رغم كل شيء، تركيا تأمل أن تفتح لها ، اسرائيل الباب للولايات المتحدة

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

موقع المقامرة التركي “هوليغان بيت” اضاف مؤخرا خيار مقامرة جديد. الى جانب نتائج العاب كرة القدم، يمكن للمراهنين أن يخمنوا هل جو بايدن سيقوم بالاتصال مع رجب طيب اردوغان. الرئيس الامريكي لم يتحدث حتى الآن مع نظيره التركي منذ دخوله الى البيت الابيض. وكذلك لم يوافق على الطلب الذي وجه لطاقمه باجراء محادثة كهذه قبل أن يتسلم منصبه. يتضح أن بايدن قد سجل أمامه بأن اردوغان كان من بين الزعماء الاخيرين الذين اتصلوا من اجل تهنئته بالفوز في الانتخابات. وهكذا فانه ليس في عجلة من امره. بشكل خاص، مع الاخذ في الحسبان بأنه سمى الرئيس التركي في السابق بالديكتاتور، ووعد في حملته الانتخابية بأنه سيعرف كيف يتعامل معه.

​في حين أن المراهنات مفتوحة للجمهور، فان اردوغان ينظر بأم عينيه كيف أن مستشارين وجنرالات انتقدوه بشدة وطلبوا فرض عقوبات على تركيا، يتم تعيينهم في وظائف عليا في الادارة الامريكية الآخذة في التشكل. أحد هؤلاء، انطوني بلينكن، تم اختياره لشغل منصب وزير الخارجية.

​في جلسة استماع له في الكونغرس، قال بلينكن بصورة قاطعة إن “الفكرة أن شريكنا الاستراتيجي، وكأنه شريك استراتيجي، يقف في صف واحد مع أحد منافسينا الاستراتيجيين، روسيا، هي أمر لا يتقبله العقل. تركيا هي حليفة بعدة مفاهيم، لكنها لا تتصرف كما يجب أن تتصرف الحليفة. هذا تحد كبير جدا بالنسبة لنا. نحن يقظين جدا في هذا الشأن”.

​شخصية كبيرة اخرى هي الجنرال لويد اوستن، الذي تم تعيينه في منصب وزير الدفاع الامريكي. اوستن كان قائد المنطقة الوسطى في الجيش الامريكي. وكجزء من منصبه كان المسؤول عن التعاون العسكري مع تركيا في محاربة داعش، الذي في اطاره دربت تركيا والولايات المتحدة رجال مليشيات سورية لمحاربة هذا التنظيم الاسلامي. اموال كثيرة خصصت واستثمرت في هذه التدريبات. ولكن بعد أن أنهت المجموعة الاولى التدريب وعادت الى سوريا، نقل رجالها سلاحهم لجبهة النصرة، وهي المليشيا الاسلامية التي كانت فرع للقاعدة. الاشتباه كان في حينه أن تركيا هي التي وقفت من وراء هذه العملية. اوستن قرر أن يقوم بتبديل الحلفاء وبدأ بتبني الاكراد في سوريا كحلفاء له في هذه الحرب. في نظر تركيا اعتبر المسؤول عن سياسة الدعم والمساعدة للاكراد، الذين تدير ضدهم تركيا الحرب، وحتى أنها قد طلبت من الرئيس السابق دونالد ترامب التوقف عن دعمهم.

​الشخصية الامريكية الثالثة التي تقلق اردوغان هي الجنرال بيرت ماكغراك، الذي تم تعيينه في وظيفة منسق اعمال مجلس الامن القومي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ماكغراك مثل اوستن، اعتبر ايضا مهندس التعاون مع الاكراد، وفي السابق هاجم بشدة سياسة تركيا تجاه الاكراد في سوريا وهجماتها في العراق. “هذه ليست جبهة ضد تركيا، بل هي حاجز طرق امام اردوغان”، قال للصحيفة مراسل تركيا يكتب في موقع للمعارضة. “اردوغان يعرف أن قناة الاتصال المباشرة التي كانت له مع ترامب ستتغير. فهو لم يعد بامكانه الاتصال مع الرئيس كلما خطر بباله. واذا لم يرغب في الصعود على المتراس امام بايدن فسيضطر الى تكييف سياسته معه، وهو لا يتوقع أن يقوم الرئيس الامريكي بالتربيت على كتفه مثلما فعل ترامب”.

