نوايا التصويت المتوقعة في جولة الانتخابات التشريعية المقبلة

حجم الخط

بقلم: العميد أحمد عيسى*

 

أعلنت لجنة الانتخابات المركزية يوم الثلاثاء الموافق 16/ 2/ 2021 إغلاق باب تسجيل الناخبين للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية للعام 2021، حيث بلغ عدد المسجلين مليونين و622 ألف مسجل من أصل مليونين و809 آلاف يمتلكون حق التسجيل، أي ما نسبته 93,3% من أصحاب حق التسجيل والاقتراع، الأمر الذي يشير إلى رغبة الشعب الفلسطيني العالية في الأراضي الفلسطينية في المشاركة بالعملية الانتخابية.

وبينما لم يُفتح باب الترشُّح بعد، إذ سيبدأ المترشحون (أفراداً وكتلاً وقوائم وأحزاباً) في الترشُّح في العشرين من الشهر المقبل لمدة 12 يوماً حسب القانون، فإنّ الحراك والسجال الفكريين والسياسيين بدأت تعلو وتائرهما منذ صدور المراسيم الرئاسية الخاصة بالانتخابات يوم الجمعة الموافق 15/ 1/ 2021.

وتكشف رغبة الشعب الفلسطيني العالية في المشاركة بالانتخابات المقبلة، وكذلك السجال الفكري والسياسي المرافق، كما يتجلى في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أن الشعب لا ينظر إلى الجولة المقبلة من الانتخابات على أنها مجرد انتخابات سيتنافس فيها المرشحون على الفوز بمقاعد البرلمان، وتشكيل الحكومة المقبلة، بل تعكس فهم الشعب لها على أنها بدايةٌ جديدةٌ لمرحلةٍ جديدةٍ من بحث الفلسطينيين عن مستقبل أفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقيمياً وثقافياً، لا سيما أن الشعب يدفع من قوته وقوت أبنائه ثمن فشل القوى والأحزاب السياسية المهيمنة على المشهد الفكري والسياسي الفلسطيني في تحقيق ما وعدت به الشعب في جولة الانتخابات الماضية عام 2006، حيث جرت الجولة الأخيرة من الانتخابات التشريعية.

المفارقة هنا أنّ حركة "فتح" لم تحرر الوطن، ولم تحقق الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967، ولم تنجح في بناء نظام حكم رشيد يفتخر به الشعب، وكذلك الحال بالنسبة لحركة "حماس"، فلم تحرر شبراً من الأرض، على الرغم من كل ما قدمته، ومعها الشعب في قطاع غزة، من نماذج في الصمود والمقاومة، كما أنها لم تنجح في رفع الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من عقد ونيف، والأهم أنها قدمت نموذج حكم منفراً للشعب، إلا أن الشعب لا يزال متمسكاً بالحركتين، وفقاً لنتائج استطلاعات الرأي التي تجريها المؤسسات المتخصصة في هذا المجال، إذ تظهر نتائج هذه الاستطلاعات المختلفة والمتعددة أن 70% من الجمهور سيصوتون لصالحهما إذا جرت الانتخابات.

وعلى ذلك، سيتنافس المستقلون من الشعب وباقي المكونات السياسية الفلسطينية، سواء التقليدية منها، أم تلك الجديدة التي تنوي خوض الانتخابات على ما نسبته 30% من أصوات الناخبين، الأمر الذي يتطلب من القوى والأحزاب التي لا تزال فلسطينية العقل والقلب عمل كل ما يلزم لمعالجة ما فسد، وتطوير استراتيجيات تستجيب لتطلعات الشعب واحتياجاته، كما يتطلب منها إبقاء المنافسة فلسطينية خالصة محصنة ومنيعة، لا تسمح للساعين من الأنظمة العربية وغير العربية باختراق العقل الفلسطيني، وتوظيف النظام السياسي الجديد لخدمة الاستراتيجية السياسية لهذه الأنظمة في المنطقة، لا سيما أن بعض هذه الأنظمة قد انحاز علناً لصالح الرواية الصهيونية على حساب الرواية الفلسطينية بعد توقيعه على "اتفاقية أبرهام" ومباركته صفقة القرن التي اعتبرت القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل.

صحيحٌ أن حركة "فتح"، التي لا تزال نسبةٌ عاليةٌ من الشعب ترى أن بإمكانها أن تقدم للشعب أكثر مما كان، مطالَبةٌ أكثر من غيرها بقطع الطريق أمام محاولات البعض ممن خرجوا من بين ظهرانيها التسلل للنظام الفلسطيني الجديد، لا سيما بعد فشل محاولتهم التسلل للصفوف القيادية الأولى في الحركة، إلا أن الشعب، بما في ذلك القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية الأُخرى التي تنافس "فتح" على السلطة، مطالب ربما بنفس الدرجة بكشف هذه الجماعات ولفظها، وإلا كان الجميع شركاء لهذا البعض في أهدافه وغاياته.

قد يرى البعض أن الشعب الفلسطيني تاريخياً كان محصناً ضد كل محاولات الاختراق من الخارج، وفي هذا الشأن قد يبدو هذا النمط من التفكير صحيحاً، ولكن في ضوء فشل الآخرين في تحقيق آمال الشعب وتردي حالته المعيشية وافتقاده لأبسط مقومات الحياة، وربما الصمود، فإنّ الوضع مختلف، ومحاولات الاختراق يقيناً ستكون أسهل، وحين ذلك على كل مكونات الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية الاعتراف علناً بالفشل، إذ ستكون الهزيمة قد تحققت ليس بفشلها في تحقيق ما وعدت الشعب به وحسب، بل بفقدان الأجيال القادمة استعادة معنى الوطن من داخلها، وتفضيلها متطلبات الحياة على حساب معنى الوطن.

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي