الجنازات الحاشدة تقوّض ما تبقى من ثقة بحكومة نتنياهو

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 


انتهى كانون الثاني الأسود في ظل أزمة «كورونا» في إسرائيل بمشاهد كئيبة بشكل خاص. اكثر من 1400 حالة وفاة تم إحصاؤها في الشهر الأكثر قسوة، تسبب بها الوباء هنا حتى الآن، بمتوسط يزيد على 45 حالة وفاة يوميا. يضاف الى ذلك تقارير كئيبة من المستشفيات، تواجه عبئا غير مسبوق من المصابين بالمرض. كما أنه من اجل تأكيد عدم قدرة الحكومة على معالجة الازمة، جاءت الجنازات الحاشدة، أول من أمس، في القدس والتي احتشد فيها عشرات آلاف المتدينين دون أدنى خوف من قيام الشرطة بتنفيذ القانون.
استهزأت الجنازات في القدس بإدعاءات الحكومة بأنها تدير سياسة موضوعية أو مساواتية في صراعها ضد الفيروس. أيضاً أول من أمس تم توثيق رجال شرطة وهم يضايقون المارة، وسط تل أبيب، بسبب «الخوف من اتجمع» عشرات الاشخاص، في حين أن الشرطة خشيت من مواجهة الجمهور الواسع في القدس، وببساطة اختفت من الساحة.
ورغم أننا شاهدنا تجمعات حاشدة طوال فترة الوباء، إلا أن جنازة الحاخام دافيد سولوفيتسك وجنازة الحاخام اسحق شاينر ظهرت أكثر دراماتية. فقد جاءت بعد اسابيع كثيرة فتحت فيها مدارس كثيرة لتعليم التوراة في الأحياء الدينية و»في أعقاب حملات عديمة الأهمية» وعنيفة لتنفيذ القانون للشرطة في القدس وبني براك، الاسبوع الماضي. هذه الصور تقوض بقايا الثقة الجماهيرية بخطوات الحكومة، وتزيد الغضب والاغتراب تجاه الجمهور المتدين. يجب أن تقلق هذه الصور أولاً وقبل كل شيء الأصوليين أنفسهم، في الوقت الذي تُعتبر فيه الاصابة بالمرض أكبر بثلاثة اضعاف من نسبتهم في السكان.
في الوقت ذاته توجد هنا مشكلة سياسية آخذة في الاشتداد بالنسبة لرئيس الحكومة. فبنيامين نتنياهو بنى حملته قبل الانتخابات في 23 آذار على نجاح عملية التطعيمات، وإعلان «انتصار» آخر على «كورونا» وتحرير الاقتصاد قبلها. الآن، ليس فقط أن التخفيف في الأزمة يتأخر، بل الاستهزاء في أوساط الأصوليين بالتعليمات يجذب المزيد من الاهتمام للحلف غير المقدس بين نتنياهو وأحزابهم. وينبع العجز الذي يظهره أمام الخروقات من اعتماده المطلق على دعم الاحزاب الدينية بعد الانتخابات. نقطة الضعف هذه سيستغلها في الفترة القريبة القادمة جميع معارضيه، بدءاً بئير لبيد وافيغدور ليبرمان وحتى بني غانتس. بالنسبة لنتنياهو كانت الجنازات في القدس عملية تخريبية سياسية جماعية. وهو بالتأكيد كان أول من شخص ذلك.

