ماذا عن برنامج التطعيم في بلادنا؟

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

بدأ المسؤولون في العالم، ومن أعلى المستويات خلال الأيام القليلة الماضية بالتباهي بنجاح برامج التطعيم ضد فيروس كورونا، التي بدؤوها في بلادهم، وليس ذك فقط، ولكن من الواضح أن المستقبل السياسي أو الإنجازات السياسية للكثيرين مرتبط بمدى نجاعة وشمول برامج التطعيم، وكذلك أصبح من الواضح أن عودة النشاطات الاقتصادية من عمل وتجارة وسياحة وطيران وما الى ذلك قد أصبح مرتبطاً بمستوى ونوعية برامج التطعيم في ذلك البلد، وبالأخص حين يتم استخدام لقاحات تم اكتشافها وتسويقها من قبل شركات عالمية كبرى أثبتت فعاليتها بنسبة أكثر من 90%، مثل شركات فايزر وموديرنا وأسترازينكا، والآن جونسون أند جونسون وغيرهما.
ومن شاهد رئيس الوزراء البريطاني يتباهى بل ويفتخر بتطعيم حوالي 20 مليون مواطن بريطاني حتى الآن، يدرك الأهمية والأولوية لبرامج التطعيم وتسخير كل الامكانيات للحصول على اللقاحات، حيث تم في بريطانيا وضع خارطة طريق للخروج من الاغلاق الشامل القاسي وبالتالي جمود الاقتصاد الذي أحدثه تفشي فيروس كورونا، وذلك بالاعتماد على مدى تقدم وفعالية برنامج التطعيم، وهذا الوضع ينطبق على الكثير من الدول سواء الأوروبية منها، أو في الولايات المتحدة، حيث تم تطعيم حوالي 50 مليون مواطن أميركي باللقاح وبالأخص من شركات فايزر وموديرنا، وكذلك في تركيا حيث تم تطعيم حوالي 8 ملايين مواطن من اللقاح الصيني.
وفي بلادنا، من الواضح أن هناك فشلاً ذريعاً في برامج التطعيم، سواء في البدء فيها أو في تواصلها أن بدأت بشكل ما، وبغض النظر عن الاسباب أو عن العوامل أو القيود والإمكانيات، إلا أننا لم نبدأ برنامج تطعيم حقيقياً حتى الآن، هذا رغم التصريحات والوعود والتحضيرات المختلفة، ورغم التصريحات المتكررة بأننا حصلنا على 10 آلاف جرعة كتبرعات من اللقاح الروسي.
وبعيداً عن انتظار التبرعات من هذه الدولة أو تلك، أو الانتظار للحصول على اللقاحات من خلال برنامج منظمة الصحة العالمية «كوفاكس»، الا اننا من الواجب أن نتذكر أن رئيس الوزراء قد أكد على تخصيص مبلغ حوالي 10 ملايين دولار من أجل شراء اللقاحات، وهذا من المفترض أنه قد تم قبل اسابيع، وهذا يعني شراء اللقاح من شركات تجارية، واذا افترضنا أن ثمن الجرعة الواحدة يتراوح بين 10 و20 دولاراً، حسب الشركة والعرض والعلاقات، فأننا كنا وما زلنا قادرين على الحصول على حوالي نصف مليون جرعة في أسوأ الأحوال، ومن خلال استخدام أموالنا الخالصة فقط وبدون انتظار تبرع أو منحة من هنا أو هناك.
حيث من الواضح أن من حصل على ملايين الجرعات من اللقاح، قد استخدم الاموال والعلاقات والتواصل والاتصالات والتأثير وما الى ذلك، وهذا ما يتبجح به هذه الايام رئيس الوزراء الاسرائيلي، حيث حصلت إسرائيل على ملايين الجرعات من اللقاح وربما أكثر من 10 ملايين جرعة من شركات مختلفة، وهذا ما أدى الى تطعيم حوالى نصف السكان أي حوالي 5 ملايين شخص بالجرعة الاولى حتى هذا اليوم، وأكثر من 3 ملايين ونصف المليون شخص بالجرعة الثانية.
