تصادف غدا 22 شباط ذكرى اعلان الوحدة بين مصر برئاسة عبد الناصر وسوريا برئاسة شكري القوتلي، وكانت هذه المناسبة تتويجا لمرحلة من الشعور القومي والوحدوي الذي اشعله عبد الناصر، وكانت التمنيات ان يكون هذا الحدث مقدمة لوحدة عربية شاملة، لكن الرياح جرت عكس ذلك وانتهت الوحدة في ايلول 1961 وتعمق الانقسام والخلافات حتى وصلنا الى المرحلة التي نحن فيها.
لم يعد الحديث عن الوحدة امرا واقعيا، ولم يعد عربي واحد يعتقد بامكانية هذه الوحدة اساسا، رغم وجود جامعة عربية ولكنها غير جامعة،، ورغم الاحاديث المتكررة عن المصير الواحد والتضامن وبدون اي تنفيذ.
والاسوأ ان دولا عربية عدة يذبحها الانقسام الداخلي والاقتتال الفئوي او الطائفي، ومن ابرز الامثلة ما يحدث في ليبيا التي يبلغ دخلها من النفط نحو 20 مليار دولار وعدد سكانها نحو عشرة ملايين او اكثر، ولو انتصر العقل لاصبح الليبيون كلهم اثرياء وسعداء. وهناك ايضا اليمن السعيد او الذي كنا نصفه بالسعيد وقد انقسم بين شمال وجنوب وانهكته الحرب الداخلية التي شردت الملايين من اطفال وغيرهم ودفع الآلاف حياتهم ثمنا لهذه الحرب المتواصلة.
والعراق تشتد فيه الخلافات الداخلية وكذلك سوريا، وصارت الارض السورية والعراقية ملعبا للقوى الخارجية للتدخل المباشر او غير المباشر وكذلك الامر في عدد اخر من الدول العربية. وحتى نكون صادقين مع انفسنا فاننا نحن الفلسطينيين انقسمنا واختلفنا وتحاربنا بين تنظيمات وقوى داخلية، وتكاد غزة تصبح جزءا مستقلا حتى وصلنا الى اتفاق القاهرة الاخير استعدادا للانتخابات القادمة المطلوبة، ولكن الوحدة بين قيادتي غزة والضفة لا تزال نظرية الى حد ما، وهناك شكوك كثيرة في اجراء الانتخابات والقبول العملي بنتائجها مهما تكن، والالتزام بذلك فعليا، وان كنا جميعا نتمنى ذلك لانها قضية مصيرية، وخاصة ونحن نواجه ما نراه من استيطان وتهويد ومصادرة للارض وتهجير للمواطنين.
والسؤال المحير لماذا نحن كذلك مع اننا كما ندعي، شعب واحد وتوحدنا جذور عميقة وتجمعنا روابط كثيرة، وان كانت الوحدة صعبة فلماذا لا نقبل بالاتحاد مثلا، بحيث تحافظ كل دولة على ما تختص به وتحرص عليه، ويتم التوافق على القضايا المشتركة والعمل من اجل تحقيقها.
ويؤكد كثيرون من الخبراء والمختصين ان هناك اسبابا كثيرة لهذه الحالة، في مقدمتها العقلية العشائرية والانفرادية والقيادات التي تتمسك بالكراسي والمصالح الشخصية او العائلية، وكذلك غياب الديمقراطية كليا التي لو وجدت والتزم الكل بها، لكانت الحل وباب الانفراج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولكنها تغيب تماما ولم نسمع عن انتخابات ادت الى سقوط رئيس او كبار المسؤولين، وحتى تونس التي هي قدوة عربية بدأت تتخبط في قضايا وخلافات داخلية.
هذه الملايين العربية وهذه المساحات الشاسعة وهذه الثروات الهائلة كلها تكاد تكون غائبة الا لدى السلطات المتحكمة وليس الحاكمة فقط، ولو اتحد العرب لكانوا القوة الاولى عالميا، وما تجرأت دولة مهما كانت على التدخل في قضايانا وارضنا وثرواتنا ومصيرنا، كما يحصل حاليا، حيث نرى اسرائيل الصغيرة سكانا ومساحة تتحكم في قضايا استراتيجية ويتهافت بعض العرب على التطبيع معها.
اخيرا اتذكر في هذا السياق الشعر الذي تعلمناه صغارا: «بلاد العرب اوطاني» .. وتحول الى «بلاد العرب احزاني..!!».