حافظوا على وحدة القائمة المشتركة بكل أحزابها

حجم الخط

المحامي إبراهيم شعبان

 

أفق سياسي كئيب يحيط بمستقبل القائمة المشتركة في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد شهرين أو أقل، إذا توالت الغيوم السوداء المنبئة بانقسام القائمة المشتركة وتشرذمها، إثر حوادث هنا وهناك أدت إلى اهتزاز الثقة بين أحزابها. وكأن الشعب الفلسطيني في الداخل الرازح تحت موجة عنف وفقر وأزمة بناء وتخطيط وقلة فرص العمل ينقصه نقص في نوابه وممثليه في الكنيست الإسرائيلي وانكشاف لا مثيل له، في ظل تغول اليمين الإسرائيلي بدل زيادة عدد أعضائه، وتوحدهم في ظل خطر داهم.

لو تمت العودة للتاريخ القريب الذي يشكل درسا للجميع حتى لا ينسى، لوجدنا أن القائمة المشتركة حديثة العهد، وكان الصوت العربي متناثرا لعدة جهات متنافسة. وقد تأسست القائمة في 23 كانون الثاني من عام 2015 من أحزاب أربعة وهي: الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديموقراطي، والقائمة العربية الموحدة، والحركة العربية للتغيير. وكان سبب التأسيس هو رفع نسبة الحسم في التمثيل النسبي إلى 3,25% بعد أن كانت 2%، والخوف من عدم عبورها وبالتالي حرق أصوات المواطن الفلسطيني العربي في الداخل. وكانت المفاجأة أن القائمة فازت وقتها بثلاثة عشر مقعدا في ظل نسبة تصويت عربية منخفضة لم تبلغ 60%.

ويجدر التنويه بأن خلق القائمة المشتركة لم يعن ذوبان أحزابها بل بقاءها مستقلة . فقد وافقت الأحزاب الأربعة على توحدها الانتخابي مع المحافظة على استقلالها الإداري والمذهبي العقائدي. وقد احتوت القائمة على مرشحين من مختلفي الإتجاهات: مسلمين ومسيحيين ودروز ويهود، وعلمانيين وشيوعيين وليبراليين ومن الشمال والجنوب والوسط. وهكذا كانت وحدة حقيقية مع الإبقاء على الاختلافات القائمة.

في شهر شباط من عام 2019 عادت حليمة لعادتها القديمة، تمزقت القائمة المشتركة وانشطرت لكتلتين وهما: الجبهة للديموقراطية والحركة العربية للتغيير، والحركة الإسلامية والتجمع الوطني الديموقراطي . ويجب الإشارة فورا حتى لا ينسى القارىء إلى أن انشطار القائمة هذه الأيام المتوقع إلى انتقال كل من الحركة العربية للتغيير للحركة الإسلامية والتجمع الوطني الديموقراطي إلى الجبهة الديموقراطية عكس موقع عام 2019. وكان نتيجة هذا الانشطار أن القائمتين لم تحققا سوى عشرة مقاعد بدل ثلاثة عشر مقعدا في السابق.

وها هي اليوم، تعود القائمة المشتركة لصد الأخطار المحدقة بها من كل صوب وحدب. فبدأت بهجوم من بنيامين نتنياهو الذي كان وما زال يتوعد الفلسطينيين، بتودد غير مسبوق نحو العرب ومشاكلهم، واعتذر عما بدر منه سابقا، طمعا في سلبهم عدة مقاعد يحتاجها بعد ظهور جدعون ساعر الليكودي في الأفق ومنافسته إياه في تشكيل الحكومة القادمة. وتتنافس الأحزاب الصهيونية جميعا، يمينا ويسارا ووسطا ضمن تصنيفاتهم، في سلب الصوت العربي وتضع عربا في مقدمة مرشحيها أو ضمن مقاعد مضمونة ضمن قوائمها.

ومما زاد الطين بلّة، ظهور أصوات هامسة طيبة في المجتمع الفلسطيني، لم تلبث أن زادت شراسة وعُبّئت وسخرت لتخرج عن هدفها، لتعرض ولتؤكد عدم إنتاج المشتركة أي نتاج وطني أو ذي مصلحة للفلسطيني العربي. وهي تحرص دائما وباستمرار على مصالحها الشخصية البحتة وامتيازات أعضائها. ورافق ذلك تكثيف دور أجهزة إلإعلام والتلفزة الرسمية وغير الرسمية، ووسائل تواصل اجتماعي، لتؤكد على ذلك وتدعو لتفكيك المشتركة بعد فشلها وعدم الحاجة إليها. وسعى إلى ذلك اشخاص أو أحزاب صغيرة أو مبتدئة ذوي قوى منافسة، ترى في المشتركة حائلا دون صعودها وحاجبا للأصوات عنها. والناظر من بعد يشتبه في أن الموضوع برمته خطة محكمة لضرب المشتركة من داخلها والتشكيك في مصداقيتها بغض النظر عمن يقف على رأسها أو بجانبها أو بداخلها. وينطبق عليهم الحكمة القائلة " كلمة حق قصد بها باطل ".

