الذراع السياسي للجيش الاسرائيلي

حجم الخط

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل

الخطاب الذي القاه رئيس الاركان، افيف كوخافي، في هذا الاسبوع في مؤتمر معهد بحوث الامن القومي، كان بمثابة ما اعتيد على تسميته في الجيش “حدث تأسيسي”. بعد سنتين، عندما تأتي وسائل الاعلام لتلخص فترة ولاية كوخافي (على فرض أن الحكومة ستصادق على تمديد فترته لسنة رابعة) سيذكر خطاب منتصف الولاية كلحظة انطلاق، التي منها سيتم أخذ الاقتباسات المناسبة.

​معظم الخطاب كرس للقضايا القريبة من قلب رئيس الاركان – البرنامج متعدد السنوات، التغييرات الاخرى التي ينوي القيام بها والمعركة بين حربين، التي في اطارها تهاجم اسرائيل اهداف بعيدة جدا عن اراضيها. في المقابل، حافظ رئيس الاركان على مسافة آمنة من أي تطرق للعلاقة بين الجيش الاسرائيلي والمجتمع الاسرائيلي. في المناطق التي اعتاد على التجول فيها أسلافه بسعادة زائدة، فان كوخافي يرى فيها فقط حقل الغام خطير.

​ولكن العنوان الرئيس في الخطاب قدمته ايران. ولمزيد الدقة، اختيار كوخافي لاتباع خط هجومي في مسألة المشروع النووي الايراني بعد اسبوع على أداء الرئيس الامريكي الجديد للقسم، وقبل فترة قصيرة من الاستئناف البادي للمفاوضات بين واشنطن وطهران. رئيس الاركان قال إن الاتفاق النووي الذي بلورته ادارة اوباما مع ايران في 2015 كان اتفاق سيء، وحذر من أن توقيع اتفاق جديد “مشابه، لكن مع بعض التحسينات، سيكون أمر سيء وغير صحيح”. وقال إن ايران يمكن أن تستخدم السلاح النووي اذا نجحت في تطويره. وقام بتهدئة النفوس عندما قال إن الجيش الاسرائيلي عمل بتوجيه منه من اجل بث الحياة في الخطط العملياتية لمهاجمة المنشآت النووية.

​في اشهر الربيع والصيف من كل عام بين 2009 الى 2013 فحصت اسرائيل شن هجوم جوي مستقل على ايران. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لم يخرج في النهاية الخطة الى حيز التنفيذ لثلاثة اسباب وهي الخوف من أن خطوة عسكرية اسرائيلية لن تنجح وحدها في ارجاع المشروع الايراني سنوات للوراء والمعارضة الامريكية الحازمة لهذه العملية وتحفظ معظم كبار اجهزة الامن الذين خافوا ايضا من حدوث شرخ مع واشنطن وايضا من حرب صواريخ مدمرة مع حزب الله.

​في الاعتبار الكابح الثالث حدث اضمحلال مع مرور السنين، الذي ظهر للمرة الاولى بصورة صريحة في اقوال كوخافي. المبرران الاول والثاني بقيا على حالهما. ايضا الآن احتمالية تحقق الخيار العسكري الاسرائيلي ضد ايران تبدو ضئيلة، لكن اخراج هذا الخيار على الملأ عن طريق رئيس الاركان يخدم نتنياهو امام بايدن. ربما أن هذا يساعد ايضا على تحسين العلاقة  بين كوخافي ونتنياهو.

​نتنياهو قال أمس إن اقوال رئيس الاركان تعكس ايضا موقفه. وزير الدفاع بني غانتس رمى شيئا ما حول ذلك عندما قال إنه من الافضل استيضاح هذه المسائل في الغرف المغلقة. في محيط كوخافي ينفون بشدة أي تنسيق مسبق لمضامين الخطاب مع نتنياهو. وفي هذه المرة ايضا لم يكن لغانتس أي فكرة عن الموضوع. قبل بضعة ايام من ذلك شدد وزير الدفاع لقيادة جهاز الامن على الحاجة الى عدم التشاجر مع الادارة الامريكية الجديدة في فترة حساسة جدا.

