أعداء نتنياهو الجدد

حجم الخط

بقلم: سامي بيرتس

 

 


وصل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مساء الاثنين الى استوديوهات "أخبار 12" وفي فمه رسالة للقطاعات الثلاثة التي تحاول أن تدمر خطته لتوزيع رشوة انتخابات بمبلغ 750 شيقلاً للعشريات السبع السفلى: الموظفين والمستشارين القانونيين والسياسيين. لقد أراد أن يعطي، لكنهم يعارضون. يحاول التساهل مع من يخربون، فهو الشرطي الجيد وهم السيئون.
يعرف نتنياهو جيداً أنه لا توجد وجبات بالمجان، وأن هذه منحة زائدة وشعبوية، وأنها ستصل الى جيوب كثيرة لم تتضرر من ازمة "كورونا"، لكنه يريد هدوءاً مصطنعاً حتى موعد الانتخابات وقدرة على عرض بيانات كمية تشير الى إنجازاته. سيتحدث خصومه عن المرضى وعن آلاف الوفيات، أما هو فسيتحدث عن ملايين التطعيمات. سيتحدث خصومه عن 750 ألف عاطل عن العمل؟ وهو يريد التحدث عن 750 شيقل في الجيب. هم سيتحدثون عن 80 ألف مصلحة تجارية انهارت، وهو سيتحدث عن المزيد من المنح التي يريد دفعها لهم الآن، خمسة اسابيع قبل الانتخابات، "لكنهم لا يمكنونه من ذلك".
منذ أن طرحت، قبل ثلاثة أسابيع، "الخطة الاقتصادية" لنتنياهو، التي هي فعليا عرض يتكون من تسعة مشاهد، لم يتم تقديمها بعد من اجل الحصول على مصادقة الحكومة عليها بسبب معارضة "ازرق ابيض". المستشارة القانونية في مكتب رئيس الحكومة، شولاميت برنياع بارغو، أوضحت لنتنياهو بأن المصادقة على المنحة تقتضي موافقة "ازرق ابيض". أعلن نتنياهو أن العائق الحقيقي هو المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، الذي أبلغه عشية نشر الخطة بأن هذا ليس الوقت لاقتصاد انتخابات.
هذا لم يزعج نتنياهو في عرض الخطة وتسويقها بحماس. بدلاً من الامتثال لتوجيهات المستشار القانوني للحكومة هو يفضل أنه اذا كان مصير الخطة أو اجزاء منها سيبقى محفوظاً في الجارور حتى بعد الانتخابات، فذلك سيكون بسبب مندلبليت الذي عمل على حفظها. وهذا سيمكنه من الاشارة الى مندلبليت كمن يمنع عن الجمهور منحاً وتسهيلات اقتصادية، وسيصوره باعتباره الشخص السيئ. وبعد ذلك تشويه سمعته الذي يقوم به نتنياهو ورجاله في اعقاب قراره تقديم رئيس الحكومة للمحاكمة.

