وجدول الأعمال العملي – البراغماتي الذي يميل لطمس خطوط الانكسار القومية واضح جيداً في «اتفاقات إبراهيم» التي وقعت عليها إسرائيل مع اتحاد الإمارات، والبحرين، والسودان والمغرب، والتي وجهت لها في حينه انتقادات من جانب دوائر اليسار لكونها اتفاقات منفعة عديمة القيم.
ويتضح أثر الفهم الجديد للعلاقات في الشرق الأوسط في الدائرة الأقرب أيضاً لعلاقات إسرائيل مع السلطة الفلسطينية. وهكذا يشهد تفضيل الطرفين، في القدس ورام الله، لتأجيل الانشغال بالطموحات الوطنية – الأيديولوجية، الضم الكامل من جهة والدولة المستقلة من جهة أخرى، مقابل الاستقرار الأمني لإسرائيل وإمكانية حياة الرفاه الاقتصادي والإدارة المستقلة للحكم الذاتي للفلسطينيين. وبمفاهيم عديدة، فإن هذا هو النموذج الذي تدخل إليه أيضاً إسرائيل و»حماس» في قطاع غزة، بمساعدة المال القطري.
إن شروط المحبة التي تتميز بها العلاقات بين نتنياهو وبين الأقلية العربية في إسرائيل هي جزء من ذاك الميل العام. عملياً، لا يدور الحديث على الإطلاق عن ظاهرة جديدة، إذ إنه منذ عقد تحظى الأقلية بعناق شامل من جانب اليمين الإسرائيلي ودولة إسرائيل كخطوة لدمج السكان العرب في الاقتصاد اليهودي، هذه المرة ليس في مكانة «حطابين وسقاة» بل كجهة تساهم في الاقتصاد الوطني. ومثل منظومة العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج والتي دارت من تحت الرادار وأصبحت في السنة الأخيرة اتفاقات رسمية، هكذا رفع الآن الستار عن هذا الميل وقسم منه يرتبط أيضاً بـ»الخروج من الخزانة» لشخصيات عامة عربية مثل النائب منصور عباس، ورئيس بلدية الناصرة، علي سلام، في كل ما يتعلق بالتعاون مع اليمين في إسرائيل.
خط مباشر يمر بالتالي بين التحولات التي تجري بالدائرة الداخلية في العلاقات التي بين الدولة اليهودية وبين الأقلية العربية وبين تلك في الدائرة الأبعد المتعلقة بالعلاقات مع الفلسطينيين في «يهودا» و»السامرة» وقطاع غزة، وفي الدائرة الإقليمية العامة المرتبطة بعلاقات إسرائيل مع دول اتفاقات إبراهيم. والميل للاستخفاف بذلك باسم الفكر الذي يقدس رومانسية القيم في السياسة الإقليمية والدولية يفوت عظمة التغيير الجاري في الشرق الأوسط الذي يتحلل من التعريفات الأيديولوجية لصالح جدول أعمال واقعي في إطاره لإسرائيل كقوة عظمى اقتصادية، تكنولوجية، بالطاقة، وليس فقط عسكرياً، يوجد نصيب كبير ورائد.
إذا ساعد «الربيع العربي» في شتاء 2010 بدفع دول الشرق الأوسط والفلسطينيين في «يهودا» و»السامرة» إلى نظرة واعية، تقدس الاستقرار السياسي الذي يتحقق بوساطة الاقتصاد، يخيل أن أزمة «كورونا» تفعل أمراً مشابهاً للوسط العربي في إسرائيل. وبالفعل، هذا جدول أعمال جديد يركز على المنافع والمصالح، ولكن توجد له أهمية كبيرة في طمس خطوط الانكسار الوطنية والأيديولوجية بين شعوب المنطقة. من هذه الناحية تعد هذه بشرى إيجابية، حتى اليسار الإسرائيلي محب السلام يجب أن يلاحظ آثارها على إسرائيل، فما بالك على سكان المنطقة كلها؟

عن «إسرائيل اليوم»