من حسن الحظ أنني لست راعي أغنام سورياً يعيش بالقرب من الحدود مع دولة إسرائيل. فلو كنت راعي اغنام سورياً في هضبة الجولان لربما لم أكن لأعود الى البيت في نهاية يوم عملي. ربما كنت سأخرج مع الأغنام في الصباح من القرية، وفي الوقت الذي كنت سأجلس فيه على صخرة وأعزف على الشبابة (إذا كان ذلك ما زال من مقتضيات المهنة) فان مندوبي الدولة العظمى في الشرق الأوسط كانوا، حسب أقوال المراسل العسكري لـ «اخبار 13»، اور هيلر، «سيقطفونني» وكأنني زهرة. القصد لمن لم يفهم، كانوا سيقومون باعتقالي ونقلي الى احد المعتقلات في إسرائيل.
أنا لستُ مجرد زهرة، بل زهرة غير محمية. زوجتي وأولادي لم يكونوا ليفهموا لماذا لم يرجع والدهم الى البيت لتناول وجبة العشاء، وكانوا سيقلقون. أو ربما لا قلقون؛ فقد اصبحوا معتادين. وربما هذه مخاطرة معروفة من اخطار المهنة في هذه المنطقة. نقاشو الحجارة يخاطرون بالاصابة بأمراض في التنفس والرعاة يخاطرون بالاعتقال في إسرائيل. بعد ذلك، ربما عائلتي رأت أنني لم أعد، وقال الكبير للصغير «مرة اخرى، الجيش الإسرائيلي قام بقطف والدنا».
في قضية المواطنة الإسرائيلية التي اجتازت بمبادرتها الحدود السورية وتمت اعادة في نهاية الاسبوع في اطار صفقة شملت راعيين سوريين واصدار العفو عن ناشطة درزية من هضبة الجولان واعطاء مئات آلاف لقاحات «سبوتنيك»، حسب مصادر اجنبية، كل ذلك أخفى ممارسة، نحن مواطني إسرائيل لا نعرف عنها أي شيء. واذا حكمنا على الامور حسب وسائل الاعلام الإسرائيلية فهي لا تعنينا أبداً.
هناك احتمالان. الأول هو أن رعاة الأغنام اعتقلوا دون أي علاقة باحتجاز الفتاة الإسرائيلية في سورية. ولكن اذا كان الامر هكذا فلماذا لم يتم إطلاق سراحهما؟ قال المتذاكون. لأن اجتياز الحدود بدون تصريح يعتبر جريمة. حسناً، اذاً في هذه الحالة نحن لا نستطيع الاحتجاج امام السوريين على اعتقال الفتاة الإسرائيلية. اضافة الى أنه بالصدفة اجتياز الحدود تم بالخطأ، فانه ليس من المؤكد أن الامر يتعلق بجريمة. وعلى أي حال، دولة سليمة يجب عليها إعادة أشخاص كهؤلاء الى دولتهم. آخرون قالوا إن الأمر لا يتعلق برعاة أغنام ساذجين، بل بأشخاص يقومون بجمع المعلومات الاستخبارية لصالح النظام السوري. واذا كان الأمر كذلك فلماذا تحتفل الصحف في إسرائيل بالثمن الهامشي و»المنخفض» الذي دفعته إسرائيل مقابل مواطنتنا؟. جاسوسان سوريان مقابل فتاة إسرائيلية عادية، أليس هذا ثمناً منخفضاً؟
الاحتمال الثاني هو أن الرعاة اعتقلوا كي يكونوا ورقة مساومة. هذا الاحتمال الذي تحدث عنه هيلر؛ أن إسرائيل تجمع في جعبتها رعاة اغنام وكأنهم كانوا أحد الاصول في لعبة الواقع الافتراضي، هو أمر فظيع. اعتقال أشخاص لغرض المساومة هو عملية تناسب عصابات الجريمة التي تتعامل مع الأشخاص على أنهم أصول قابلة للبيع. هذه العملية تجرد المخطوفين من إنسانيتهم وتحول الخاطفين الى تجار بالبشر. اذا لم يجتث جهاز الأمن، الذي ارتكب جرائم اختطاف كهذه في السابق، في القضية المعروفة بأوراق المساومة في لبنان (التي انتهت بقرار من المحكمة العليا بإطلاق سراحهم)، أن يجتث هذه الممارسة من الجذور، فهو سيتورط بعمل جنائي خطير يجب عدم المرور عليه مر الكرام. اصطياد البشر هو عمل غير انساني بشكل واضح، سواء أكان اصطياداً جنسياً أو اصطياداً أمنياً.
كيف نعرف ما هي الحقيقة في هذه القضية؟ الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هي أن يبدأ المراسلون بتوجيه الأسئلة وتقديم إجابات للجمهور. ملاحظة في هامش التقرير عن «قطف» رعاة غير كافية. فهي تختزل القصة بقصة قصيرة لها طابع كوميدي. نحن بحاجة الى معلومات كاملة عن الطريقة التي وصل فيها رعاة الأغنام السوريون الى أيدي الجيش الإسرائيلي: من قام باتخاذ القرار، من صادق عليه، هل الحديث يدور عن ممارسة شائعة، كم هو عدد المواطنين الاجانب الآخرين الذين قمنا «بقطفهم»، وربما هم يمكثون حتى الآن في المعتقل الإسرائيلي. بالمناسبة، لن يضر لو أبلغونا ما الذي فعلوه بالأغنام التي فقدت راعيها. ولكن هذا للمتقدمين.
عن «هآرتس»