ميراف ميخائيلي.. النقيض الوحيد لنتنياهو

حجم الخط

بقلم: ايهود اولمرت*



في الوقت الذي تنشر فيه هذه السطور، ستكون صورة القوائم التي ستتنافس في الانتخابات للكنيست الـ 24 واضحة. تعرفون منذ الآن، بأن حزب العمل، بقيادة ميراف ميخائيلي، سيكون بين المتنافسين. من الواضح مع ذلك أن ميخائيلي ستكون هناك، سواء على رأس «العمل» ام في تشكيلة أخرى من المرشحين.
في حالات عديدة، أثبتت التقاليد في إسرائيل بأن ما يبدو وحدة كاملة هو عمليا أقل من مجموع كل أجزائه. فالسياسة الإسرائيلية لا تقوم على أساس التوسيع الفظ لكتلتين كبيرتين مثلما في الولايات المتحدة او لثلاثة مثلما في بريطانيا أو ألمانيا. منذ قيام الدولة كانت ساحتنا السياسية منقسمة. لستُ واثقا اذا كان التقليص المصطنع للتنوع القائم، اليوم، في الجمهور هو بالضرورة النموذج الذي سيؤدي الى استقرار اكبر او يشجع على تغيير موازين القوى في ساحة الحكم.
يمكن لـ»ميرتس» ان يتنافس كحزب مستقل. واذا تنافس رون خولدائي فهناك احتمال أن يكون له تمثيل برلماني. تأبين بيني غانتس كان تعبيرا شرعيا لاحباط الكثيرين من ادعاءاته الكبرى هو واشكنازي، ولكن غانتس كان شجاعا في اماكن كان فيها الكثيرون ضعفاء عندما بنى الأساس لـ»ازرق ابيض». ولولاه لكنا نتعذب منذ سنتين بجنون العائلة القيصرية التي ليس لها حدود، مبادئ أو التزام بأي شيء غير نفسها، مكانتها، راحتها، اعتدادها وقدرتها على استخدام الدولة ومقدراتها في صالح احتياجاتها الخاصة.
والآن، توجد ايضا ميخائيلي. هنا تكمن نواة التغيير. من كل الساحة السياسية، ميخائيلي هي المرأة الوحيدة التي تقف على رأسه حزب. فهي لم تعين او تدفع الى القيادة من قبل رعاة آخرين. فقد شقت طريقها الى مركز حياتنا السياسية بشجاعة، باستقامة، وبتمسك لا يكل ولا يمل بالمبادئ وبالقيم التي لم تخفها ولم تشوشها أبدا.
صحيح أنها تعرف كيف تغيظ أحيانا. ولكنها تغيظ للأسباب الصحيحة. فهي تكبد نفسها عناء تذكير الآخرين بما يريدون أن ينسوه. وهي تكون فظة كي توقظ من السبات اولئك الذين تعبوا من الكفاح في سبيل ما هو اساسي في رسالتهم. عندما انضم رفاقها في الحزب الى الحكومة التي أقسموا ألا يخدموا فيها صمدت أمام الإغراء وبقيت وحدها. لم يعدها أحد بشيء، وهي الاخرى لم تطلب شيئا. بقيت وحيدة، منبوذة في هوامش الحزب.
لم تفقد ميخائيلي شهيتها لإحداث تحول يبدو متعذرا. وأبدت شجاعة، تصميما، وتمسكا بالمهمة جديراً بالاعجاب. يحتمل أن تكون جلبة الأيام الأخيرة دفعتها الى الاستنتاج بأنه من المجدي تقليص الاحتمالات للارتباط بجسم أو اجسام اخرى، ويحتمل أن تكون توصلت الى الاستنتاج، الذي يبدو لي منطقيا وصحيحا أن تواصل على رأس حزب مستقل. أعتقد أن مثل هذا القرار سينتهي يوم الانتخابات بمفاجأة كبرى.
من كل الاجسام التي تتنافس في هذه الانتخابات، ميخائيلي هي الخصم الحقيقي، الجوهري والمهم للعصابة التي تقود دولة إسرائيل الى أزمة تهدد وجودها. من جهة يوجد نتنياهو، زوجته وابنه ومعهم أعضاء العصابة التي بات الجميع يعرفونها ولا معنى لتكرار أسمائهم. فهم يمثلون التدهور الاخلاقي، ثقافة الكذب والتزييف، الاستعداد لبيع مصالح وطنية جوهرية، والمتاجرة بما يبدو فكراً – وكل ذلك من أجل تحسين الاحتمال الآخذ في التناقص لضمان دعم 61 نائبا. دعم يستهدف هدم منظومة تنفيذ القانون والمحاكم، وبالتوازي الإفلات من الحاجة المحتمة للمبادرة الى خطوة سياسية تؤدي الى استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين على اساس مبدأ الدولتين. دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل.
