على طريق الانتخابات

حجم الخط

بقلم هاني المصري 

 

القدس، أوسلو، الأمن، محكمة الانتخابات، المنظمة، القائمة المشتركة، قائمة التزكية .

هل ستُجرى الانتخابات أم لا، وإذا جرت هل ستكون بمستوى التحديات وتُحدِث التغيير اللازم، أم ستؤدي إلى استنساخ الوضع القائم، وتمنحه الشرعية، وتُبقي على سيطرة طرف على السلطة والمنظمة، وهيمنة الطرف الآخر على قطاع غزة، وإلى تمكّن السلطة من استكمال تأهيل نفسها لاستئناف المسيرة السياسية التي سيكون سقفها السياسي منخفضًا أكثر بكثير من سابقاتها؟

هناك مؤشرات لا تسمح بالتفاؤل بإجراء الانتخابات، وأخرى تدفع بإجرائها، وعلى كل الحريصين على الاحتكام إلى إرادة الشعب أن يتعاملوا وكأنّ الانتخابات ستحصل بموعدها، وأن يستعدوا في نفس الوقت لعدم إجرائها عملًا بالقول المأثور “اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا”.

في هذا السياق، وتأسيسًا على ما سبق، لا بد من التحضير لحوار القاهرة وعمل كل ما يمكن لإنجاحه، ولينبثق عنه – إذا اقتضى الأمر – تشكيل لجنة لمواصلة الحوار للتوصّل إلى رؤية واحدة، وإستراتيجية موحّدة، وبرنامج قواسم مشتركة، وقيادة واحدة، على أن يشارك في الحوار أوسع تمثيل ممكن، إذ لا يجب ينحصر على بالفصائل، وإنما يضم ممثلين عن كل التجمّعات والشباب والمرأة، ويكون جدول أعماله أكبر من بند الانتخابات، ويشمل كيفية ومتطلبات إنهاء الانقسام، وتحقيق الشراكة الكاملة في السلطة والمنظمة، والتحديات والمخاطر والفرص المتاحة، إضافة إلى القضايا المحورية التي تجاهلها لا يحل المشاكل والعقبات التي تسببها، بل يجعلها تقف أمامنا بشكل أكبر.

إن توفير المستلزمات التالية ضروري لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها:

أولًا: التراجع عن القرارات التي مسّت السلطة القضائية، والتي أدت إلى خضوعها للسلطة التنفيذية، وذلك لأن بقاءها يبرر الخشية من توظيفها لخدمة طرف على حساب أطراف أخرى، ما يسبب ردود أفعال تهدد الانتخابات ونتائجها، وعلى سبيل المثال لا بدّ من تشكيل محكمة الانتخابات بالتوافق، وليس بتنسيب من مجلس القضاء المختلف عليه بشدة.

ثانيًا: الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات في القدس أسوة ببقية المدن والقرى، وعدم الاكتفاء بالحديث عن بدائل غامضة، ورهن ذلك بموافقة سلطات الاحتلال، وهذا يمكن من خلال أشكال عدة، منها فتح مراكز اقتراع في المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، والمدارس، وسفارات أجنبية صديقة توافق على ذلك، إذ لا بد من تحدي الاحتلال الذي سيظهر على حقيقته إذا منع الناخبين من ممارسة حقهم في الاقتراع.

ثالثًا: تعديل قانون الانتخابات بما يضمن:

•تمثيل المرأة بـ 30% تطبيقًا لقرار المجلس الوطني، لأن التعديلات تعطي المرأة نسبة 26% ترشيحًا.

•تخفيض سن الترشح لعضوية المجلس التشريعي إلى 25 أو 23 سنة بدلًا من 28، لأن بقاء القانون على ما هو عليه يحرم أكثر من 880 ألف شاب وشابة من حقهم في الترشح.