وليس هذا فقط، ولكن بدأت اسرائيل تستخدم الفائض الذي يفترض انه متوفر عندها من اللقاحات بعد الانتهاء من تطعيم الجميع بالجرعة الثانية من أجل أهداف سياسية ودبلوماسية وبالتأثير على دول مختلفة للحصول على مكاسب سياسية، وليس ذلك فقط، ولكن لفت انتباهي تصريح لوزير الصحة الاسرائيلي، بأن إسرائيل تملك احتياطياً من الجرعات لتطعيم من اصيب بفيروس كورونا وتم شفاؤه.
والوضع كذلك ينطبق على دول اخرى، ومنها الاردن على سبيل المثال، حيث وحسب المسؤولين هناك تم تطعيم حوالي 70 الف مواطن، ويتم يومياً تطعيم حوالي 5 آلاف شخص، ونحن ما زلنا نتخبط، وندور في دوامة التصريحات، والقاء اللوم هنا وهناك، أو على هذه الشركة أو تلك، ونوصي بالاغلاق الشامل وغيره من الاجراءات والتذكير أننا حصلنا على 10 آلاف جرعة من اللقاح الروسي على شكل تبرعات، حيث من الواضح أن هناك عزوفاً عند الناس وبغض النظر عن الاسباب من أخذها أو من الاقبال عليها.
ومع مواصلة العالم التشبث ببرامج التطعيم ضد فيروس كورونا، فإنه من الواضح أنه من خلال استخدام تقنيات مختلفة في انتاج اللقاح، وبالاخص تقنيات ما بات يعرف بالحامض النووي الجزيئي، وهذا ما استخدمته شركتا فايزر وموديرنا، أصبحت هذه الشركات تملك الثقة على الاقل في الوقت الحاضر، من أجل القيام بتعديلات بسيطة وإجراء اختبارات سريعة، من أجل إثبات نجاعة اللقاح ضد الطفرات المتحورة من فيروس كورونا، على الاقل في شكلها الحالي، حيث لا أحد يعلم كيف سوف يتحور الفيروس في المستقبل من أجل أن يقاوم اللقاحات، وهذا النجاح الآني يعطي برامج التطعيم ضد فيروس كورونا الأهمية الكبرى بل الأولوية في محاولات الدول المتواصلة للخروج من تداعيات هذه الجائحة.
وبغض النظر عن أسباب فشلنا حتى الآن في الحصول على اللقاح وبالتالي البدء ببرنامج تطعيم مؤثر وفاعل، فيجب تركيز الجهود على ذلك، أي الحصول على اللقاحات بشتى الطرق وحتى لو كان بأعلى الاسعار، لأن آثار الفيروس وخيمة، سواء على الاقتصاد أو على الصحة أو على العلاقات الاجتماعية وغيرها، خاصة واننا نشهد موجة جديدة من انتشار الفيروس في بلادنا هذه الأيام، والتي حسب تصريحات وزيرة الصحة وغيرها من المسؤولين هي الأخطر من موجات الانتشار حتى الآن.
هذا مع التأكيد على أهمية الإجراءات الوقائية من كمامات ومن تباعد اجتماعي وما الى ذلك، فإن البدء ببرنامج تطعيم فعال وممنهج ويهدف الى رسم خريطة طريق ولو بعيدة المدى للخروج من جائحة كورونا، يتطلب تضافر كافة الجهود وبالأخص من أعلى المستويات من الجانب السياسي، وتسخير الإمكانيات المادية كأولوية، واستخدام العلاقات وما الى ذلك من كل ما نملك من طاقات وتأثير من أجل الحصول على اللقاحات بشكل يسمح ببدء برامج تطعيم فعالة وقوية.