بقلم: موشيه نغبي
هناك قاسم مشترك واضح ومخيف بين منفذي الفتك ضد طالب اللجوء هفطوم زرهوم في بئر السبع وبين أصوليي اليمين الذين يهاجمون محكمة العدل العليا بسبب إعاقتها هدم منازل المشتبهين بـ «الإرهاب».
القاسم المشترك هو قناعتهم التي تعتبر أن غاية ردع «الإرهاب» تبرر جميع الوسائل بما في ذلك العقاب القاسي دون محاكمة، حتى لو كان الثمن الحاق الضرر بالأبرياء.
لم يعد هذا الموقف يقتصر على جماعة صغيرة بل يجد الشرعية عند أعضاء كنيست وأشخاص في الحكومة والمؤسسة الأمنية، وهذا دليل قاطع على حيوانية إسرائيل. قبل نحو ثلاثين سنة، في قضية الخط 300، حينما تبين أن رئيس «الشاباك» طلب من رجاله قتل «المخربين» بعد اعتقالهم، ارتعدت الدولة.
وبفضل نضال المستشار القانوني، اسحق زمير، تم فصل جميع المتورطين في قتل «المخربين» من الجهاز، وهم أنفسهم فهموا أنهم قاموا بجريمة، لذلك حينما فشلوا في إخفاء الجريمة قاموا بالتزييف واختلاق الأدلة من أجل اتهام غيرهم.
لجنة التحقيق التي أنشئت في أعقاب هذه الحادثة قالت إن أوامر قتل «المخربين القتلة» بعد إلقاء القبض عليهم هي أوامر غير قانونية يحظر إعطاؤها والانصياع لها.
بعد بضع سنوات، أثناء الانتفاضة الأولى، قالت المحاكم العسكرية إنه يحظر على «قوات الأمن» إلحاق الضرر بالمشبوهين بـ «الإرهاب» من اجل العقاب والردع.
وعندما أمر قائد كتيبة نابلس جنوده بتكسير أيدي وأرجل المشبوهين بعد اعتقالهم، تم تخفيض رتبته وتم إبعاده من الجيش الإسرائيلي.
أيضا مقاتلو «جفعاتي» و»غولاني» الذين ضربوا المتظاهرين بعد اعتقالهم تم إرسالهم إلى السجن رغم أنهم اثبتوا أنهم حصلوا على الأوامر من المستويات العليا.
القضاة العسكريون – مثل لجنة التحقيق في قضية الخط 300 – قالوا إن أوامر تعذيب المشبوهين بعد اعتقالهم هي أوامر يحلق فوقها علم أسود.
القاضي يورام تشلكوفنيك حذر من أن تلك الأوامر تهييء لـ «سلوك محظور ومرفوض من الجذور»؛ زميله القاضي عمانوئيل غروس شدد على أن «كل إنسان يتربى في دولة قانون يعرف أنه لا توجد صلاحية لعقاب من تجاوز القانون إلا في المحكمة».
الآن إسرائيل 2015 ليس فقط رفيعو المستوى في الأجهزة الأمنية بل السياسيون أيضا – من الائتلاف والمعارضة – يوصون الشرطة والجنود والمدنيين المسلحين بالتأكد من قتل كل من له علاقة بعملية. وهم يثبتون بذلك أنهم لم يستوعبوا الحظر القانوني والأخلاقي للعقاب دون محاكمة.
الشيء ذاته ينطبق على السياسيين الذين هاجموا قاضي محكمة العدل العليا، عوزي فوغلمان، لأنه «تجرأ» على تأخير هدم المنازل حتى يتم الانتهاء من النقاش في الدعاوى المقدمة من اصحاب المنازل. هم ايضا ليسوا قلقين من أن هذا العقاب الشديد (الذي قال عنه رئيس محكمة العدل العليا السابق شمعون اغرينات إنه غير انساني، وقال عنه القاضي ميشيل حشين إنه غير ديمقراطي وغير يهودي) سيحكم به وينفذه الجيش دون محاكمة. «إنه أمر واحد»، قال القاضي فوغلمان، «هدم منزل من قام لقتلنا. وأمر آخر هو هدم منزل أبناء العائلة أو سكان آخرين ليست لهم صلة ويهدم منزلهم دون ذنب».