•ربط تقديم الموظف الحكومي والأهلي استقالته بالنجاح في الفوز، وليس بالترشح، لأن وجود هذه المادة يقيد أكثر من 177 ألف موظف حكومي، وعشرات آلاف الموظفين في المنظمات الأهلية، من خلال ربط الترشح بتقديم الاستقالة وقبولها من المسؤولين، فهذا يمس بحق الترشح.، ويعرض الموظّف إلى خسارة عمله إذا لم يفز في الانتخابات.

•السماح للفلسطينيين حاملي الهوية المقيمين في الخارج بالانتخاب في السفارات أسوة بما تقوم به البلدان كافة.

رابعًا: تشكيل حكومة انتقالية فورًا، تقوم بالشروع في توحيد المؤسسات، خصوصًا القضائية والأمنية، وتوفير أجواء الثقة والحيادية لإجراء الانتخابات، من خلال توفير أمن موحد للانتخابات في الضفة والقطاع.

إن تشكيل الحكومة الانتقالية نقطة مهمة كونها تزيد من احتمال إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وتحترم نتائجها، وتوفّر حائطًا يمكن الاستناد إليه إذا حصل ما يحول دون إجراءها.

خامسًا: توقيع ميثاق وطني يتضمن تعهدًا من جميع الكتل المتنافسة بالمساهمة في توفير حرية ونزاهة الانتخابات واحترام نتائجها، والتقيد بالأنظمة والقوانين، بما في ذلك المتعلقة بالتمويل المالي القانوني للحملات الانتخابية، والابتعاد عن التمويل الخارجي الرامي إلى التأثير على نتائج الانتخابات لصالح قوى ومحاور خارجية، وتوفير حرية الرأي والدعاية وحيادية المؤسسات الإعلامية العامة.

سادسًا: اعتماد قواعد العمل الجبهوي، نظرًا لكون فلسطين محتلة، وتمر بمرحلة تحرر وطني ديمقراطي، وهذا يتطلب تجميد تطبيق مبدأ تداول السلطة إلى حين إنهاء الاحتلال وإنجاز السيادة والاستقلال لدولة فلسطين، وهذا يقتضي الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية أو وفاق وطني، تضم ممثلين عن مختلف الكتل الممثلة بالمجلس التشريعي القادم بغض النظر عن الكتلة الفائزة، بحيث أن ما يختلف في تشكيلة الحكومة هو أن الكتلة أو الكتل الفائزة تسمي رئيس الحكومة وتحظى بعدد مناسب من الحقائب الوزارية مع ما حصلت عليه من أصوات.

كما من المفترض أن يتم الاتفاق المسبق على كيفية التعامل مع شروط اللجنة الرباعية الظالمة، لا ترك هذا الأمر المهم جدًا إلى ما بعد الانتخابات، ما يهدد باستمرار الانقسام وتعميقه، أو بشق الطريق لوضع مرشحين للتشريعي والوزارة على مقاس المقبولين إسرائيليًا وأميركيًا.

سابعًا: لا بد من الاتفاق على الأساس السياسي وعلى وظيفة الانتخابات على أساس أنها وسيلة وليست غاية، وبما يمنع تمديد التزامات أوسلو وسلطة الحكم الذاتي والمرحلة الانتقالية حتى إشعار آخر، وهذا يتطلب وضع خطة تقوم على العمل لتغيير شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها وموازنتها، وأن الدولة الفلسطينية قائمة ولكنها غير مستقلة وبلا سيادة، وأن أي مفاوضات قادمة لا بد أن تتضمن مرجعيتها الاعتراف بالدولة والحقوق الوطنية الفلسطينية، وليس وضعها وبقية الحقوق تحت رحمة المفاوضات. فالمفاوضات ليست على الحقوق المقرّة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وإنما لتطبيقها.

وحتى تصبح مثل هذه المفاوضات ممكنة، لا بد من تغيير جوهري حاسم في ميزان القوى، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون إنهاء الانقسام، وإنجاز الوحدة والشراكة، بما يمكن من حشد طاقات الشعب الفلسطيني وجهوده وأفراده كلها في اتجاه واحد.