​نتنياهو، خلافا للوضع الذي ساد عشية التوقيع على الاتفاق، من المريح له أن يكون المستوى المهني في الجبهة امام الامريكيين. هكذا، سيظهر الامر كموقف امني ليست فيه اعتبارات سياسية، لكن الخطوة التي اتخذها رئيس الاركان هي خطوة اشكالية في القيادة الامنية. وقد كانت هناك جهات رفيعة المستوى اعتبرت اقواله، في محادثة مع “هآرتس”، مثل “هدف ذاتي امام الامريكيين”. وحسب اقوال هذه الجهات فان الجيش الاسرائيلي كان حذرا خلال كل هذه السنين من أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الادارات المتبدلة في واشنطن، حتى في الفترات التي كانت فيها علاقات متوترة بين مكتب رئيس الحكومة والبيت الابيض. جهة من هذه الجهات اشارت الى أن “الامريكيين سيوقعون على اتفاق مع ايران، معنا أو بدوننا. رغم التصريحات، من غير المعقول أن نعمل وحدنا ضد ايران بعد الاتفاق. الوضع الحالي يجب استغلاله لتوطيد العلاقة مع الادارة الجديدة ومن اجل التأثير على المفاوضات وضمان تعويض امني كبير لاسرائيل فيما بعد. والمواجهة العلنية مع الرئيس ليست الطريقة الصحيحة لتحقيق ذلك”.

​شخص آخر رافق عن قرب طوال سنوات العلاقات الامنية بين الدولتين اشار الى أن “هذا مجرد استقبال للرئيس بعد اسبوع على تسلمه لمنصبه. المشكلة ليست أن رئيس الاركان يعتقد أن الاتفاق هو سيء، بل أنه يبث للامريكيين بأنهم يعملون لدينا. نحن ننتقد الادارة الجديدة وبعد ذلك نأتي لطلب الاموال والسلاح واستخدام الفيتو، وكأننا لم نتعلم أي شيء من الجولة السابقة”. وحسب اقواله، “توجد قاعدة حديدية بحسبها لا يتم توجيه انتقاد علني للرئيس وسياسته. النقاشات يجب أن تكون في غرف مغلقة. الادعاء المضاد وكأنهم بحاجة الينا على الاقل مثلما نحن بحاجة اليهم، هو ادعاء مضحك. الولايات المتحدة تتدبر امورها حتى بدون الاستخبارات لدينا. نحن لا نتدبر أمرنا بدون سلاحهم. التنسيق الامني والاستخباري لا يتم بدون توجيه من الرئيس. نتنياهو اعتاد خلال سنوات على أن يركب على الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين. ولكن من الآن الديمقراطيون هم الموجودون في الحكم. حيث توجد لهم اغلبية في مجلس الشيوخ وفي مجلس النواب. لن يكون هناك المزيد من مشاهد الاستعراض في الكونغرس.

​في هذه الاثناء، ادارة بايدن تعطي اشارات بأنها لن تأتي للعب، المفاوضات مع ايران يمكن أن تستأنف في مرحلة مبكرة نسبيا، طالما أن الامر متعلق بالامريكيين. هذا الاسبوع اعلنت الادارة عن تجميد صفقات السلاح الكبيرة التي تم التوقيع عليها في فترة الرئيس دونالد ترامب مع السعودية ومع اتحاد الامارات. أحد هذه الصفقات تتعلق ببيع طائرات “اف35” للامارات. هذه هي الصفقة التي اثارت الخلاف في اسرائيل واستدعت انتقادا لنتنياهو الذي قام باخفاءها عندما وقع على اتفاقات التطبيع مع الامارات ومع البحرين.

​من المرجح أنه في نهاية الامر ستتم المصادقة على هذه الصفقات المطلوبة للصناعات الامنية الامريكية، ولكن في هذه الاثناء يبث الرئيس الجديد رسالتين. الرسالة الاولى، يبدو أنه يتوقع من دول الخليج تأييد مواقفه في المفاوضات مع ايران لأنه توجد لها ايضا ما تخسره. والثانية، سيفحص كل ذرة لشبهة فساد في الصفقات التي تركها ترامب ورجاله والمقربون منه خلفهم.