​اردوغان ينتظر في هذه الاثناء بفارغ الصبر توجه بايدن اليه. وفي نفس الوقت الذي يستعد للمحادثة من خلال ارسال رسائل جديدة حول نيته العودة الى السياسة الخارجية التي تبناها في العقد الاول من حكمه، والتي تتلخص بجملة “صفر مشكلات مع الجيران”. مثال بارز على هذه السياسة، الرسائل التي يرسلها لاسرائيل. مستشاره لشؤون الامن والخارجية، مسوط هاكي جاشين، قال في مقابلة مع “صوت امريكا” في الشهر الماضي بأن محادثات حول تحسين العلاقات بين اسرائيل وتركيا يمكن أن تجرى قريبا، والعلاقات يمكن استئنافها في شهر آذار… اذا قامت اسرائيل بخطوة الى الامام فان تركيا ستقوم بخطوتين”.

​وأشار ايضا الى أنه “في السابق تركيا اشترت من اسرائيل سلاح كثير، ويمكن اعادة ترتيب ذلك من جديد”. واشار الى أن “تركيا يمكنها أن تكون الزبون الاكبر لاسرائيل في مجال الغاز والنفط”. جاشين بالمناسبة، هدد قبل اسبوعين بأن المخابرات التركية ستلقي القبض على المراسل التركي الموجود في المنفى في السويد، عبد الله بوزكورت، وسيقومون باطعامه لسمك القرش. بوزكورت غادر تركيا بعد الانقلاب الفاشل في تموز 2016، ومنذ ذلك الحين هو مطلوب من قبل السلطات التركية.

​رسائل جاشين حول علاقات تركيا واسرائيل تأتي بعد بضعة اسابيع على نشر تقارير في تركيا بأن النظام يقيد خطوات نشطاء حماس، ويقصر فترة تأشيرات مكوثهم في تركيا، ويعمل ضد الجمعيات الخيرية التي تستخدم كمؤسسات وهمية لتمويل وتبييض اموال حماس مثل “معهد راية” و”التحالف العالمي لمساعدة الفلسطينيين” و”جمعية الايدي البيضاء” الممولة بشكل جزئي من قبل قطر. وهناك شك اذا كانت تركيا ستغير في القريب سياستها تجاه حماس، التي علاقتها معها هي علاقة ذات وجهين، من جهة هي تقدم لها التمويل ومجال عمل على اراضيها، ومن جهة اخرى حماس توفر لتركيا مكانة في القضية الفلسطينية. ولكن اذا كانت هناك ايماءات من البرود تجاه حماس يمكن أن تساعدها في تمهيد طريقها الى قلب البيت الابيض، مباشرة أو من خلال اسرائيل، فتركيا لن تتردد بالقيام بها.

​العلاقات مع حماس بشكل خاص، ومع الاخوان المسلمين بشكل عام، هي اختبار ورقة عباد الشمس التي تضعها دول الخليج ايضا امام تركيا، مثلما وضعتها أمام قطر، التي تم التوقيع معها في هذا الشهر على اتفاق المصالحة الذي بموجبه رفعت العقوبات العربية عنها. في نظر مصر التي معها تسعى قطر الى تحسين العلاقات، وحتى أنها تتحدث عن “خارطة طريق” لاعادة العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، فان تأييد تركيا للاخوان المسلمين سيحدد مصير العلاقة بين الدولتين. مصر التي لها علاقات منظمة مع حماس، وفي نفس الوقت تعتبر الاخوان المسلمين منظمة ارهابية تدير ضدها حرب ضروس، غير راضية من أن تركيا قد تحولت الى أحد الأوصياء على حماس.

​تركيا، حسب القاهرة، ليست فقط خصم ايديولوجي، بل هي تعمل على اضعاف حصرية مصر كوسيطة في النزاع الفلسطيني الداخلي، واضعاف مكانتها كحاملة “حقيبة فلسطين” في الشرق الاوسط. تحسين العلاقات بين تركيا واسرائيل، اذا لم يتم القيام به بالحذر المطلوب من جانب اسرائيل، مع الاهتمام بحساسية مخاوف مصر، من شأنه ايضا أن يمس بشبكة العلاقات مع مصر، وليس فقط بالموضوع الفلسطيني. اسرائيل ومصر شريكتان في منتدى الغاز في شرق البحر المتوسط، الذي فيه اعضاء ايضا اليونان وقبرص، والذي استهدف صد نوايا تركيا في التنقيب عن الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط في المناطق التي تدعي اليونان وقبرص ملكيتها عليها. هذا المنتدى اقيم بعد أن وقعت تركيا على اتفاق ترسيم الحدود الاقتصادية بينها وبين ليبيا، بصورة من شأنها المس بضخ الغاز المصري والغاز الاسرائيلي الى اوروبا.