ثامنًا: لا بد من الاتفاق المسبق وقبل إجراء الانتخابات على كيفية منع، أو الحد من قدرة سلطات الاحتلال على مصادرة نتائج الانتخابات، من خلال اعتقال النواب غير المرضي عنهم، عبر الاتفاق على إصدار قانون في بداية عمل المجلس التشريعي القادم يسمح بتوكيل النائب المعتقل أو أن يحل النائب التالي من كتلته محله.

كما يمكن أن يقرّ المجلس التشريعي غداة انتخابه استحداث منصب نائب الرئيس، استفادة من التجربة الماضية حينما وصلنا إلى وضع كنا فيه من دون مجلس تشريعي، وبالتالي إذا حصل شغور في منصب الرئيس لا يوجد جواب قانوني لملئه. وهنا، يجب إزالة اللبس في قانون الانتخابات المعدّل لجهة انتخاب رئيس دولة فلسطين، بينما المجلس التشريعي للسلطة، وهذه نقطة مهمة جدًا.

تاسعًا: تشكيل لجنة تحضيرية لاستكمال انتخابات المجلس الوطني لاختيار 200 نائب، حيثما أمكن ذلك، من خلال عمل سجل ناخبين، ووضع قانون لانتخابات المجلس الوطني يناسب الفلسطينيين في الخارج، أو تعديل وتغيير القانون الموجود، وتشكيل لجنة أو لجان انتخابات جديدة في كل تجمع فلسطيني، أو تفويض اللجنة القائمة بذلك، إضافة إلى البحث مع البلدان التي يقيم فيها فلسطينيون وطمأنتهم على الحرص على أمنها وسلامتها واستقرارها.

أما في الأماكن التي لا يمكن أو غير واقعي إجراء انتخابات فيها، فيمكن وضع معايير موضوعية لتعيين ممثلين عنها، عبر أوسع مشاركة من التجمعات باختيار ممثليها، وبالتوافق الوطني، بعيدًا عن المحاصصة الفصائلية.

أما شعبنا في أراضي 48 فيمكن إيجاد صيغة لتمثيلهم من خلال لجنة المتابعة، وبما لا يضر بحقوقهم المدنية والوطنية وتواجدهم في وطنهم.

عاشرًا: لضمان أن تكون الانتخابات تعددية تنافسية تتيح الناخب خيارات وبرامج عدة، يجب عدم التفكير في تشكيل قائمة مشتركة بين حركتي فتح وحماس، أو قائمة وطنية تضم الجميع لتفوز بالتزكية، لأن هذا يضرّ بالديمقراطية بالصميم، ويبقي القديم السيئ على قدمه، وتشجيع قوى اليسار على تشكيل قائمة واحدة تضاعف نسبة تمثيله، وتشجيع قوى الإسلام السياسي المؤمنة بالمشاركة على تشكيل قائمة واحدة، وكذلك القوى ذات الاتجاه الوطني والليبرالي، مع حق كل قوى أو مجموعة قوى أو مستقلين على خوض الانتخابات بقوائم مختلفة.

المهم أن تُجرى الانتخابات في إطار من الوحدة، أو الاتفاق الملزم لتحقيقها عبر الاتفاق على أهداف وطنية مشتركة، وقواعد عمل تنسجم مع مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي، وعلى أشكال النضال والعمل السياسي والنضالي القادرة على تحقيقها.

ملاحظة ختامية: أعرف أن ما جرى ويمكن أن يجري مختلف جدًا عما أسلفت، ولكن هذا لا يمنع من وضع تصوّر واضح لما يجب أن يكون، وإظهار عوار الجاري تطبيقه والسعي لتحقيق المطلوب خطوة خطوة ومرحلة إثر مرحلة، عبر بلورة تيار سياسي جماهيري وطني للإنقاذ الوطني عابر للفصائل والتجمعات والمستقلين.