لمن هذه الآذان

​في هذه الاثناء نشر فيلم فيديو من خطاب رئيس الاركان على كل الضباط في الجيش بواسطة بيانات واتس أب. العنوان هو “بوصلة في كف اليد”، جزء من سلسلة افلام فيديو من اقوال رئيس الاركان يقوم بنشرها بصورة دائمة للضباط.  وقد اصبح من الواضح أن كوخافي لم يتراجع عن اقواله.

​كوخافي يعتبر تصريحاته بخصوص ايران تحليل مهني، هو جزء من واجبه كرئيس للاركان. في نظره هو عكس مواقف الحكومة التي يتفق معها ويتماهى معها تماما في الموضوع الايراني. اقوال مشابهة قالها في منتديات مغلقة للقيادة السياسية والامنية خلال السنة الماضية. رئيس الاركان، في رؤيته، ملزم بمباديء الامن الوطني لاسرائيل، وعليه أن يرفع علم احمر عندما يشاهد خطر أمني ملموس في الافق. وإلا فكيف ستبدو الامور بعد 10 – 15 سنة اذا تبين أن الايرانيين قد توصلوا مع ذلك الى القنبلة النووية واسرائيل لم تفعل الامور المطلوبة من اجل منع ذلك؟.

​اقوال كوخافي عن صقل الاستعدادات العملياتية وجهت بصورة اكبر الى الأذن الايرانية أكثر مما هي لبايدن. ومثلما في المراحل السابقة للمفاوضات فان التأكيد على الخيار العسكري يمكن أن يساعد ايضا في قدرات المساومة على طاولة المفاوضات. رئيس الاركان، هذا هو الانطباع السائد، لا يعارض بشدة أي اتفاق مع ايران، كما كان بالامكان تفسير اقواله في المعهد. ولكنه على قناعة بأن المجتمع الدولي يجب أن يصمم ادخال بنود لم تكن موجودة في الاتفاق الاصلي، الغاء فقرة “غروب الشمس”، التي سترفع بالتدريج القيود على المشروع النووي الايراني بعد خمس سنوات، وتشديد حقيقي للرقابة على تخصيب اليورانيوم والبحث وتطوير النووي ومجموعة السلاح (المسؤولة عن تطوير رأس نووي متفجر).

​كوخافي لا يختلف مع الاستنتاج بأن الاتفاق في السنوات الخمس الماضية منذ التوقيع عليه قد اعاق المشروع النووي. ولكن البنية التي تمت بلورتها، حسب رأيه، تشبه الحكم على قاتل بخمس سنوات سجن، مع معرفة واضحة بأنه عند خروجه ينتظره في البيت مخزن سلاح كامل.

​في خلفية الاقوال الاستثنائية يقف سؤال آخر مشتعل: ميزانية الدفاع. في ايلول الماضي، بعد جهود كبيرة، حصلت وزارة الدفاع على اضافة بلغت 3.1 مليار شيكل، كتعويض عن تقليصات واسعة تمت في السنوات الاخيرة. الآن يجري نقاش حول طلب اضافة اخرى بمبلغ 2 مليار شيكل. صحيح أن كوخافي يعلن بأنه يطبق بواسطة تحويل موارد داخلية، اجزاء كبيرة من الخطة متعددة السنوات، لكن فعليا تنفيذ الخطة لا يتقدم حسب توقعاته لاسباب مرتبطة في معظمها بالازمات السياسية والقانونية لنتنياهو. سنتان بدون ميزانية للدولة و3 (تقريبا 4) جولات انتخابية لا تسمح باستقرار النظام أو التخطيط للمدى البعيد.

