أنقذوا بحر غزة توفيق أبو شومر
اعتدتُ كل عامٍ أن أتجول على طول شاطئ غزة
مشيا على الأقدام، لأرى بحر غزة ، وهو
ساجٍ، هاجعٌ، هجوعَ الزاهدين، غير أنني
فُجعتُ هذا اليوم 7/3/2015 بأهل البحر كيف
يُلوثون بحرهم، بإهمالهم وتقصيرهم في حق
مستقبل أجيالهم.
ليست المشكلةُ فقط، في المجاري التي
تلوثه، وليست المشكلةُ أيضا في تآكل
شاطئه، وانقراض آخر حُبيبات رمله
الفضية، ولكن المشكلة في زائريه،
ومحبيه، ولاجئيه، ممن يرحلون إليه،
يبثونه همومهم اليومية، ويرتاحون بين
أحضانه، فهؤلاء، كان مفروضا أن يحضنوه،
ويمسحوا عنه الأقذاء، ولكنهم اليوم،
كانوا يخنقونه بأيديهم، بنفاياتهم
السامة، وبقايا مأكولاتهم التي يتركونها
في المكان، وقد رأيتُ ما هو أبشع، رأيت
شابين يحفران في الرمال الذهبية،
ويدفنان بقايا سجائرهما والعلب الفارغة،
وبقايا طعامهما، ولما، عاتبتهما على ما
يفعلان، لم يكترثا، حتى أنني جمعتُ
فضلاتهما أمامهما، كنتُ أنظر إلى ردَّةَ
فعلهما ولكنهما لم يكترثا بما فعلت!
كنتُ أظنَّ، بأن السير على الشاطئ أكثر
أمانا من السير في الشارع العام، ولكنَّ
ظني خاب، وأنا أسمع هدير الدراجات
النارية السريعة جدا، تبعث الرعب في
الجالسين عند آخر الأمواج، وفي لحظات
دخلت سيارةٌ رباعية الدفع، بأقصى
سرعتها، وانطلق الآباء يجمعون أبناءهم
خوفا على حياتهم، كل ذلك يحدث على
الشاطئ، الذي يبكي موجُهُ ألما من إطارات
السيارات المهترئة، الملقاة على الشاطئ،
ومن العلب الفارغة، وأكياس النايلون،
التي تُعكر صفو أمواجه الرقراقة، وبقايا
المأكولات المتعفنة المختلطة بروث
الحيوانات، التي تسبح مع مالكيها من
سائقي العربات بين الأمواج.
كانت المفاجأة التي صورتها، طائرا بحريا
غامر بالوصول إلى شاطئنا، فأصابه
التلوثٌ فقضى نحبه على الشاطئ، لم
تَلْفِتْ جثَّتُهُ نظر المصطافين إلى
الخطرَ المحدق ببحرنا.والأفظع أنَّ بعضُ
سائقي عربات الكارو، ممن أحضروا حميرهم
وخيولهم ليغسلوها أيضا في ملجئنا
الأخير،هوائنا، مستقبل حياتنا، شرعوا في
لعب الكرة بأقدامهم، بلا كرة، ولكن بجثة
طائرة النورس المقتول على الشاطئ، ولما
انتزعته من بين أقدامهم لأضعه في مكان
آخر، استاءوا من رأفتي، حتى أن أحدهم قال:
يبدو أنه لا يعيش في غزة، إنه شيخ عجوز.
أيها الغزيون، أنقذوا بحركم قبل فوات
الأوان، لأنكم إن لم تفعلوا، فإن بحركم
سينتقم منكم، في صحتكم وصحة أبنائكم،
وسوف يُحدِّدُ أيضا مستقبل بيئتكم،
فبيئتكم هي حياتكم المستقبلية.
وأخيرا، أين برامج التوعية، وأين جهود
الشباب، وأين جمعيات وأنصار البيئة،
وأين البلدية، وأين العقوبة، والغرامة
المالية، على مَن لا تردعه التوعية؟؟؟
تذكروا، أن الحفاظ على البيئة نضالٌ
وطني رفيع، يُعزز نضالنا الوطني
الفلسطيني بمختلف أشكاله، وليس من قبيل
المبالغة القول:
إنه من أهم ركائز النضال.