الجيش الاسرائيلي يعتقل عشرات الفلسطينيين في الضفة ، في محاولة لردعهم عن التظاهر ضد البؤر الاستيطانية

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

الجيش الاسرائيلي اعتقل في الاسبوع الماضي 41 فلسطيني في ليلة واحدة في ارجاء الضفة، 24 منهم من قرية المغير وقرية كفر مالك، وهما قريتان في شمال شرق رام الله، يتظاهر السكان فيهما في كل اسبوع ضد سيطرة بؤر استيطانية اسرائيلية على اراضيهم. جنود الجيش الاسرائيلي قاموا بتعليق على جدران عدد من بيوت المعتقلين تحذيرات للعائلات، ومركز الشباك المسمى الكابتن سامح طلب بشكل شخصي من المعتقلين التوقف عن التظاهر. هذا ما قاله لـ “هآرتس” عدد من معتقلي المغير الذين تم اطلاق سراحهم بعد بضع ساعات. بالاجمال، في ذاك الصباح تم اطلاق سراح 17 معتقل من الذين اعتقلوا في الليل، منهم 6 من المغير و4 من كفر مالك.

​من بين المعتقلين كان والد وشقيق علي أبو عليا (15 سنة) الذي قتل في الشهر الماضي بنار الجيش الاسرائيلي عندما كان يشاهد عن بعد المظاهرة في المغير.

​في يوم الجمعة الماضي، في ذكرى مرور 40 يوم على قتل علي أبو عليا، قال الأب الثاكل للصحيفة: “الكابتن وكأنه يقوم بتعزيتي، لكنه في الواقع هددني. فقد قال لي هل أنت والد الشهيد؟ أنا أريد اعادتك الى البيت، لكني أريد أن أنصحك بشيء ما: لا أريد لاولادك قسام وبسام أن يحدث معهما ما حدث مع علي. هذا ما قاله لي. لقد قمتم بقتل ابني، وأنا ابن الـ 43 سنة، الغضب يجتاحني، وأنت تقوم بتهديدي”.

​لقد سبق ليلة الاعتقالات بين يوم الاربعاء 13 كانون الثاني ويوم الخميس 14 كانون الثاني، تقارير عن عنف اسرائيلي. في الاسابيع الاخيرة منذ قتل فتى التلال اوهافيا سانداك زاد تنكيل مواطنين اسرائيليين بفلسطينيين في الضفة الغربية: في الحالات البسيطة قاموا باغلاق الشوارع أمام حركة السيارات الفلسطينية، وفي الحالات الشديدة قاموا بمهاجمة فلسطينيين يسافرون بسياراتهم ويتواجدون في بيوتهم. جمعية “يوجد حكم” وثقت 62 حادثة كهذه بين 21 كانون الاول 2020 و13 كانون الثاني 2021. وحسب تقرير الشرطة الفلسطينية، في 13 كانون الثاني رشق عدد من الاسرائيليين الحجارة على السيارات الفلسطينية في مدخل المغير الشرقي وفي مفترق ألون. مجموعة اخرى دخلت من شارع 60 الى قرية ترمس عيا وقامت باحراق سيارتين لسكان القرية وهشمت وجاج سيارة ثالثة. قوة من الجيش الاسرائيلي كانت في المكان قامت بحماية المشاغبين الاسرائيليين، وأطلقت قنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع على الفلسطينيين الذين حاولوا طرد من اقتحموا قريتهم.

