لاهاي سعيدة

حجم الخط

هآرتس – بقلم جدعون ليفي

  كل اسرائيلي عاقل يجب أن يكون مسرورا من سماع البشرى التي وصلت في نهاية الاسبوع من لاهاي: محكمة الجنايات الدولية ستحقق في الشبهات التي بحسبها اسرائيل مسؤولة عن جرائم حرب في قطاع غزة وفي الضفة الغربية. أخيرا، بعد 53 سنة من الاحتلال. صحيح أن الطريق لتقديم المذنبين للمحاكمة ما زالت طويلة، وربما مستحيلة، لكن الى الخطاب الاسرائيلي القوي والمتغطرس، الذي يستخف بالقانون الدولي، سيدخل عالم جديد من المفاهيم، لا يمكن تجاهله بعد الآن. وسيكون هناك عدد غير قليل من الاسرائيليين، في الجيش وفي المستوى السياسي، سيبدأون بالتعرق في الاشهر القريبة القادمة. محامون بارعون سيتم تجنيدهم من اجل الدفاع عنهم.

       بعضهم سيخافون من السفر الى الخارج كي لا يتم اعتقالهم. هذه بشرى سارة. ربما هكذا سيبدأون في التفكير بصورة مختلفة حول افمالهم. وربما الخوف من التقديم للمحاكمة سيكبحهم في المستقبل. ربما في حملة الانتخابات القادمة لن يقوم مرشح آخر للوسط مثل بني غانتس ويتفاخر بعدد القبور التي هو مسؤول عنها في لبنان. ربما مرشح “وسط آخر”، بوغي يعلون، قاتل أبو جهاد في سريره والرجل العسكري المشهور في “الجرف الصامد”، سيبدأ يخجل قليلا من افعاله. حتى الخوف الذي تم التعبير عنه في نهاية الاسبوع، أن يكون للتحقيق المتوقع “تأثير مبرد” على الجيش الاسرائيلي بحيث يردع ضباط عن التعامل مع المستوطنات، وربما يدفعهم للتفكير مرتين قبل عملية القصف القادم في غزة، لا يعتبر خوف، بل فتحة للأمل.

       الاختبار الاول الآن هو في رد المستوى السياسي والاعلام الاسرائيلي على القرار. الردود في نهاية الاسبوع اثبتت أن اسرائيل هي اسرائيل، عندما يتعلق الامر بتأييد الاحتلال فلا يوجد أي فرق بين اليمين واليسار، وايضا لا توجد وسائل اعلام متزنة وشجاعة: اسرائيل تجندت كرجل واحد تقريبا من اجل أن تظهر كضحية وتقوم بالهجوم، مثلما تعرف اكثر من أي شيء آخر. وبدلا من حني الرأس امام المحكمة وشكرها على البحث عن الحقيقة، حيث لا يوجد لدى اسرائيل ما تخفيه والاعلان بأنها ستتعاون مع التحقيق، بدأ سيل الرثاء والصراخ والتهديد.

       اتركوا اليمين. فهناك بالتأكيد هم لا يعرفون عما يدور الامر. رئيس المعارضة، يئير لبيد، اعتبر القرار “عار”، “سيشجع رفض الفلسطينيين”. العفو؟ رفض الفلسطينيين؟ لبيد، درع النظام القانوني، يقف ضد المحكمة؟ “أنا فخور بضباط وجنود الجيش الاسرائيلي الذين يدافعون عنا”، كرر لبيد مثل ولد في حفل بلوغه، بصورة مثيرة للشفقة. من يريد جدعون ساعر عندما يكون لدينا شخص مثل لبيد. ايضا يئير غولان من يسار ميرتس، لا يترك أي حاجة لليمين: “اسرائيل لم تنفذ أي جريمة حرب في المناطق”، قرر الجنرال المعروف بشأن جرائم حرب مثل “اجراء الجار”، الذي يشكل ارثه في الجيش الاسرائيلي. عندما يكون لدينا مثل هذا اليسار فنحن لا نحتاج ايضا الى السفير جلعاد اردان الذي صرخ بأن هذا “لاسامية” من مقره في واشنطن.

       ايضا وسائل الاعلام في اسرائيل، التي في معظمها فقط حرضت الجيش الاسرائيلي على مهاجمته اكثر في “الجرف الصامد”، ايضا هي لا تعرف ما الذي يريده العالم فجأة من اسرائيل، الساذجة والطاهرة، التي فقط هي تدافع عن نفسها من التدمير.

       بالضبط مثل رئيس الفلبين، رودريغو دوتيرتا، الذي اخرج بلاده من المحكمة الدولية عندما ارادت هذه المحكمة التحقيق في حربه الوحشية ضد تجار المخدرات، ايضا اسرائيل لم تنضم في أي يوم للمحكمة من اجل أن لا يتم التحقيق معها. صحيح أن هذه المحكمة غير كاملة. فهي بطلة على الضعفاء: حتى الآن تم تقديم للمحاكمة فقط مجرمو حرب من افريقيا وليس غيرهم. عندما تكون هناك دولة مثل اسرائيل لم تحقق في أي يوم بصورة معمقة في شبهات ارتكاب جرائم حرب من قبل جيشها أو حكومتها، فلا يكون خيار عدا عن التطلع الى لاهاي بأمل.

       في عملية الجرف الصامد قتل على الاقل ألف مواطن بريء؛ وعلى الجدار في غزة قتل اكثر من 200 متظاهر غير مسلحين؛ كل مستوطنة هي جريمة حرب. هذه الحقائق الخالدة لم تخترق في أي يوم الخطاب الاسرائيلي الكاذب والذي يغسل الادمغة. ربما الآن تفعل مدعية عامة من غامبيا وقاضية من بينين وقاض من فرنسا ما لم تتجرأ المحكمة العليا لدينا ورئيسها على فعله، لشديد العار.