الانتخابات الفلسطينية .. فرصة للتغيير أم أداة لتكريس الواقع؟

حجم الخط

د. مصطفى البرغوثي يكتب

مع صدور مرسوم إجراء الانتخابات الفلسطينية الذي حدد مواعيدها، بعد انتظار طويل، غابت فيه الانتخابات الديمقراطية خمسة عشر عاماً، حققت عملية تسجيل الناخبين نجاحاً غير مسبوق، بتسجيل 93% من الناخبين، وهو ما يعكس تعطّشاً شعبياً للممارسة الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، أثارت محاولة مجموعة منظمة العبث في سجل الناخبين قلقاً واسعاً إزاء نزاهة العملية الانتخابية، على الرغم من تدخل لجنة الانتخابات المركزية وإزالتها الأضرار التي لحقت بالسجل.

وكان اجتماع القاهرة للقوى الفلسطينية قد اتخذ قرارات محدّدة لضمان حرية العملية الإنتخابية ونزاهتها، بما في ذلك إطلاق الحريات العامة، وتحريم الاعتقال السياسي والاستدعاءات السياسية، وحرية الدعاية الانتخابية، وضمان عدم تدخل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة بأي شكل في عملية الانتخابات، والتوقف عن ملاحقة المواطنين على خلفية الانتماء السياسي أو حرية الرأي والتعبير. ودعا الاجتماع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى إصدار قرار ملزم بذلك، كما قرّر تشكيل لجنة رقابة وطنية لمتابعة التنفيذ. وأكد على تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، بالتوافق من قضاة مشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية السياسية، وأن يصدر مرسوم بتشكيلها.

“يثير تأجيل معالجة حالة الانقسام بين منظومتين للحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة قلق الأوساط الشعبية، خوفاً من أن تكون الانتخابات تكريساً له “.

واتفق المشاركون في الاجتماع على ضرورة إجراء تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات، بما في ذلك تخفيض سن الترشح من 28 عاماً إلى 21 أو 25 عاماً، وزيادة نسبة تمثيل المرأة إلى 30%، وتخفيض رسوم تسجيل القوائم الانتخابية الباهظة، والتي تشترط أن تقدّم كل قائمة عشرين ألف دولار رسوما، وهو أمر يشكل عبئاً على القوائم، وعلى الأحزاب والقوى التي لا تملك مقدّرات مالية أو لا تتلقى دعماً من السلطة.

وشملت التعديلات المقترحة إزالة شرطٍ ورد في قانون الانتخابات المعدّل بضرورة استقالة الموظفين في وظائف رسمية ومدراء ورؤساء مؤسسات المجتمع المدني، قبل الترشّح، وعدم قبول طلبات ترشحهم، إن لم تكن مرفقة بقبول رسمي لاستقالتهم، وهو شرط يُعرض، حسب رأي الخبراء، ما لا يقل عن مائتي ألف شخص لخطر التعسف من مسؤوليهم الذين قد يمتنعون عن قبول استقالاتهم لمنعهم من الترشح.

وشدد اجتماع القاهرة، خلال المناقشات على ضرورة إزالة التمييز الواقع على أعضاء كثيرين في المجلس التشريعي السابق، بحرمانهم من مخصصات التقاعد، في حين تمنح هذه المخصصات لباقي الأعضاء في ما يمثل خرقاً للقانون، وتمييزاً على أساس المواقف السياسية، والولاء السياسي.

“تمثل الانتخابات فرصة لا تعوض لإخراج منظمة التحرير من حالة الضعف التي تعيشها، ولإعادة الأمور إلى نصابها، بجعلها مرجعية السلطة الفلسطينية“.

وبالنسبة لغالبية الشعب الفلسطيني، وخصوصا جيل الشباب الذين يمثلون نصف الناخبين، ويشاركون بالتصويت للمرة الأولى، تمثل الانتخابات فرصة للتغيير السياسي والاجتماعي، وإصلاح الخلل في مجمل النظام السياسي. بما في ذلك تبني إستراتيجية وطنية بديلة للنهج الذي فشل، والتخلص من الاتفاقيات الجائرة بالشعب الفلسطيني، كاتفاق أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي، وهي أيضاً فرصة للتصدّي لما ساد، في السنوات الأخيرة، من هيمنة لمنظومة الواسطة والمحسوبية والتمييز على أساس الانتماء الحزبي، وانعدام تكافؤ الفرص، وإهمال حاجات المجتمع، الصحية والزراعية والاقتصادية، وخصوصا احتياجات الشباب الذين يعانون من بطالة قاسية تصل نسبتها إلى 80% في قطاع غزة، وتزيد عن 40% في الضفة الغربية. وبالمقدار نفسه، تمثل الانتخابات فرصة هامة لغالبية المشاركين لإحداث حراك ضد تكريس منظومة الزبائنية السياسية، واستغلال المواقع الرسمية، والأموال التي يدفعها الشعب من عرق جبينه، أو تُجبى باسمه، للكسب والسيطرة السياسية.

وبدون شك، يثير تأجيل معالجة حالة الانقسام القائمة بين منظومتين للحكم في الضفة والقطاع قلق الأوساط الشعبية، خوفاً من أن تكون الانتخابات تكريساً لحالة الانقسام، بدل أن تكون أداة لإنهاء هذا الانقسام المستمر منذ أربعة عشر عاما. وللأسف، رُفض الاقتراح بتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة، تبدأ بمعالجة قضايا الانقسام، وتتخذ كل الاحتياطات لضمان نجاح الانتخابات، ما يبقي مشكلات الانقسام شبحا يهدّد العملية الانتخابية برمتها. وما من خلاف على أن معالجة الشعور العام بالإحباط الناجم عن تحجر النظام السياسي، وحل المجلس التشريعي، وزوال استقلال القضاء، وانعدام مبدأ الفصل بين السلطات، لن يتم إن كانت الانتخابات مجرّد وسيلة لتجديد الشرعيات أو لتكريس الواقع القائم، أو إن فشلت في إحداث التغيير الذي يطمح له الجمهور.

“تحدّيات كبيرة تقف أمام الانتخابات الفلسطينية، بما في ذلك التنفيذ الفعلي لقرارات اجتماع القاهرة “.

ويمثل إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن تم، فرصة لا تعوض لإخراج المنظمة من حالة الضعف التي تعيشها، ولإعادة الأمور إلى نصابها، بجعلها مرجعية السلطة الفلسطينية، بدل أن تكون محتواة من الأخيرة، ولفتح الباب أمام أبناء الشعب الفلسطيني وبناته في الخارج، للمساهمة في اختيار قادتهم، ولجعل المنظمة إطارا لقيادة وطنية فلسطينية موحدة، تكون مسؤولة عن اتخاذ القرارات السياسية و الكفاحية.

هناك تحدّيات كبيرة تقف أمام الانتخابات الفلسطينية، بما في ذلك التنفيذ الفعلي لقرارات اجتماع القاهرة للقوى الفلسطينية، وإجراء هذه الانتخابات، التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني، كاملة غير منقوصة. والتصدّي لأي محاولة قد يقوم بها الاحتلال لمنع الانتخابات في القدس، أو عرقلتها في أماكن أخرى، بالإصرار على إجراء الانتخابات في القدس، رغم أنف الاحتلال… غير أن التحدي الأكبر سيكون، هل تحقق الانتخابات فعلاً التغيير الإيجابي الذي يطمح له الشعب الفلسطيني، أم تكون مجرّد أداة لتجديد شرعية الوضع القائم؟

*د. مصطفى البرغوثي – الامين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.