قد تنتهي بنتيجة سيئة لفتح وحماس

صحفي بريطاني يتوقع النتائج المرتقبة للانتخابات الفلسطينية المقبلة

انتخابات
حجم الخط

الدوحة - وكالة خبر

كشف الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، من خلال مقال نشره اليوم السبت، على موقع "ميدل إيست آي"، عن النتائج المرتقبة للانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية المقبلة.

واستعرض هيرست في مقاله، الوضع الحالي للأطراف المشاركة في الانتخابات الفلسطينية المقبلة، موجهًا انتقادًا لغياب الرؤية لدى تلك الأطراف، إلا أنه يلتمس الأمل في جيل جديد لا تنفك ملامح نضاله تتراءى يوماً بعد يوم ويتنبأ له بقيادة الكفاح بديلاً عن القيادات القديمة وعللها.

وأشار إلى أن تلك هي المرة الخامسة التي يتم إقرار إجراء انتخابات في فلسطين خلال ال15 عامًا الماضية، منذ إجرائها لآخر مرة عام 2006، والتي جاءت نتيجتها مفاجأة للجميع، فمن فيهم حركة حماس نفسها، حيث اكتسحت الحركة مقاعد المجلس التشريعي، ورغم ذلك يبدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس عازمًا هذه المرة ألا يتكرر نفس السيناريو.

واستدل على ذلك بالإجراءات والقيود التي فرضها جهاز الأمن الوقائي وقوات الاحتلال في الوقت ذاته، من خلال حملات الاعتقال لكل معارض لهم في الضفة الغربية- على حد تعبيره-.

وفي السياق ذاته، قالت جمعية "نادي الأسير الفلسطيني"، إن حوالي 456 مدنياً اعتقلوا في شهر يناير/كانون الثاني في الضفة الغربية، وفي ليلة واحدة من فبراير/شباط، اعتُقل 31 فلسطينياً، مشيرًا إلى أن الاعتقالات لم تفرق بين اتجاه سياسي وآخر، فالأمر لم يقتصر على الإسلاميين أو أنصار حماس،  وقد استُهدفت كل الفصائل حتى تلك التي لم تتأسس رسمياً بعد، ومنذ أكثر من عام تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي مئات من الشبان والشابات المنتمين إلى شبكات اجتماعية وسياسية يسارية.

ونوه إلى أن هؤلاء المعتقلين يواجهون تهمًا فضفاضة بزعم ارتكابهم "أنشطة إرهابية" أو "زيارة دول معادية" أو حتى "الاتصال بعملاء أجانب"، غير أن المحققين لا يُبدون كثيراً من الشك في أسباب اعتقالهم، فالاعتقال والتعذيب هما أداتان لقطع أواصر الشبكة قبل أن تتمدد. وبطبيعة الحال فإن أعضاء حماس، ممن هم خارج المعتقلات، في الضفة الغربية، مهددون بأنهم الهدف القادم إذا تجرأوا على الاعتراض.

وأشار إلى أن قوات الاحتلال قامت باعتقال القيادي في حركة حماس بمدينة جنين خالد الحاج، الأسبوع الماضي، الذي كان قد أعلن تأييده لقرارات الرئيس الفلسطيني بشأن الانتخابات، كما أن أن أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية تعرّضت بالضرب المبرح لعضو آخر من حماس، كان قد خضع للتو لعملية جراحية جراء إصابته بالسرطان.

وقال القيادي في حركة حماس وصفي كبها في وقت سابق: "إننا نواجه تصعيداً جدياً وخطيراً، ليس فقط من قبل الاحتلال، بل من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية أيضاً، وتهدف حملة الاعتقال تلك إلى تخويف وترهيب وإرهاب أعضاء الحركة وغيرهم من المتعاطفين مع حماس، كما أن تلك الاعتقالات ترمي إلى التأثير في الانتخابات، فهناك عديد من الأشخاص الآخرين الذين هددتهم القوات الإسرائيلية بالاعتقال إذا رشحوا أنفسهم أو شاركوا في الانتخابات".

وأشار الصحفي البريطاني في المقال، إلى أن الاعتقالات ذات الدوافع السياسية ليست بالأمر الجديد في الضفة الغربية، لكن ما يفاجئ البعض هو أن قيادة حماس في غزة ما زالت تمضي قدماً في الانتخابات بغض النظر عنها.

