إدارة بايدن تتعامل مع إسرائيل بسياسة «بارد حار»

حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال

 

 


في الأسبوعين الأخيرين تعرفنا بقدر أكبر على النهج «المتوازن­« لإدارة بايدن في الموضوع الإسرائيلي وفي مواضيع الشرق الأوسط عموماً، والصورة المرتسمة هي صورة «بارد حار». لا تزال الإدارة الجديدة في حالة تشكل، ولا تزال المؤشرات، سواء الإيجابية أو السلبية، تتذبذب. فمثلا أُلصق بقرار إبقاء السفارة في القدس قرار بإعادة فتح القنصلية الأميركية في شرقي المدينة، والتي هي بمثابة سفارة للفلسطينيين. كان تصريح وزير الخارجية، انتوني بلينكن، إيجابياً، حين قال إن أميركا تعترف بأهمية الجولان الأمنية لإسرائيل، ولكن سلبية كانت الاضافة بأن الولايات المتحدة لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية في الجولان، بخلاف ادارة ترامب. كما أن الاعلان الأميركي ضد قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي في موضوع إسرائيل و»المناطق» كان ايجابيا، ولكن ربما مرة أخرى من أجل «التوازن» قررت الولايات المتحدة العودة الى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان والذي كان اساس انشغاله هو التشهير بإسرائيل، وفي فترة ترامب انسحبت الولايات المتحدة منه كما هو معروف. ومع ذلك، في هذه الاثناء لم تعد الولايات المتحدة إليه الا كـ «مراقب» دون حق التصويت، ما سيسمح لها كما سيلاحظ المتهكمون، برفع العتب اذا ما واصل المجلس تقاليده المناهضة لإسرائيل.
ولكن ليس فقط في مواضيع إسرائيل تواصل ادارة بايدن سياسة «بارد حار»؛ فقد أعلنت مثلا انها ستوقف المساعدة للسعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن، بل ألغت تعريفهم كمنظمة إرهابية. من جهة اخرى، سمحت للرياض بأن تفهم بان ليس في نيتها ان تمس بالعلاقات العسكرية والامنية الأخرى معها، والتي تعمل أيضا في صالح الاقتصاد الأميركي.
لسياسة الولايات المتحدة الخارجية توجد تقاليد معينة من التواصل مع تشديدات وتنوعات مختلفة تنبع من التغييرات في الخريطة العالمية وفي الملابسات. هذا صحيح ايضاً بالنسبة لإسرائيل، التي أصبحت بعد حرب «الأيام الستة» حليفاً وذخراً استراتيجياً. تصريحات مختلفة لبايدن ورجاله تشير الى احتمال ان تتواصل هذه التقارير، ولكن يوجد امران من شأنهما أن يمسا بذلك: الكراهية العميقة تجاه ترامب، والتي إحدى مزاياها المعارضة شبه المهووسة لكل ما فعله آنف الذكر؛ والارتفاع في قوة اليسار المتطرف التقدمي في الحزب الديمقراطي، الذي تتطور قصة غرام بينه وبين الرئيس بايدن، ربما فقط لاعتبارات تكتيكية ايضا.
حتى لو لم يكن كل شيء وردياً، فليس كل شيء اسود ايضاً، في رأي محللين في اليمين وفي اليسار ممن يعرفون ادارة بايدن «مناهضة لإسرائيل». أولاً، هذا ليس دقيقاً، كما رأينا، وثانياً، هذا ليس حكيماً، إذ ان هذه الادارة سيتعين علينا ان نعمل معها في السنوات الاربع التالية.
في اعقاب خطاب السياسة الخارجية للرئيس بايدن، والذي عني اساساً بالصين، روسيا، «كورونا» وما شابه، ولكن لم يلمس شؤون إيران والشرق الأوسط، اعتقد الكثير من المحللين بان هذه المواضيع ليست في سلم الأولويات للإدارة الجديدة او ربما لم تتبلور بشأنها مواقف واضحة. ولكن يحتمل أن يكزن هناك ايضا تفسير آخر. بمعنى انه بالذات لانه يوجد موقف واضح بل ربما مسبق، غلف التعاطي معها بستار من الدخان الكثيف. اذا كان هذا التخمين صحيحا، فمن شأن إسرائيل والدول العربية أن تجد نفسها امام سلسلة من الحقائق المقلقة في الموضوع الايراني رغم وعود الادارة بان تأخذ بالحسبان مواقف حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط قبل أن تتخذ القرارات النهائية.
موضوع يبدو اقل اشتعالا لواشنطن هو «اتفاقات براهيم» بين إسرائيل وقسم مهم من العالم العربي. سياسة السلام لرئيس الوزراء نتنياهو بدعم عملي من الرئيس ترامب غيرت وجه الشرق الاوسط إيجابياً بشكل غير مسبوق: من ناحية المصالح الجغرافية السياسية للولايات المتحدة ايضا. ليس كل مؤيدي بايدن يسارعون للاعتراف بذلك، ولكنهم في هذه المرحلة يمتنعون عن الوقوف ضد ما تحقق ويكتفون بإطلاق النقد للاهمال المزعوم للقضية الفلسطينية وإطلاق الآراء النقدية ضد الإمارات. بخلاف المسألة الايرانية، هناك احتمال أن تتغلب في هذا الموضوع على الأقل الاستمرارية على الرغبة في تحطيم القواعد.
عن «معاريف»