لا يوجد اي جسم سياسي يمثل عكس هذه الامور باستثناء ميراف ميخائيلي. جدعون ساعر واعضاء «أمل جديد» قاموا بخطوة شجاعة عندما انسحبوا وأقاموا حزبا جديدا. لا اؤيد جدعون، رغم انني اقدره واحترمه جدا بشكل شخصي. هو، مثل نفتالي بينيت ايضا، يعيش في وهم بأن إسرائيل يمكنها أن تبقى دولة ديمقراطية، متساوية، نزيهة، مقبولة في العالم وفي الوقت ذاته ان تحكم بلا قيود ملايين الفلسطينيين. ساعر ملتزم بمنظومة تنفيذ القانون والمحاكم المستقلة. وهكذا بينيت ايضا. ولكنهما ليسا بديلا لـ»الليكود» رغم أنهما (ولا سيما ساعر) يختلفان عن نتنياهو، أكثر نزاهة منه، اكثر حقيقية منه، وهما جديران بالاحترام لما كان لهما من تصميم للهروب من اللجة التي غرقا فيها غير قليل من السنين.
«يوجد مستقبل» حزب كثير الحقوق وجدير بتقدير كبير، كانت لهم الشجاعة ألا يغريهم من جر اليه غانتس واشكنازي. هذا ليس امرا مفهوما من تلقاء ذاته. فقد تطلب عنادا وقدرة صمود لم يظهرها الكثيرون في التاريخ السياسي العاصف جدا عندنا. وهذا هو السبب الذي يجعل لبيد ورفاقه، من بين كل الاحزاب التي تتنافس ضد نتنياهو يبدون أكثر استقرارا وقوة. لا ينبغي الاستخفاف بهذا الانجاز. ولم يولد من العدم. مطلوب تصميم كبير لاجل البدء من الصفر والوصول الى حيث وصلوا.
ولكن بالضبط ما الذي يفكرون فيه في «يوجد مستقبل» عن تجنيد أبناء المدارس الدينية للجيش؟ فهل هم مع التجنيد مثلما كانوا في بداية الطريق؟ أفلم يكفوا عن أن يكونوا متمسكين بذلك؟ أليسوا يغمزون درعي، ليتسمان وجفني بعض الشيء؟ كنت سأقدر اذا كان لهم الشجاعة ليقولوا الامر الصواب، اليوم: غيّرنا موقفنا ولم نعد نطالب بتجنيد الزامي للأصوليين. ليس لأن هذا غير مجد سياسيا، بل لأن هذا ليس مطلوبا، لا للأمن، لا للجيش، ولا للتظاهر بالمساواة، في واقع نسبة كبيرة فيه من الجمهور العلماني ايضا لا ينفذون واجب الخدمة العسكرية. لو كانوا في «يوجد مستقبل» يركزون على فرض واجب الخدمة الوطنية – المدنية في اطار تسوية منسقة مع زعماء الجمهور الاصولي لكان هذا اكثر احتراما، ولكان أعفى هذا الحزب ايضا من الحاجة الى التظاهر.
وما هو موقف «يوجد مستقبل» في المسألة الفلسطينية؟ هل لبيد مع حل الدولتين، ام انهم يتلعثمون قليلا وغير واضحين قليلا؟ قليلا من اليسار وقليلا من اليمين؟ يخيل لي ان الرفض في أن يكونوا قاطعين في هذه الامور يمنع «يوجد مستقبل» من أن يصبح قوة جارفة يمكنهم ان يكونوها رغم الثبات الذي ابدوه في مواضيع مهمة اخرى، مثل حماية منظومة انفاذ القانون.
في نهاية المطاف، فإن المعارضة الحقيقية الوحيدة لنتنياهو هي امرأة واحدة، تنافست امام كل الرجال المعتادين على قيادة ساحتنا السياسية. اسمها ميراف ميخائيلي. فهي لا تغمز كي تعجب الآخرين، ولا تنثني كي تمتنع عن المواجهة، ولا تشوش المواقف كي تكسب بضعة أصوات. هي الوحيدة التي تمثل كل القيم التي نتوق لها – النقيض التام لما يمثله نتنياهو ويريد الكثيرون التخلص منه.
يوجد نور في نهاية النفق، حتى لو كان طويلاً.
عن «معاريف»

* رئيس وزراء إسرائيلي أسبق.