وقال إن السؤال المثير للاهتمام هنا هو لماذا؟ فخلال ثلاث جولات من المفاوضات مع فتح في بيروت وأنقرة، شددت قيادة حماس على إجراء الانتخابات الثلاثة البرلمانية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني بالتزامن، وهذا لأنهم لم يثقوا بأن الرئيس عباس سيفي بكلمته، بإتمام إجراء بقية الانتخابات، بمجرد إعادة انتخابه رئيساً.

وأفاد بأن حركة حماس أبدت تمسكها بأن تُنهي السلطة الفلسطينية تعاونها الأمني المكثف مع "إسرائيل"، وحملات الاعتقال التي تشنها في الضفة الغربية، وفي حين أبدى الرئيس عباس الامتثال لتلك المطالبات لفترة من الوقت، فإنه لم يلبث أن تخلّى عنها بمجرد أن أصبح واضحاً له في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن دونالد ترامب سيخرج من منصبه، وفي المحادثات اللاحقة التي عُقدت في القاهرة، فشلت حماس في الحصول على أي من المطلَبين.

وفيما يتعلق بحركتي الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نوه إلى أنهما تقدم كل منهما بتحفظات، حيث أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنها لن تقدم مرشحين للانتخابات، ومع ذلك استمر وفد حماس في المفاوضات.

وأشار إلى أن مؤيدي الصفقة مع حركة فتح، يرون أن حماس حصلت على ضمانات بأن 38 ألف موظف عمومي في غزة لن يتقاضوا رواتبهم المتوقفة من السلطة الفلسطينية فحسب، بل وتثبيت في وظائف دائمة، كما يؤى هؤلاء أنه سيتم تشكيل محكمة انتخابات جديدة بديلاً عن المحكمة الدستورية التي أنشاها الرئيس عباس، ولطالما أبدت انحيازاً شديداً له في قراراتها.

كما يرى مؤيدو الاتفاق أن انخراط حركة حماس في الاتفاق مع السلطة سيمنحها قدراً من التعاون الدولي معها، بما يشمله ذلك من استئناف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، علاوة على ذلك، يُزعم أن الاتفاق يعني أن أحداً لن يستطيع تجريم المقاومة.

فيما معارضو الصفقة من حركة حماس، يرون إن كل تلك الوعود هي محض أماني، مشيرين إلى أن قضية الموظفين، المتعثر حلها منذ عقد من الزمان على الأقل، تم تأجيله بالفعل إلى ما بعد الانتخابات، كما لم يعلن الرئيس عباس عن محكمة انتخابات جديدة، وحتى لو تم تشكيلها فلا يمكنها أن تحل محل المحكمة الدستورية الحالية التي لا تزال أعلى سلطة قانونية في الضفة الغربية.

وقال المعارضون، إنه ليس من سلطة فتح ضمان الاعتراف الدولي بحماس، التي لا تزال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصنفها على أنها منظمة إرهابية، وبناءً على ذلك، ذهب الصحفي البريطاني إلى أن القيادة العليا في حماس منقسمة، فالحركة في غزة محاصرة وعاجزة عن الخروج من معسكر الاعتقال الكبير الذي استحالت إليه غزة بعد انتخابات عام 2006، ومحاولة الانقلاب التي قام بها القيادي في حركة فتح محمد دحلان، ثم الانقسام مع فتح.

وأوضح أن الحركة سئمت تحميلها المسؤولية عن استمرار الحصار، وهي في أمسّ الحاجة إلى إيجاد مخرج، كما أن الأموال أيضاً نفدت أو توشك، فلم تعد إيران تمولهم كما كان الوضع من قبل، وهناك مؤشرات على أن حتى الداعمين الأجانب يدفعون الحركة إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني مع فتح.

ورغم ذلك، وجد الصحفي البريطاني أن مشاعر السخط المتصاعدة على الحملة التي تشنها السلطة على أعضاء حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية في الضفة الغربية آخذة في التصاعد، في حين أن هناك تعاطفاً مع الظروف التي يواجهونها في غزة، فإن قيادة حماس ستواجه مع ذلك ضغوطاً مكثفة للانسحاب من الانتخابات المحكوم على حماس بالخسارة فيها.

كما ووصف قيادي في حركة حماس أسير داخل سجون الاحتلال إبراهيم حامد، والذي كان قائدًا  لجناحها العسكري في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية وحكم عليه بـ54 مؤبداً، أن قرارَ المكتب السياسي للحركة بخوض الانتخابات قرار "متسرع".