متطرفو اليمين ليسوا على استعداد لتقبل الفرق الاخلاقي الاساسي، وليسوا مستعدين أن تقوم المحكمة بفحص مدى صلتهم بـ «المخرب» الذي نفذ العملية.
لقد ذكرت أن القاضي مئير شمغار، حينما كان نائبا عسكريا وبعد ذلك مستشارا قانونيا للحكومة، قرر عدم معارضة تدخل محكمة العدل العليا فيما يحدث وراء الخط الاخضر من اجل منع غياب القانون في «المناطق».
وقد قال شمغار إننا عرفنا أن محكمة العدل العليا قد لا تقبل موقفنا في هذا الموضوع أو ذاك، ومع ذلك قبلنا هذه الصلاحية بكل رغبة لأن هذا هو أساس سلطة القانون.
من الواضح أن قبول طلب السياسيين رفض دعاوى الفلسطينيين تماما دون فحص ادعاءاتهم سيضر بصلاحيات المحكمة، ويعطي هذه الصلاحيات للجيش، تماما مثل أوامر قتل كل مشبوه بعملية، الامر الذي هدر دماءهم.
لكن ليس فقط الدم الفلسطيني هو المهدور بل ايضا دم كل من يحاول كبح تدهور دولة اسرائيل من دولة قانون الى دولة فتك.
كما حذر رئيس المحكمة من أن الخطورة في تحريض قادة اليمين تجاه القاضي فوغلمان، لا تقل عن تلك التي سبقت قتل رابين وسمحت به.
اقوال عضو الكنيست، موتي يوغف، من «البيت اليهودي»، بأن المحكمة تعطي دفعة لـ «الإرهاب» وإن قراراتها تساعد «المخربين»، لا تختلف عن إلباس كوفية عرفات لرابين في اللافتات.
إن حقيقة عدم فتح تحقيق جنائي حتى الآن ضد عضو الكنيست، يوغف تشير، إلى أن سلطات القانون لم تستخلص الدروس في تعاملها مع تحريض متطرفي اليمين حتى بعد مرور عشرين سنة على قتل رئيس حكومة.
ولمن نسي: قال يغئال عمير في التحقيق إنه «دون فتوى دينية تجاه رابين من عدد من الحاخامات، كان من الصعب عليّ أن أقتل؛ هذا القتل يجب أن يكون له غطاء. لو لم يكن لي ظهر لما فعلت ذلك».
حسب قانون العقوبات فان المحرضين الذين قدموا الغطاء لعمير هم شركاء في القتل، وكان يفترض أن يدخلوا هم أيضا إلى السجن، لكنهم بقوا أحرار وفرحين على ما يبدو لأنه حسب رأيهم هذا قتل كامل وجدير، ونجح في منع الحسم السياسي. فلماذا، إذاً، لا يقومون هم وآخرون بالتحريض الآن على قرارات محكمة العدل العليا وإفشالها بالعنف.
البروفيسور اريئيل روزان تسفي، محاضر في كلية الحقوق في جامعة بار ايلان التي درس فيها يغئال عمير، وعضو في لجنة شمغار التي حققت في مقتل رئيس الحكومة، كتب في تقرير اللجنة عن التأثير التدميري للحوار القومي المتطرف والأصولي الذي يؤجج «الأصولية، الزعرنة والعنف داخل المجتمع اليهودي» منذ خراب «الهيكل» وحتى الآن. وقد اقتبس أقوال الحكماء «الثقافة السيئة داخل بيت الإنسان أصعب من حرب يأجوج ومأجوج».
«من الحيوي»، حذر البروفيسور تسفي، «أن نعرف كيفية التخلص من الثقافة السيئة داخلنا»، لكن تحذيره نزل على آذان صماء. إن طلب متطرفي اليمين تحرير الصراع ضد «الارهاب» من القيود القانونية والاخلاقية، وتحريضهم غير المحدود ضد من يريد الابقاء على هذه القيود، هو شهادة مزعزعة على استمرار ازدهار الثقافة السيئة المذكورة أعلاه.
عن «هآرتس»