جواسيس الوزير صفوت الشريف

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

صفوت الشريف توفي في يوم الخميس عن عمر يناهز 87 سنة. وقد معه انتهى فصل آخر مظلم في تاريخ نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك. في البداية تم الاعتقاد بأنه توفي بسبب الكورونا. ولكن بعد ذلك تم النشر بأنه توفي بسبب مرض سرطان الدم. جانجه عبد المنعم فضلت رواية الكورونا. “الله قتله بواسطة مخلوقه الاصغر. الحمد لله، المنتقم القدير”، قالت في مقابلة في موقع “مصراوي” المصري ردا على اعلان الوفاة. جانجه هي شقيقة الممثلة المعروفة سعاد حسني، التي توفيت بعد أن سقطت/ قفزت/ دُفعت من غرفتها في فندق في لندن في العام 2001. جانجه اتهمت في حينه الشريف بموت سعاد حسني. العلاقة بينهما توجد لها جذور طويلة ومتعرجة وخفية وبدون رحمة. ومنها يمكن أن نفهم اساليب المخابرات المصرية.

​صفوت الشريف كان الشخص الاقوى في نظام مبارك. وزير الاعلام (الأدق، الدعاية) صاحب الوجه الصقري والذي قلل من التحدث، لكنه عرف كيف يتلاعب بالسياسة في مصر وأن يقوم بحياكة المؤامرات، وبالاساس أن يقتل خصومه. وقد شغل منصبه أكثر من عشرين سنة، وتحول الى رعب للمراسلين والممثلين والمسرحيين والكتاب والمثقفين والسياسيين الذين تجرأوا على انتقاد النظام أو الانحراف عن الخط الذي قام باملائه. تقريبا 30 سنة كانت افعاله معروفة ولكن لا أحد كان يتجرأ على التحقيق معه، فكيف بالأحرى تقديم لائحة اتهام ضده. وقد عرف اكثر من اللزوم. وفقط بعد ثورة الربيع العربي واثناء محاكمات التطهير التي جرت للكثيرين من قمة النظام، اتهم الشريف وأدين بسرقة اموال حكومية واستغلال منصبه لاهداف الكسب وتوزيع املاك الدولة على زوجته وأولاده. وقد كان أحد رموز الفساد العميق في نظام مبارك.

​ولكن يوجد للشريف تاريخ سابق، قبل وقت طويل من تولي مبارك الحكم. الشريف انضم الى المخابرات المصرية في جيل صغير وعمل تحت رئاسة رئيس المخابرات صلاح نصر، الذي كان يشغل هذا المنصب في الاعوام 1957 – 1967، وضمن امور اخرى كان مسؤول عما عرف في حينه بـ “تجاوزات في المخابرات المصرية”، وضمن ذلك افعال شاذة كثيرة، تحقيق وتعذيب، وايضا تجنيد ممثلات ومطربات مشهورات لخدمة المخابرات. نصر تمت محاكمته وحكم عليه بالسجن مدة 25 سنة، لكن ليس بالتحديد بسبب التجاوزات في المخابرات – حول امور كهذه لم يتم تقديم ضباط في المخابرات للمحاكمة. جمال عبد الناصر شك في أن نصر كان الشخص المخلص للمشير عبد الحكيم عامر – خصمه الذي “انتحر” في العام 1967، في الوقت الذي كان فيه رهن الاعتقال.

​مهمة الشريف كانت تجنيد الممثلات والمطربات في المخابرات. وقد فعل ذلك بكفاءة وعنف. سعاد حسني التي كانت أحد الشهود في محاكمة نصر قالت إن رجال الشريف عرفوها على شاب، حسب قولهم كان مخرج افلام فرنسي، أراد اشراكها في أحد افلامه. هذا المخرج قام باستدعائها الى منزله وعرض عليها مشروب ثقيل. فجأة اقتحم المنزل رجال المخابرات وقاموا باعتقالها واتهامها بالتجسس لصالح اسرائيل، وطلبوا منها التعاون مع المخابرات اذا كانت ترغب في عدم نشر الفيلم القصير الذي قاموا بتصويره وهي موجودة مع “المخرج الفرنسي”. سعاد المذهولة وافقت، والقيت عليها مهمة الحصول على معلومات عن الصحافي مصطفى أمين عن طريق علاقتها مع زوجته. أمين، الذي هو من مؤسسي صحيفة “اخبار اليوم”، اتهم باجراء علاقات مع المخابرات الامريكية، وفي نهاية المطاف حكم وسجن مدة تسع سنوات.

​يبدو أن سعاد حسني واصلت لسنوات طويلة التعاون مع المخابرات المصرية. والتقدير هو أن نهايتها المأساوية استهدفت منع نشر المعلومات التي كانت بحوزتها. سعاد حسني لم تكن الوحيدة التي قام صفوت الشريف بتجنيدها لصالح المخابرات. فالممثل المشهور عمر الشريف قال في محادثة مع قناة “العربية” في 2015 بأن نصر، المسؤول عن صفوت الشريف، طلب منه تطوير علاقات مع ممثلة مشهورة من اجل الوصول الى والدها، الذي كان أحد منتقدي نظام جمال عبد الناصر. عمر الشريف استجاب للطلب،”لم أكن في وضع يمكنني من الرفض” – في نهاية المطاف الأب قتل. زوجة عمر الشريف، الممثلة الرائعة فاتن حمامة، قالت إن صفوت حاول تجنيدها ايضا لصالح المخابرات، لكنها رفضت. وفي اعقاب الضغط الذي استخدم عليها قامت بمغادرة مصر.

​زوجة نصر، الممثلة والمخرجة اعتماد خورشيد، التي أجبرها نصر على الطلاق من زوجها كي يتزوجها، أصدرت في العام 1988 كتاب بعنوان “شاهدة على تجاوزات صلاح نصر. في هذا الكتاب تحدثت عن دور صفوت الشريف في تجنيد الممثلات، بعد أن قام بتصويرهن في اوضاع مخجلة. الصحافي عادل حمودة ايضا أصدر كتاب بعنوان “نساء صفوت الشريف”. في هذا الكتاب شرح بالتفصيل عمليات التجنيد التي اتبعها الشريف عن طريق ابتزاز ضحاياه. صحيفة “الوفد” المعارضة نشرت في آذار 2011، بعد شهر على الاطاحة بمبارك في اعقاب ثورة الربيع العربي، مضمون التحقيقات التي اجريت مع الشريف والتي فيها اعترف بأنه اعتاد على ابتزاز دبلوماسيين عرب واجانب عن طريق تشغيل نساء مشهورات. وقد قال ايضا بأنه اعتاد على أن يصور بنفسه قصص الغرام هذه، وبعد ذلك كان يستخدم الصور لاغراض استخبارية. في العام 1968 تمت اقالة الشريف من المخابرات، لكنه شق طريقه الى القمة السياسية في الدولة وترأس الحزب الحاكم، في الوقت الذي شغل فيه ايضا منصب وزير الاعلام.

​الشريف تم دفنه قرب حسني مبارك الذي قام بتعيينه. ولكن حتى بعد موته، فان الفنانين في مصر ما زالوا بعيدين عن الراحة والسكينة.