وأشار الأسير حامد في رسالة مسربة من سجون الاحتلال التي تضمنت عدة بنود يحلل فيها موقفه، إلى أن حماس واقعةٌ في موقف لا يحتمل إلا الخسارة، فإذا فازت في الانتخابات، ما الذي يمنع تكرار سيناريو 2006؟ وإذا خسرت فهل تسلم حماس السلطة وصواريخها إلى فتح في غزة؟ وحتى لو حافظ الرئيس عباس على كلمته وشكل حكومة وحدة وطنية حقيقية وسُمح لأعضاء حماس بالعودة إلى البرلمان، فما الذي يمنع إسرائيل من اعتقال نواب الحركة كما تفعل الآن؟

وعلى جانب آخر، أشار المقال إلى أن حركة "فتح" ليست أفضل حالاً، إذ إن سعي الرئيس عباس لتجديد ولايته واستعادة الشرعية التي فقدها بوصفه أحد المشاركين في اتفاق أوسلو، بات عرضة للتهديد من قبل اثنين من قادة فتح الآخرين.

وقال هيرست، إن كلًا من الإمارات والأردن ومصر أشرفت على وضع الخطة لحقبة ما بعد الرئيس عباس، ومنذ عام 2016 لم تتوقف مصر والأردن عن الضغط على عباس للمصالحة مع القيادي دحلان، وأوصل رئيسا الاستخبارات المصرية والأردنية الرسالة ذاتها إلى الرئيس عباس عندما زارا رام الله مؤخراً.

وفي السياق ذاته، لفت المقال إلى الفاعل الجديد الذي طرح على الطاولة، وهو رجل سبق أن أعلن خوض الانتخابات ضد الرئيس عباس، ثم سحب ترشيحه في انتخابات 2005 الرئاسية، والإشارة إلى الزعيم بحركة فتح مروان البرغوثي، أحد القادة المشاركين في الانتفاضة الأولى والثانية، والمعتقل في سجون الاحتلال ومحكوم عليه بالسجن المؤبد.

وأوضح أن الأسير البرغوثي أعلن هذه المرة عن نيته الترشح للرئاسة وانتخابات المجلس التشريعي، عبر أحد أنصاره والقيادي في حركة فتح رأفت عليان، والذي نقل عن البرغوثي قوله إن قائمة فتح الموحدة "يجب أن يشارك فيها الجميع، بمن فيهم من اتهم بـ"التجنّح" (اتخاذ العضو موقفاً من حركته دون إعلان الانشقاق عنها)، وهؤلاء الذين فُصلوا من الحركة".

ونوه المقال إلى أن هذه كانت إشارة واضحة إلى دحلان الذي يعيش في المنفى ومحكوم عليه غيابياً بالسجن ثلاث سنوات بتهم الفساد، كما أنه مفصول من الحركة، حيث دفعت تلك التطورات بهيرست إلى التساؤل: هل يكون دحلان، الزعيم الفلسطيني المفضل لإسرائيل، هو سبيل البرغوثي للخروج من السجن بعد عقدين أمضاهما خلف القضبان؟

ومن هنا، أثار إعلان الأسير البرغوثي جدلاً كبيراً داخل حركة فتح، حيث وجَّه أمين عام اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب، اتهامًا لدولٍ أجنبية، وصف بعضها بالهرولة على التطبيع مع "إسرائيل"، بالتدخل في الانتخابات الفلسطينية.

وأضاف أن مصر والأردن والإمارات، الدول التي تسعى لإيصال دحلان إلى منصب زعيم السلطة الفلسطينية المقبل، بحرصها على استغلال انعدام الثقة القائم بين فتح وحماس، وآخر علامة على ذلك هي وصول أول مجموعة كبيرة من رجال دحلان إلى غزة، بعد سنوات طويلة في المنفى، ولم يكن ذلك ليحدث إلا بموافقة من قادة حماس في غزة- على حد تعبيره-.

