في إسرائيل: عندما تتحالف الانتهازية والكهانية!

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 

 


تبين ذات يوم أنه في «جفعات زئيف»، وهي مستوطنة تقع شمال القدس، بني كنيس على أرض فلسطينية خاصة. وعندما استنفدت الإجراءات القانونية، وإجراءات ما بعد الإجراءات والضغوط السياسية، وصرخات النجدة، لم يكن هناك مفر من الهدم. في هذه المرحلة دخل الكهانيون الى العمل؛ فقد سيطروا على هيكل المبنى، ومنعوا دخول الشرطة إليه، ونصبوا يافطات، واستدعوا وسائل الإعلام. ايتمار بن غبير، الزعيم، كان هناك، بالطبع. بن غبير يحب وسائل الإعلام، ويفهم بالإعلام، والإعلام يحبه. وصلت الى هناك. كان يسر بن غبير أن يتحدث. وعندما أنهى ما يريد ان يقوله قال سلاما، وقف جانبا مع بعض الفتيان الذين كانوا هناك وانصرف. بعد دقيقة من ذلك أصبت بزجاجة كولا لتر ونصف مليئة بالحجارة. خفف البلاستيك الضربة قليلا: شكرت الفتيان على مراعاتهم، وانصرفت. الزجاجة الثانية، كانت لترين من الحجارة، أصبت بها في ظهري. لاحقا، عندما رويت الحدث لبن غبير قال متسائلا أحقا؟ لم أعرف. كان شيء ما يمس شغاف القلب في ادعائه بالبراءة. هو لم يعرف.
بن غبير هو كهانا مخفف: أقل كاريزماتية من معلمه وسيده، ولكنه اكثر ذكاء.. الفتيان لا يخلدونه في رسومات الحائط بنمط «بن غبير محق»، فهذا لا يرن في الأذن بشكل صحيح. من جهة أخرى هو حي وكهانا ميت، أمر لا بأس به: هو في الطريق الى الكنيست وكهانا طرد منها، وهذا أيضا جيد؛ وهو يتقدم الى هناك بمعونة ورعاية رئيس وزراء، شيء عظيم.
في الساحة التي تحمي نتنياهو، جناحها السياسي وجناحها الاعلامي، لا يفهمون على ماذا ولماذا يصدم الناس بالارتباط بين بن غبير ونتنياهو. فأصحاب الآراء المتطرفة موجودون في احزاب اخرى ايضا. انظروا ما الذي غرده ذاك على التويتر، انظروا ما كتبته تلك على الفيسبوك.
يجدر بهم ان يخرجوا رأسهم من الهذر في الشبكة لحظة وان يوجهوا نظرة الى ما حصل في الولايات المتحدة في أربع سنوات ترامب. ميليشيات يمينية عنصرية، اجرامية، كانت توجد دوما في هوامش الديمقراطية الأميركية. ادخلها ترامب الى التيار المركزي، الشرعي. احيانا اثنى على اعضائها، واحيانا تفهمهم. وقد أوهم نفسه انه يسيطر عليهم.
تعاطت المؤسسة الجمهورية القديمة معهم بشك. العنصرية الفظة، الصريحة، لم تكن تروق لها، ولا الكراهية للدولة وللقانون ايضا. ولكن الطاقة، الحماسة، التزمت فعلت فعلها: اكتشف الجمهوريون بأنهم لا يستطيعون بدونهم. فهم لم ينجحوا في التنكر لهم حتى بعد الهجوم على مجلس الكونغرس في 6 كانون الثاني. إن الترامبيين هم وصمة عار ألصقها ترامب بجسم حزبه. وهم هناك كي يبقوا.
يقود نتنياهو، الآن، «الليكود» الى افق مشابه. عندما وقع اتفاق الفوائض مع سموتريتش وبن غبير اوهم نفسه بأنه يتحكم بهما. انهما سيحررانه من رعب المحاكمة – وعندها، عندما لا يعودان يجديانه، سيلقي بهما الى الكلاب. انه لا يقدرهما بما يكفي. في حلفه معهما يرتكب أمرين لا ينبغي أن يرتكبهما: فهو يوفر ختم التسويغ الرسمي لآراء ابتعد «الليكود» على اجياله عنها كما يبتعد عن النار، وهو يدخل جيش «جباية الثمن» وكهانا الى قلب الحكم. الانتهازية تلتقي الكهانية: لن يخرج خير من هذا.
قبل بضع سنوات طلب مني طالب في معهد التمهيدية العسكرية في الجنوب أن التقي رفيقاته ورفاقه، في إطار اسبوع التعليم عن الديمقراطية في إسرائيل. نواب مختلفون، كل واحد والحركة التي يمثلها، تلقوا الدعوات للمحاضرات. عندما انتظرت دوري سألت المرشد من يحاضر، الآن.؟ «ميخائيل بن آري»، قال. بن آري كان رئيس الكهانيين قبل بن غبير. من يمثل؟ سألت. «الصهيونية الدينية»، قال المرشد. لماذا هو بالذات؟ سألت. «هو متدين، أليس كذلك؟ أليس صهيونيا – دينيا؟» سأل المرشد بتردد.
لماذا أذكر هذه القصة؟ لأن نتنياهو ليس المذنب الوحيد. في إعادة الشرعية للكهانية يشارك الكثيرون: سياسيون من الوسط ومن اليسار ممن يتعاونون مع سموتريتش ويجلسون في الندوات مع بن غبير؛ رجال اعلام، حتى «عوفدا» لايلانا دايان، ممن يشترون قصصا من بن غبير فقط لأنه يعرف كيف يروي القصص؛ صحافيو مكتب نتنياهو، وبالطبع اناس مثل المرشد في التمهيدية ذاتها، الذين من أجلهم كل الصينيين متشابهون وكل المتدينين متشابهون. موشيه حاييم شبيرا هو توأم الحاخام كهانا؛ موشيه اونا هو توأم ايتمار بن غبير. لا حدود للجهل.
«الصهيونية الدينية»، هكذا تسمي نفسها القائمة التي أقامها نتنياهو لبن غبير وسموتريتش ولنفسه. في التقارير عن الاستطلاعات قبيل الانتخابات يميلون أحيانا الى الاختصار: الصهيونية، هكذا يسمونهم. من المشوق أن نعرف ماذا كان هرتسل سيقول عن هذه الصهيونية، بعد 150 سنة على نشر «دولة اليهود».

عن «يديعوت»