​قرية المغير تقع شرقي قرية ترمس عيا، في مكان فيه السهل الخصب لهذه القرية تحول بالتدريج الى منحنيات تزداد باستمرار، وتشع مدرجاتها الحجرية وبساتينها وصخورها التي تتلألأ جراء الامطار، جوا هادئا ومخادعا. في ليلة الاعتقالات، حوالي الساعة الثانية فجرا، جاء الجنود من الغرب. البيت الاول الذي دخلوا اليه هو بيت عائلة الفتى الذي قتل. “نحن كنا نائمين في بيت ابنتي التي أنجبت من فترة قصيرة”، قالت الأم الثكلى نهاد. “منذ أن قتل ابني ونحن ننام كثيرا عند ابنتي. القُرب يخفف عنا”. في البداية اقتحم الجنود بيتهم الذي كان ينام فيه فقط الابن بسام. الأب أيمن قال: “لقد سألوا عن قسام، الأخ التوأم. هو لم يكن في البيت، بل كان مع الاغنام. بعد ذلك احضروا بسام الينا في بيت ابنتي وهو مكبل. شخص ما صرخ: افتحوا الباب وإلا سنقوم بتفجيره. لديكم خمس دقائق”. وواصلت الأم: “الجنود قاموا بأخذ غطاء مخدة ووضعوه على وجه زوجي، وعصبوا عيون بسام بمنشفة”. عندما خرجوا من البيت كانت الساعة الثالثة فجرا.

​هكذا، وأعينهم معصوبة وأيديهم مكبلة، قادهم الجنود سيرا على الاقدام في شوارع القرية حتى وصلوا الى مفترق الطرق الذي يؤدي الى أعلى، الى موقع عسكري. أيمن قال: “لقد كان جنديان يسيران الى جانبي، أحدهما مسكني الى أن تعب. وبعد ذلك مسكني الثاني. وأنا غطاء المخدة على وجهي ولا أرى أي شيء وأتعثر بالحجارة وبالحفر الموجودة في الشارع”. واضافت الزوجة: “الجنود لم يسمحوا لهم بارتداء ملابس دافئة”.

الشهادة على أن الجنود “لم يسمحوا لهم بارتداء ملابس دافئة” تكررت مرة تلو الاخرى من أفواه المواطنين، ومن بينهم أيوب رسمي (21 سنة)، الذي تم اطلاق سراحه بعد بضع ساعات. “الجنود اقتحموا البوابة الحديدية الخارجية للبيت وحطموها. استيقظنا على صوت الانفجار”، قال. في هذا البيت مثلما في بيوت اخرى، الجنود لم يقوموا بالتفتيش، “بل جاءوا مباشرة من اجل الاعتقال، اعتقالي واعتقال شقيقي معاذ”. شقيقه إبن الـ 23 سنة أصيب بقدمه في كانون الثاني 2019 بنار مستوطنين نزلوا الى القرية من البؤرة الاستيطاني عيدي عاد، وهاجموا مزارعين كانوا يقومون بفلاحة اراضيهم. تسعة اشخاص من سكان القرية أصيبوا بنار المستوطنين، والشخص العاشر، حمدي النعسان، تم اطلاق النار على ظهره وقتل. ولم يتم تقديم أي شخص للمحاكمة على هذا الهجوم.

​وأيديهم مكبلة وعيونهم مكشوفة وكمامات الكورونا على وجوههم، قادهم الجنود الى مفترق الطرق. “وصلت حافلة ونقلتها الى موقع عسكري قرب بؤرة استيطانية جديدة. الحافلة صعدت وهبطت ثلاث مرات، وفي كل مرة أخذ دفعة اخرى من المعتقلين”، قال أيوب رسمي. “عندما صعدنا نادونا بأسمائنا. وعندما نزلنا من الحافلة قاموا بعصب عيوننا وأجلسونا في البرد، في ساحة. وبين حين وآخر جاء جندي وشد الاصفاد كي يزيد ألمها. وعندما كنا نتحدث مع بعضنا كان يأتي جندي ويضربنا”. أحد المعتقلين اشتكى من البرد. عندها استهزأ منهم مسؤول الشباك، حسب شهادة أيوب، وقال “في مظاهرات أيام الجمعة تكونون رجال، أما هنا تكونون مثل النساء. الأخوين أيوب ومعاذ اعتقلا في السابق بتهمة رشق الحجارة. “الكابتن سامح ناداني. وقد كان يجلس وهو يرتدي المعطف الدافيء في الجيب وأنا ارتجف من البرد ومكبل. وسألني لماذا نقوم بالتظاهر ولماذا أقوم برشق الحجارة وأشاغب. أجبته بأنني لا أرشق الحجارة. وهو قال لي أنا أعرف ما الذي تفعلونه. هذه المرة لا أريد اعتقالكم. هذا تحذير لك”.