في القارب ذاته
رسالة نتنياهو هي: الشخص الذي قام بتقديمي للمحاكمة هو نفسه الشخص الذي يمنعني من تقديم تسهيلات للشعب. الشخص الذي تسبب لي بالضرر يتسبب لكم بالضرر. نحن في القارب ذاته. جميعنا ضحايا المستشار القانوني للحكومة. هذه هي الرسالة. رئيس "ازرق ابيض"، بني غانتس، فهم هذه اللعبة، وهو يفضل في هذه المرحلة عدم التخلي عن مندلبليت، بل التصدي للمصادقة على الخطة. لذلك، يمنع عقد جلسة للحكومة من اجل المصادقة. "لن نعقد لقاء من أجل خطة اقتصادية وهمية، بدون مصادر وبدون امكانية للتطبيق، والتي هدفها اعطاء رشوة انتخابات"، قال غانتس، أول من أمس.
البند الذي يثير غضب غانتس هو توزيع الأموال على الجمهور. لا يوجد أي اقتصادي جدي يعتقد أن هذا بند جدير ومطلوب في هذا الوقت. هو يعيش بسلام مع عدد من بنود الخطة (من يمكنه أن يعارض تقليل الرقابة على المشاريع التجارية؟). ولكنه يعرف جيدا أن دفع منح بمبلغ 750 شيقلا لكل شخص في العشريات السبع السفلى، و500 شيكل لكل ولد، هو عملية شعبوية واشكالية عشية الانتخابات؛ ببساطة رشوة انتخابات.
لا توجد بيانات عن الأجور
غانتس ليس وحده. فالمهنيون في وزارة المالية، التي لم يتم إشراكها في بلورة الخطة، يعتقدون أن هذه منحة زائدة وضارة. وهكذا ايضاً محافظ بنك إسرائيل الحالي، البروفيسور امير يارون، ومن سبقته في المنصب، البروفيسورة كرنيت بلوغ، التي تعتبر قصة مثيرة.
خلال فترة بلوغ كمحافظة لبنك إسرائيل انتقدت نتنياهو على سياسة الرفاه البخيلة، وطلبت منه زيادة الانفاق على الخدمات الاجتماعية. والآن في ازمة "كورونا" فان الحكومة تصب الاموال (حتى الآن تمت المصادقة على خطط مساعدة بمبلغ 210 مليارات شيقل، منها 135 مليار شيقل من أموال الميزانية والباقي بضمانات) على بدل بطالة متواصلة ومنح للمصالح التجارية وعلى تعزيز جهاز الصحة وإضافات للتعليم. يبدو أن هذا جنة عدن لمن يؤيد "حكومة كبيرة" وميزانية رفاه كبيرة. ولكن هذا تم في ظروف استثنائية جدا لازمة "كورونا"، ازمة اقتصادية، وازمة سياسية. وهذا ايضا تم دفعه قدما بتشجيع من المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول الـ OECD وشركات تصنيف الاعتماد، التي تعتبر توسيع الميزانية موضوعا حيويا من أجل منع العالم من الغرق في ركود شديد وطويل. ولكن هذه الجهات لا توصي بأسلوب ضخ الاموال لحسابات الأشخاص البنكية، الذين لم يتضرروا من الأزمة.
خطة نتنياهو وإسرائيل كاتس خاطئة اقتصاديا؛ لأنها لا تميز بين المتضررين من الازمة وغير المتضررين منها. هي تفرض على مؤسسة التأمين الوطني تنفيذ الخطة، لكن ليس لديها بيانات محدثة للعام 2020 عن الاجور، التي بحسبها يمكن تصنيف الجمهور الى عشريات وتشخيص العشريات السبع السفلى. يوجد لدى التأمين الوطني بيانات للعام 2019 وهي ليست ذات صلة. لأن ازمة "كورونا" بتداعياتها المدمرة على مداخيل الجمهور اندلعت في الربع الاول من العام 2020. والصعوبة في تشخيص المتضررين الحقيقيين من الازمة هي التي تدفع نتنياهو وكاتس الى توزيع الأموال بصورة اعتباطية وعديمة التمييز. ولو أن الفكرة كانت أقل شعبوية واكثر مهنية لكان يجب عليهما أن يطلبا من المهنيين، الذين يمقتونهم جدا، ايجاد قاعدة بيانات تمكنهم من تشخيص المتضررين من الازمة وتركيز المساعدة عليهم – المصالح التجارية التي تضررت، العاملين الذين فقدوا عملهم وتضرر دخلهم، الاشخاص الذين انهت الازمة قدرتهم التشغيلية وهم بحاجة الى اعادة تأهيل مهني يتلاءم مع الواقع الجديد.
في المقابلة ذاتها مع يونيت ليفي في "اخبار 12" قال نتنياهو في سياق آخر بأنه يتوجه الى الرأي العام في أميركا لأن هو الذي يؤثر على الزعماء. ايضا هنا يدير نتنياهو طوال الوقت شؤونه امام الرأي العام. هو يفعل ذلك في محاكمته عندما يشهر بالنيابة العامة ويتهمها بحياكة ملفات: هو يفعل ذلك الآن وهو يشهر بالمهنيين والمستشارين القانونيين وخصومه السياسيين الذين لا يمكنونه من تقديم تسهيلات ومساعدات للشعب. هو يريد تجنيد الرأي العام من اجل أن يقوم هذا الرأي بانقاذ جميع حراس العتبة ويحرر الـ 15 مليار شيقل التي يريد توزيعها بسرعة قبل الانتخابات.
لم يعارض الرأي العام في أي يوم تسلم اموال من الدولة. ولكن من اجل ذلك هناك اشخاص يقومون بحماية الاموال وهناك توازنات وكوابح. ولكن نتنياهو يريد تدميرها. لا توجد أحزاب يسار تهدده، جزء من العرب بشكل عام أصبحوا أصدقاء له. وهو بحاجة الى أعداء جدد ليحرض الجمهور ضدهم. المهنيون والمستشارون القانونيون وقليل من السياسيين الذين ما زالوا يعارضونه، هم الذين حصلوا على هذا الدور.

 عن "هآرتس"