كما أشار المقال إلى أن التنافس على منصب الزعامة داخل فتح يتعلق بالسلطة، لكن مشكلة فتح الحقيقية، تتعلق بالنظرة إلى هويتها وأهدافها، متسائلًا: "فهل فتح تريد تحرير فلسطين من الاحتلال أم تريد أن تحكم بالنيابة عن إسرائيل مهما كانت الظروف التي توضع تحتها"؟

وأوضح هيرست أن الرجوب ودحلان عدوان لدودان فقط لتنافسهما على السلطة، غير أن كليهما لا يمتلك رؤية لفلسطين حرة، ويستشهد على ذلك بموقف الرئيس عباس الذي لجأ لفترة إلى موقف الزعيم الفلسطيني الذي يتصدى للتطبيع مع "إسرائيل" ويصفه بالخيانة، لكن بمجرد أن أصبح أن ترامب في طريقه للخروج من السلطة، ألقى الرئيس عباس بمبادئه من أقرب نافذة، وعاد إلى تعاونه المعتاد مع كل من واشنطن و"إسرائيل".

وقام هيرست بتلخيص رؤيته للوضع الحالي، قائلًا إن حركة فتح لا تزال تعاني أزمة تتعلق بشرعيتها، رغم أنها تعتبر نفسها القوة الحاكمة الطبيعية، أما حماس، فتريد تخليص نفسها من عبء المسؤولية الثقيلة عن معاناة مليوني فلسطيني معوز في غزة، ومع ذلك ففي ظل هذه الظروف، من الواضح أن الانتخابات هي قفزة إلى المجهول، وقد ينتهي الأمر بنتيجة أسوأ للطرفين، فكلا الطرفين يخوض الانتخابات دون رؤية متفق عليها لفلسطين أو خطة مفصلة للوصول إلى دولة فلسطينية.

وأثار المقال سؤالًا تنبأ من خلاله بما يعتبرهم "القادة الحقيقيين الذين بدأت تظهر بوادر قيادتهم لنضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه"، مستدعيًا الاحتجاجات التي اندلعت في عدة بلدات وقرى هذا الشهر، فالشرارة هذه المرة كانت ارتفاع معدل الجريمة وغياب الشرطة، لكن الأعلام الفلسطينية والشعارات كانت تعيد سرد قصة مختلفة، قصة لم تُر أو تُسمع منذ الانتفاضة الأولى، على حسب تعبيره.

كما لفت هيرست إلى المبادرات الشبابية التي طفقت تتجذر في الضفة الغربية، والتي تحرص قوات الاحتلال الإسرائيلي على تفكيكها واعتقال أفرادها. لكن الواضح أن هناك جيلاً جديداً من الاحتجاجات والقيادات لا ينفك ينشأ مستقلاً عن فتح وحماس وغيرهما. وفي الشتات، أصبحت "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS) حركة دولية، وهي أيضاً حركة مستقلة عن أي قيادة فلسطينية.

واستحضر في المقال التباين بين القادة الفلسطينيين الحاليين وحركات التحرير الناجحة الأخرى، مشيرًا إلى نيلسون مثالاً الذي ألقى بمجرد خروجه من السجن في 11 فبراير/شباط 1990 خطاباً ما زال يتردد صداه حتى يومنا هذا. الخطاب الذي قال فيه إن الكفاح المسلح سيستمر حتى ينهار الفصل العنصري، ودعا فيه المجتمع الدولي إلى الاستمرار في مقاطعته لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

وقارن ذلك الموقف بما فعلته فتح، التي وقعت اتفاقية أوسلو التي جرّمت المقاومة المسلحة وفتحت المجال لـ"إسرائيل" لتطبيع علاقاتها مع الصين ودول الاتحاد السوفييتي في أيامه الأخيرة والهند والعديد من الدول الإفريقية، في حين لم تعط أوسلو شيئاً للفلسطينيين، حيث انتهى الأمر بمنح "إسرائيل" كل شيء، وهي المكاسب التي بلغت ذروتها بافتتاح سفارتين إسرائيليتين في أبوظبي والمنامة دون أي مقابل.

وفي ختام المقال، وجَّه هيرست تساؤلًا مستنكرًا عن المقابل الذي حصل عليه الرئيس عباس نظير تنازلاته؟ مجيبًا بسخرية: 600 ألف مستوطن إسرائيلي آخر في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ومع ذلك، قال هيرست إنه كما أبدى مانديلا وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي التصميم والرؤية الثاقبة التي أفضت إلى التحرير في النهاية، فإن نماذج هذا النضال من الفلسطينيين موجودون، لكن في الشوارع، حيث كانوا دائماً، وهم من يعوّل عليهم في قيادة هذا النضال واستمراره.