​في الوقت الذي فيه اسرائيل تقوم بفحص خطواتها ازاء تركيا وتنتظر رؤية ماذا ستكون سياسة بايدن تجاه انقرة، في مصر يرون في رسائل المصالحة التركية تجاه اسرائيل مناورة تستهدف في افضل الحالات بناء مسار الى واشنطن، وفي اسوأ الحالات خطوة تسعى الى تفكيك “حلف الغاز” والمس بمصالح مصر الاقتصادية. من المهم أن تركيا التي ما زالت تعتقد أن اسرائيل يمكنها أن تفتح لها ابواب الولايات المتحدة رغم العلاقات الباردة التي تسود بين بايدن ونتنياهو. وعلى الاقل في هذه الاثناء تركيا حذرة في أن لا تهاجم اسرائيل أو أن تشتم رئيس حكومتها.

​عصا سياسية

​إن ضرورة اعادة تموضع تركيا في صورة جديدة، على الاقل في نظر امريكا، تلزم اردوغان بأن يواجه شريكه في الائتلاف، دولت بهاتشيلي، زعيم الحزب الوطني، الذي ساعده لينتخب كرئيس في العام 2018. تجاه الخارج يبدو هذان الاثنان كزوج فائز بدون منافسين. ولكن بينهما يسود بينهما منذ بضعة اشهر توتر وغضب، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الايديولوجي. بهاتشيلي يعارض أي مصالحة مع الاكراد في تركيا. ويطالب باخراج الحزب المؤيد للاكراد، اتش.دي.بي، خارج القانون، في حين أن اردوغان يظهر علامات استعداد للمصالحة.

​لقاءات اردوغان مع رؤساء احزاب صغيرة لم تحظ بالتمثيل في البرلمان، تثير لدى بهاتشيلي التخوف من أن الرئيس يمهد الارضية للانتخابات التي ستجرى في 2023، والتي فيها يمكن أن يضم اليه القوائم الصغيرة من اجل التخلص من الشراكة معه وأن يصبح رئيس لا يعتمد على غيره بشكل كامل. استطلاع اجراه في شهر كانون الاول المعهد التركي “متروبول” اشار الى أن 34.5 في المئة فقط من المستطلعين أيدوا استمرار النظام الرئاسي، مقابل 51.4 في المئة أيدوا هذه الطريقة في 2017 عندما تم اجراء استفتاء شعبي حول الدستور الجديد.

​إن انخفاض نسبة التأييد يمثل بصورة واضحة خيبة الأمل والاحباط في اوساط مواطني تركيا من سياسة اردوغان الداخلية، ومن عدم السيطرة على وباء الكورونا ومن الازمة الاقتصادية العميقة التي يتحمل الرئيس اردوغان المسؤولية عنها بشكل كامل. بالنسبة لبهاتشيلي فان بيانات الاستطلاع تشكل ضمانة سياسية بأن يواصل كونه الحليف السياسي الحيوي لاردوغان، طالما أن الاخير لا يناور ضده ولا يجذب اليه عدد من الاحزاب الاخرى.

​الساحة الداخلية غير مفصولة عن تحديات سياسة اردوغان الخارجية، سواء امام الولايات المتحدة أو الاتحاد الاوروبي. تحالف اوروبي – امريكي ضد تركيا لم يكن قادرا على البقاء طالما أن ترامب بقي الرئيس. ولكن الآن، عندما تم التهام الاوراق، فان اردوغان بحاجة الى التخلي عن عدد من الاعباء الثقيلة التي تعمل مثل الغام في طريق المصالحة. امام الولايات المتحدة سيكون مطلوب منه حسم مسألة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات من طراز “اس 400″، وامام الاتحاد الاوروبي سيكون مضطر الى التوصل الى تفاهمات حول التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وأمامهما معا سيكون عليه مواجهة طلباتهم بأن يحسن بصورة ملموسة التعامل مع حقوق الانسان، وخاصة في مجال المس بالصحافيين والخصوم السياسيين، والتآكل في استقلالية جهاز القضاء والاعتقالات السياسية وملاحقة نشطاء حقوق الانسان.

​هذه مواضيع لم تكن تهم ترامب على الاطلاق. ولكنها تقلق جدا بايدن، وبالطبع الاتحاد الاوروبي. مشكلة اردوغان هي أنه حتى لو اراد اجراء اصلاحات في هذه المجالات، التي وعد بطرحها في شهر شباط، فهو يمكن أن يجد شريكه بهاتشيلي وراء الزاوية وهو يحمل في يده عصا سياسية مهددة.