​وقد تحدث مسؤول الشباك مع المعتقلين الآخرين وهو جالسين على الارض في الساحة. وقد اهتم بأن يعرف من الذي قام باحراق “نجمة داود” الموجودة قرب احدى المستوطنات، قال أيوب. وعلى مسامع بسام أبو عليا تذمر الكابتن سامح من أن اصلاح النجمة كلف ألف شيكل.

​في الساعة الثامنة صباحا، قال ايوب، تم ادخال ستة اشخاص، من بينهم شقيقه، الى حافلة صغيرة نقلتهم مرة اخرى الى المفترق الموجود في الطريق الى القرية. وتم انزالهم هناك وأيديهم مكبلة، وشخص استطاع ازالة العصبات عن العيون. فقط هذه اللحظة في ليلة الاعتقالات رسمت ابتسامة على وجوه الأمهات: “بسام نجح بطريقة ما في الاتصال معنا وأن يقول لنا بأنه هو ووالده في طريقهما الى البيت”، قالت الأم الثكلى. وقد تم ارسال سيارات لنقلهم. “عدت الى البيت وأنا مكبل. وهناك قاموا بقطع القيود البلاستيكية”، قال ايوب. من بين المعتقلين التسعة من كفر مالك تم اطلاق سراح اربعة معتقلين.

​تسع عائلات في المغير وخمس عائلات في كفر مالك لم تحظ بلحظة السرور هذه. احدى هذه العائلات هي عائلة علي محمد (25 سنة). الجنود جاءوا الى بيته في الساعة الرابعة فجرا، قدر الأهل. الأب صادق لا يسمع جيدا، وزوجته نادية سمعت صوت انفجار عند البوابة وأيقظته وقالت: “الجيش في البيت”. وهو أجاب “بالتأكيد هؤلاء هم الاولاد الذين يريدون الخروج الى العمل”. الابن علي يعمل في حقول التمور في مستوطنات غور الاردن. فجأة الجنود، يرافقهم كلب، كانوا ينتشرون في ارجاء البيت، “حتى وصلوا الى غرفة البنات”، استعاد الأب المشهد وهو مصدوم. “صرخت وطلبت التحدث مع شخص ما يتحدث العربية. ولم يجيبوا. بعد ذلك سمعت أحدهم وهو يتحدث العربية”. الجنود قاموا باحتجازه هو وابنه في الصالون، والزوجة والبنات تم احتجازهن في غرفة نوم الوالدين. “لقد صوبوا البنادق نحونا”، قالت الزوجة. “فورا سألوا عن علي، ولكنهم لم يسمحوا لي برؤيته”. الأب قال إن الابن تم اخراجه الى الخارج، في البرد وهو يرتدي ملابس خفيفة فقط. الجنود طلبوا أخذ الهواتف المحمولة للبنات وأبناء العائلة. البنات اصبن بالدهشة. فهن يعتمدن على الهواتف من اجل التعلم عبر “الزوم”. ولسعادتهن، وجدن الهواتف على مدخل البيت.

​ومن قسم المتحدث بلسان الشباك ورد : “ازاء نشاطات ارهابية متزايدة في هذه المنطقة، تقرر بالتعاون مع الجيش الاسرائيلي والشرطة الاسرائيلية تنفيذ اعتقالات لعدد من المشبوهين بمخالفات أمنية، وايضا تنفيذ نشاطات ردع اخرى هدفها منع نشاطات ارهابية ضد مواطنين اسرائيليين واهداف اسرائيلية”. والمتحدث بلسان الجيش قال في رده إن المعتقلين “هم نشطاء في عمليات عنيفة لخرق النظام، التي خلالها رشقوا الحجارة على قوات الجيش الاسرائيلي ومواطنين اسرائيليين”.