انتفاضة الكرامة : الإعلام الأميركي .. خداع وتزوير !!

هاني-حبيب
حجم الخط

-خبر-كتب: هاني حبيب
 

01 تشرين الثاني 2015


بعد شهر من انطلاق انتفاضة الكرامة الفلسطينية، يمكن القول إن الخلاف حول «هبّة» و»انتفاضة» لم يعد مبرراً، إنها موجة في ظل انتفاضة مستمرة، تأخذ في كل حين شكلاً قد يكون مختلفاً عن سابقتها، وبعد أسابيع أربعة، يمكن الوقوف على كيفية تعامل وسائل الإعلام، خاصة الأميركية منها، مع هذه الانتفاضة التي كانت هذه الوسائل، قد عبّرت قبل اندلاعها عن أن الأرض الفلسطينية حُبلى بانتفاضة ثالثة، ومراجعة بعض التقارير التي نشرتها أو أذاعتها هذه الوسائل، قبل اندلاع انتفاضة الكرامة، تشير إلى أن «الحسّ الصحافي» لدى هذه الوسائل، كان عالياً.
لكن، معظم وسائل الإعلام الأميركية، لم تخصص مساحات مكانية أو زمنية، لتقاريرها حول ما يجري في الأرض الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات وجرائم ارتكبتها القوات الإسرائيلية أو المستوطنون، من عمليات حرق للأحياء الأطفال، من القدس إلى نابلس، إلى اقتحامات للأماكن المقدسة، المسجد الأقصى تحديداً، من قبل المستوطنين والمتطرفين اليهود، إلاّ أن التغطية المحدودة، في ذلك الوقت، كانت تعكس تخوفاً حذراً من اندلاع انتفاضة ثالثة.
وفي سياق متابعة كيفية معالجة الإعلام الأميركي لملف انتفاضة الكرامة، يمكن التوقف أمام مفارقة بارزة، فبالمقارنة مع ما كانت تحدثه «الصورة الصحافية» حول الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وما باتت تحدثه هذه الصورة حول الانتفاضة الجارية الآن في عموم الأرض الفلسطينية، نجد أن تأثير الصورة أثناء الانتفاضة الأولى كان أكثر على المجتمع الدولي ووسائل الإعلام الغربية عموماً، المفارقة تتجلّى، أيضاً، في أن صوراً محدودة نسبياً قد تم نشرها في الانتفاضة الأولى، ومقارنة مع ملايين الصور التي تنشر يومياً عبر مختلف وسائل الإعلام الحديثة، فإن ذلك يشير إلى أن الأمر لا يتعلق فقط ـ كما يعتقد الكثيرون ـ بعدد الصور، أو بالنشر المتلاحق عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، إذ مع الفارق الكبير بين مستوى التقنيات الاتصالية بين الانتفاضتين، الأولى والثالثة، فإن التأثير وردود الفعل كان لصالح الأقل، فصورة الجنود الإسرائيليين وهم يضربون بالعصي أيدي وأرجل الشباب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى، كانت أكثر تأثيراً وتحريكاً للرأي العام والمستوى السياسي الإعلامي في الغرب من عشرات آلاف الصور التي تعبر عن المستوى الإجرامي الدموي والقتل الميداني، بالصوت والصورة المتحركة.
راهناً، ليس لدي تفسير واضح، إذا صحت المقارنة لذلك الأمر، وعليه فإن الضرورة تحتم دراسة أكثر عمقاً لطبيعة مكوّنات الصورة والبيئة السياسية والاجتماعية لتأثيرها، وإذا كانت الصحافة الأميركية، على اختلاف أشكالها وتنوّعها، تختار الصورة التي تتلاءم مع موقفها الداعم لإسرائيل، فإن الأمر لم يعد وقفاً على مثل هذا الإعلام على ضوء وسائل الإعلام الاجتماعي، خاصة أن وسائل الإعلام «المركزية» الأميركية، أكثر تأثيراً على النخب السياسية والاجتماعية، منها على الرأي العام الغربي والأميركي تحديداً، إذ ان متابعي الإعلام الاجتماعي في تلك البلدان أكثر بما لا يقاس من متابعي وسائل إعلام النخب السياسية والاجتماعية، ولم تعد هذه الوسائل التقليدية قادرة على التأثير على الرأي العام كما كان الأمر عليه قبل بضع سنوات.
في قراءة «رقمية» لكيفية تغطية الإعلام الأميركي للانتفاضة الفلسطينية، التي أعدها مركز الدراسات السياسية والتنموية، رصد سريع لمنهج اعتمده الإعلام الأميركي، من ناحية تجاهل القاتل الإسرائيلي، وعادة ما يكون في صياغة المبني للمجهول، في حين يتصدر الخبر المسألة التي تهدف إلى التعاطف مع الجانب الإسرائيلي، «اعتداء على معبد إسرائيلي، ومقتل أربعة فلسطينيين» كان ذلك عنواناً لخبر حول ما جرى من حرق لبعض من «قبر يوسف» في نابلس، الذي بات مكاناً دينيا إسرائيلياً، دون إشارة في مضمون الخبر إلى أنه يقع ضمن الأراضي الفلسطينية، وكأن الأمر هجوم فلسطيني على إسرائيل!!
شبكة «إن بي سي» الأميركية، نشرت خارطة توضح كيفية انتقال الأراضي الفلسطينية، منذ عام 1948 حتى اليوم، إلى الإسرائيليين، عبر أربع خرائط توضيحية، قام اللوبي الصهيوني بانتقاد الشبكة، وهي مناصرة لإسرائيل، والطلب منها تعديل الخرائط، أو الالتزام بعدم نشرها بالمستقبل، وأذعنت الشبكة وتعهدت «بتصحيح الخرائط» عند نشرها في المستقبل.
وتقوم وسائل الإعلام الغربية، والأميركية منها على وجه الخصوص، بإجراء حوارات مع الشباب الفلسطيني أثناء نشاطهم الانتفاضي، أقوال هؤلاء النشطاء توضع «بين أقواس» كشكل من أشكال التشكيك، في حين أن اللقاءات مع المستوطنين أو المسؤولين الإسرائيليين، لا تخضع لمثل هذه الصياغات.
هذه بعض المتفرقات السريعة جداً، لكيفية تعامل وسائل الإعلام الأميركية خلال شهر من انتفاضة الكرامة الفلسطينية، ومن الضروري إعداد دراسات أكثر عمقاً وتوثيقاً، والمهم في هذا السياق، أن تنشر مثل هذه الدراسات للرأي العام الغربي، والأميركي على وجه الخصوص، ليدرك لأي درجة ذهبت وسائل الإعلام الأميركية في خداعه وتزييف الحقائق التي تم تغييبها وتزويرها للتأثير عليه.