تشاؤم مبالغ فيه
مع ذلك، يبدو التشاؤم الذي ميز النقاش حول «كورونا» في إسرائيل مبالغاً فيه قليلاً. عملية التطعيمات لم تفشل، رغم أن عدد الإصابات وعدد الوفيات ما زال لم ينخفض بالوتيرة التي توقعتها التنبؤات المبكرة. وقد شارك هذا الخطأ في تنبؤات جميع النماذج التي تستخدمها الحكومة. مصدر الخطأ، كما يبدو بنظرة الى الوراء، هو تحليل سرعة التأثير المتوقعة للتطعيم على عدد المرضى الذين يُعتبرون في حالة صعبة.
ولكن التطعيمات مع ذلك تؤثر بشكل إيجابي، هذا ببساطة يستغرق وقتا أطول مما تم توقعه مسبقاً. النتائج المؤقتة التي تنشرها صناديق المرضى تدل على أن مستوى المناعة المرتفع يتم تحقيقه كما يبدو فقط بعد أسبوع على تلقي جرعة التطعيم الثانية. وحتى ذلك الحين يضاف عدد غير قليل من الذين تلقوا التطعيمات الى قائمة المرضى. ربما أن عددا منهم قد تمت إصابتهم بسبب عدم معرفة درجة الخطر التي ما زالت تواجههم في الفترة الفاصلة.
في هذه الأثناء ورغم العدد المرتفع والثابت للمرضى في حالة صعبة (1200 شخص) فقد بدأ تغيير نحو الأفضل في متوسط عدد المرضى الجدد الذين في حالة صعبة. شهد هذا العدد انخفاضا طوال أسبوع تقريبا، من 200 حالة في اليوم في حالة الذروة الى 120 تقريبا الآن. وإذا استمر هذا الميل فسيتم قريبا استشعار انخفاض أولي في العبء الكبير على المستشفيات. المعطى المهم الآخر هو أن اكثر من 82 في المئة من المجموعة السكانية الاكثر تعرضا للخطر، أبناء ستين فما فوق، تلقوا الجرعة الاولى من التطعيم، وأكثر من نصفهم تلقوا الجرعة الثانية. رويدا رويدا وبصورة واثقة، المزيد من الإسرائيليين يحظون بالحماية من الفيروس.
ينسب الخبراء الجمود في مستوى الاصابة بالمرض على الصعيد القطري ايضا للانتشار الواسع لسلالة «كورونا» البريطانية الاكثر عدوى. ولكن ربما يكون الأمر مرتبطاً ايضاً بالطريقة التي يجري فيها الاغلاق الثالث، حتى بعد أن تم تعزيزه في منتصف الشهر الماضي. فعليا، مستوى تنفيذ القانون منخفض نسبيا. وليس هناك تقريبا حواجز للشرطة في الشوارع، وتسير الحركة دون إزعاج. أيضا جمع معطيات من الهواتف المحمولة يدل على أن مستوى حركة السكان مرتفع أكثر مما كان في الإغلاقين الأولين.
ليس فقط الشرطة هي المتعبة، بل أيضا الجمهور متعب. فقد مرت على الإسرائيليين سنة لا تحتمل. وليس من الغريب أن الناس لا يسارعون الى التوقف ايضا حتى عندما يشرح لهم وزير الصحة خطورة الوضع (رئيس الحكومة على الأغلب ينشغل باحتفالات نجاح التطعيمات، الأمر الذي يجعله لا يتطرق الى ذلك).
أول من أمس قررت الحكومة تمديد الاغلاق حتى يوم الجمعة القادم. ومن الارجح أن الاغلاق سيتم تمديده لأسبوع آخر بعد ذلك. على المدى البعيد، على فرض أن الإصابة بالمرض ستنخفض في النهاية، ستكون هناك معضلة الاختيار بين طرق العمل الثلاث، مثلما عرضها رئيس كابنت الخبراء، البروفيسور ران بلاتسر: فتح سريع للاقتصاد، فتح بطيء ومراقب، أو محاولة طموحة لتقليد نموذج نيوزيلندا مع الوصول إلى «صفر إصابات».
على فرض أن الدولة ستقوم بتطبيق برنامجها لتطعيم اكثر من خمسة ملايين شخص حتى منتصف آذار، سيبقى حتى ذلك الحين أكثر من ثلث السكان بدون تطعيم: أولاد تحت سن الـ 16 (الذين تمنع تعليمات الشركة المنتجة للقاح «فايزر» في هذه الاثناء تطعيمهم)، وأشخاص بالغون أكثر لم يتلقوا التطعيم لأسباب مختلفة. ما زال هذا يشكل مسافة واسعة عن نسبة حصانة القطيع، التي تقدر الآن بنحو 80 في المئة، الأمر الذي يعني أن المرض سيعود كما يبدو إلى التفشي عند رفع القيود.
تبني النموذج الأول مع عودة كاملة تقريبا لروتين الحياة، يعني كما يبدو إمكانية العدوى الجماعية للأطفال والشباب. المرض في الحقيقة ليس خطيرا على غالبيتهم المطلقة. ولكن يكفي اصابة عدد صغير بصورة قاسية بالمرض، وبالأساس إصابة البالغين، من اجل أن يؤدي ذلك إلى تفشي آخر لإصابة واسعة، ستعود وستشكل عبئا على المستشفيات.
النموذج الثالث يبدو أنه صعب جدا على التطبيق. بقي الحل المؤقت وهو فتح مراقب مع الحرص على معامل منخفض للعدوى، الى مستوى أقل من 1، لكنه بحاجة الى خطوات معقدة من القيود والرقابة، ما يقتضي تجند الجمهور.

الخلاصة
يخلق الحرج إزاء الفيروس افكارا ابداعية ومتطرفة من وزارة الصحة. فمؤخراً تم ذكر احتمالية إلغاء اعفاء الحاصلين على وجبتي التطعيم من الحجر، واقتراح وضع قيود الكترونية للقادمين من الخارج والملزمين بالحجر. في هذه الاثناء لم يتم تبشيرنا بعد بتبني إسرائيل للاقتراح الصيني الثوري وهو أخذ العينة من المؤخرة. معظم هذه الإجراءات يتم تسريبها لمراسلي القنوات التلفزيونية، وهم بدورهم يقومون بنشرها بسعادة علنية في بداية النشرات.
المتدينون ليسوا وحدهم. فقد كشف ينيف كوفوفيتش، أول من أمس، في الصحيفة بأن كلية الأمن القومي أجرت فعالية احتفالية بمشاركة عشرات الضباط الكبار في القدس خلافا لتعليمات «كورونا» وبدون ارتداء الكمامات. المتحدث بلسان الجيش قال ردا على ذلك بأنه لم يكن هناك خروج عن الإجراءات في هذه الفعالية.
العفو، الجيش يسخر هنا من العمل. وزير الدفاع بني غانتس، الذي يطالب بتنفيذ القانون على المتدينين، يعيش هو نفسه في بيت من الزجاج. هذا احتفال تم التخطيط له مسبقا، بمشاركة موظفين عامين كبار وبدون أي مبرر عملياتي. وهذه ليست المرة الأولى خلال الأزمة التي تم فيها ضبط الجيش الإسرائيلي وهو يظهر الغطرسة، المقطوعة عن الواقع السائد في الدولة.
يجب أن ترى هيئة الأركان العامة بالصور التي نشرها كوفوفيتش جرس انذار. فهي تدل على الاستخفاف وعدم الانضباط في ظروف غير أمنية، ولكن هذه الأجواء يمكن أن تنزلق بسهولة أيضا إلى صفوف الجيش الإسرائيلي في مجال عمله الرئيسي.

عن «هآرتس»