​نتنياهو يعد مرة تلو الاخرى الجيش باضافة في الميزانية. لكنه يجد صعوبة في الوفاء بوعده، ايضا على خلفية الازمة الاقتصادية الشديدة التي تسبب بها وباء الكورونا. المفارقة هي أن خطة احلام رئيس الاركان متعددة السنوات موجهة في اساسها نحو تهديدات الدائرة الاولى (حزب الله في لبنان وحماس في غزة)، في حين أن معظم ما يهم نتنياهو يرتبط بالدائرة الثالثة، أي ايران. ربما أنه في النهاية سيقوم رئيس الحكومة بتحرير المزيد من الاموال للجيش الاسرائيلي. ولكنه سيطالب بأن توجه هذه الاموال لغايات تحسين الاستعداد لمهاجمة ايران. جزء من الانتقاد في الجيش الاسرائيلي لرئيس الاركان يقول بأنه يحاول تطبيق كل طموحاته، في كل الجبهات، دون أن يجري تفضيل بينها بصورة واضحة، وبدون الاعتراف بحقيقة أن ازمة الكورونا خلقت تغيير كبير في الظروف، التي تبعد الجيش عن رأس الصف عندما يدور الحديث عن توزيع موارد الميزانية.

​اذا أدت اقوال كوخافي الى توتر مع الادارة الامريكية فان هذا سيحدث في توقيت فيه جهاز الامن يحتاج بشكل خاص الى البنتاغون. كما اشار الى ذلك في هذا الاسبوع في مقال في “يديعوت احرونوت” للجنرال الاحتياط عاموس جلعاد عندما قال إنه منذ سنتين يتأجل تطبيق اتفاق المساعدات الامنية مع الولايات المتحدة الذي تم التوقيع عليه في 2016 في أواخر ولاية اوباما ودخل الى حيز التنفيذ في 2018. اسرائيل التي لا تقدم طلب شراء منظم، تضر بذلك زيادة قوة الجيش الاسرائيلي وسلاح الجو بشكل خاص.

​على الاجندة تقف سلسلة صفقات هامة لشراء طائرات تزويد بالوقود، طائرات مروحية للنقل وطائرات قتالية. البند الاكثر الحاحا يتعلق باستبدال مروحيات “يسعور”، التي سبق وتجاوزت سن الخمسين، وحسب تقدير سلاح الجو لا يمكنها الطيران الى أبعد من العام 2025. قبل اكثر من سنة قامت طائرة قديمة كهذه بعملية هبوط اضطراري في النقب بسبب خلل في المحرك. اعضاء الطاقم ومعهم قوة من وحدة النخبة “شلداغ” تركوا الطائرة قبل لحظة من احتراقها. القرار بشأن هوية الطائرة المروحية البديلة يجب اتخاذه الآن، بدون ذلك لن يكون بعيدا اليوم الذي فيه ستسقط طائرة مروحية مع طاقمها.

​ايضا هنا جزء من الذنب يقع على الكورونا وعلى غياب اصغاء الكابنت والحكومة، الذين لا يناقشون خطط التسلح للجيش الاسرائيلي. ولكن ايضا الجيش نفسه اضاع وقت ثمين، الذي سماه الضباط بصورة ساخرة المعركة بين ورشتي عمل – وهو سلسلة النقاشات الطويلة التي اجراها رئيس الاركان بشأن خطة “تنوفا” وتداعياتها.

​اقوال كوخافي في معهد بحوث الامن القومي استقبلت بالخليط المتوقع من الهجمات الشخصية من اليسار واحتضان حماسي من اليمين. وكالعادة، نتنياهو يقف في مركز الموضوع، وكوخافي الذي وقف الى جانبه في الخلاف الايراني يتلقى الادانات والتصفيق على التوالي. الاتفاق الذي وقع في 2015 مليء بالعيوب، وجزء منها كشف بصورة كبيرة خلال السنوات التي مرت منذ التوقيع عليه. المشكلة في اقوال رئيس الاركان تتعلق بالنغمة الحازمة التي تمت صياغته بها، وبامكانية أن تعكر علاقة الجيش مع الامريكيين. لا يوجد سبب للمطالبة باسكاته فقط لأنه قرر الانحراف عن مواقف أسلافه في القيادة الامنية. وبخصوص العناق الذي تلقاه من البيبيين يمكن الافتراض بأن كوخافي يذكر أن هذه المجموعة يخيب أملها بنفس السهولة التي تعشق فيها. وانحراف صغير عن صفحة الرسائل وتصميم على قيم الجيش الاسرائيلي امام الشعبوية المتصاعدة في الخارج، عندها سيكون هناك من يذكره بأنه مجرد موظف يقف في طريق مبعوث الاله.