المشكلة أن الكثيرين خلقوا وهما للمواطن الفلسطيني العربي مفاده أن القائمة المشتركة تستطيع تحقيق الأمنيات، وكأن المشتركة تستطيع بمفردها تحقيق المعجزات، ونسي هؤلاء جميعا أن المشتركة جزء من كل كاره لها ويحول دون أي إنجاز لها. بل يمكن القول لو أن المشتركة لو بلغت عشرين مقعدا لن تستطيع أن تأتي بما لم يأت به الأوائل، فهذه سياسات ولعب وتوازنات وأغلبية برلمانية. لكن من المهم وجود جسم للمشتركة حتى تحول دون سياسات وقوانين تؤكد عنصرية هذه الدولة والإضرار بمصالح الفلسطينيين العرب أو الإفادة منها مثل قانون كيمنتس والقومية.

عادت القائمة المشتركة إلى تحقيق إنجاز هام في شهر آذار من عام 2020 بفوزها بخمسة عشر مقعدا. ويبدو أن هذا الفوز اشعل نار الغيرة والمنافسة غير الشريفة وإسقاط الوحدة الوطنية والخيال المريض بين الكثيرين من المتنافسين، بحيث أن تفكك القائمة المشتركة يعد قاب قوسين أو أدنى رغم المحاولات الخيرة التي قوم بها نفر طيب من الشعب الفلسطيني والذي أزعجهم وقض مضجعهم عودة الإنقسام الفلسطيني من جديد.

دعونا نسال عن اسباب هذا التفكك وهل له اساس على الأرض ام أن هناك أسباب خفية. حينما قامت القائمة المشترك تم الاتفاق بين الأحزاب الأربعة على بيان سياسي يقوم على ثمانية قواعد. أولها أن الشعب الفلسطيني شعب أصيل في هذه البلاد وصاحب حقوق قومية وفردية ويحق له إدارة شؤونه الثقافية والدينية وأنه جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

ثانيهما أن الحل العادل للقضية الفلسطينية يتمثل في إقامة دولته وعاصمته القدس وزوال الاحتلال وحق العودة والإفراج عن الأسرى جميعا . وثالثهما إقامة مبدأ المساواة في إطار البناء والتنظيم والأراضي.

ورابعها مناهضة العنصرية. وخامسها تحقيق العدالة الإجتماعية. وسادسها العمل على تحقيق المساواة للمرأة في العمل والأجور والفرص والمشاركة والتعلم.

وسابعها التأكيد على اللغة العربية وتطويرالمساهمة في الثقافة العربية. وثامنها محاربة العنف والجريمة المنظمة في المجتمع العربي.

أفبعد هذه المبادىء الثمانية يوجد خلاف بين الأحزاب العربية. أوليست هذه أهداف تجمع عليها جميع فئات المجتمع الفلسطيني من أقصاه إلى أقصاه. وهل يستطيع أحد أن يتنكر لهذه المبادىء؟ وهل هي غير مقبولة على أحد؟

لنفترض أن أحدا لديه تحفظا على موضوع جزئي ما، أوليست الكياسة والمصلحة العامة تقتضي الحفاظ على المشتركة بدل تفككها والإبقاء على التحفظ في أجندتها بدل أن يكون سببا للتفكك؟ الا نستطيع ان نبقي وحدتنا في ظل خلافات داخلية بسيطة؟ وهل هناك أسرة أو مجتمع أو هيئة بدون خلافات؟ اليست هذه الطبيعة البشرية التعددية في جميع التجمعات الإنسانية؟!

رب قائل أن القائمة المشتركة أخطأت في التوصية على جانتس أو بالتوصية الإيجابية على قانون ما، وبالتالي يجب أن تذهب للجحيم. كل من يعمل يخطىء، أما الجالسون والقابعون على مقاعدهم والمنظرون فهم الوحيدون الذين لا يخطئون لأنهم لا يعملون ولا يبصرون. وهل خطأ كهذا يبرر تفكيك القائمة المشتركة؟!

وعلى سبيل الفرضية لو تفككت المشتركة، أين سيذهب الصوت العربي؟ من المؤكد أنه سيذهب للأحزاب الصهيونية على احسن تقدير سواء صوت المواطن الفلسطيني أم لم يصوت احتجاجا على الوضع الحالي. لأنه سيكون للصوت اليهودي وزن في الإحزاب الصهيونية اليمينية وضمن النظام الإنتخابي الإسرائيلي وبذا تتم المساهمة في فوز الأحزاب اليهودية اليمينية بشكل غير مباشر.

بدلا من التفكك نتوجه للاتحاد والتلاصق. بدلا من النقصان نفكر بالتكامل وازدياد المقاعد. بدلا من قذف التهم بذل سبل الصلح. وبدلا من نسبة مصوتين منخفضة، يتم العمل على رفعها بنسب تشبه الانتخابات البلدية المحلية. لنتوقف عن الكيل بمكيالين ونعمل معيارين متناقضين، ونسعى لوحدة حتى لو كانت شكلية، ما دامت المصلحة الفلسطينية كامنة هناك. ولندع الخلافات والفرقة جنبا ونتوجه نحو الصلح فما يجمعنا أكثر كثيرا مما يفرقنا. وهل يعقل أن نعاقب ذاتنا ؟ ولماذا جلد الذات المستمر وكأننا ملائكة؟ وهل كل ما نتمى نحقق؟ وهل اليقين يزول بالشك؟

لست ناخبا كفلسطيني مقدسي، ولا يحق لي الانتخاب في الداخل، ولست بذي مصلحة مباشرة، لكن يحزنني ويزعجني تفكك أي مظهر وحدوي فلسطيني قائم. يقض مضجعي أننا كلما أنجزنا أمرا نعود القهقرى لنقطة الصفر، ونسعى بجهد ذاتي لخراب بيتنا وننسى أن الاتحاد قوة.

وقديما قال الشاعر تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا.