حتى نحقق أهدافنا في الحرية والاستقلال والعودة

حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

بداية، وفي الوقت الذي تشير فيه كافة المؤشرات إلى أن ساحتنا الفلسطينية ماضية قدماً نحو تطبيق اتفاق القاهرة وإجراء الانتخابات وفق المرسوم الذي أصدره الأخ الرئيس محمود عباس، في خطوة مهمة نحو إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لا بد من الإشادة بالمرسوم الجديد الذي أصدره الأخ الرئيس لتعزيز الحريات العامة تجسيدا لإيمان شعبنا وقيادته بالديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتأكيدا من الأخ الرئيس على حرصه على توفير الأجواء المناسبة لدعم العملية الديمقراطية ودفع جهود الوحدة إلى الأمام.

ووسط مؤشرات التفاؤل بالتطورات الأخيرة في الساحة الفلسطينية وفي الوقت الذي يواجه فيه الكل الوطني تحديات جسيمة خاصة ما يرتكبه الاحتلال من مواصلة تنفيذ مخططاته في سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المزيد من المستعمرات وممارسة التطهير العرقي والهدم لتجمعات فلسطينية واستمراره بتنفيذ مخططات تهويد القدس وحصار غزة والتحريض السافر ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وقضيته، وسط صمت أميركي أوروبي، وفيما يتواصل الصمود الفلسطيني ويتواصل تمسك القيادة بثوابت شعبنا الوطنية وحقوقه، فإن السؤال الذي يطل مجددا هو: ما العمل؟ وكيف نعيد قضيتنا مجددا إلى مقدمة جدول الأعمال الدولي؟ وكيف سنتصدى في المرحلة المقبلة لهذا الضم الإسرائيلي الزاحف للأراضي الفلسطينية؟ وكيف نُسمع العالم أجمع ذلك الصوت الفلسطيني الواحد المعبر عن إرادة شعبنا وقيادته وكافة قواه وإصراره على انتزاع حريته واستقلاله وعودة لاجئيه؟

حسنا فعلت السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الأخ الرئيس محمود عباس بالتأكيد مرارا وفي كافة المحافل على ثوابتنا الوطنية ورؤيتنا لحل القضية وحسنا فعلت بإبلاغ الادارة الامريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن بان منظمة التحرير الفلسطينية متمسكة بتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك القرار ٢٤٢ للعام ١٩٦٧م وتأكيده بالقرار ٣٣٨، وهو ما يعني ضرورة انسحاب الاحتلال من جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة، بالرغم من التفسير البريطاني بقيادة اللورد كارادون والذي يقول انسحاب من اراض محتلة وليس كما ورد بالتفسير الفرنسي بدعم باكستان والذي يقول من جميع الاراضي المحتلة كما اكده القرار ٣٣٨، وعودة اللاجئين الى ديارهم، والغاء جميع قرارات الكنيست الاسرائيلي للعام ١٩٥٠م الخاصة بمصادرة املاك اللاجئين -"الغائبين"- ، لأننا لم نكن يوما غائبين عن وطننا الأصلي فلسطين.

ربما يعتقد البعض ان إدارة الرئيس بايدن من الممكن ان تقتنع بتنفيذ القرارات الدولية، التي وقعت عليها امريكا واسرائيل، الا ان هذا مجرد خيال، واكبر دليل على ذلك تلكؤ هذه الإدارة في تنفيذ ما وعد به بايدن، وخصوصا إعادة فتح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية المحتلة. كما لم يصدر اي بيان جدي بان المستعمرات غير شرعية، وخصوصا المستعمرات داخل القدس الشرقية، عدا عن اعلان الإدارة الأميركية انها لن تعيد السفارة الأميركية إلى تل أبيب ولن تلغي قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتأكيدالتزامها بأمن إسرائيل ودعمها لها وضمان تفوقها العسكري النوعي في المنطقة.

وبالطبع فإن ذلك لا يعني عدم خوض حوار جاد مع هذه الإدارة حول القضية وثوابت حلها حلا عادلا وشاملا وذلك في إطار النضال السياسي والدبلوماسي الذي تخوضه القيادة الفلسطينية في كافة المحافل الدولية ومع كل القوى.

ولكن هذا وحده مع أهميته لا يكفي، وبكل بساطة فإننا ومنذ اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ ونحن في مفاوضات مع العدو دون اي نتيجة جوهرية حتى الآن فيما يتعلق بقضايا الحل الدائم. صحيح أننا حققنا انجازات سياسية ودبلوماسية مهمة واصبحت الغالبية الساحقة من المجتمع الدولي مع فلسطين وتعترف بحقنا في الحرية والاستقلال الا ان النتائج على الأرض تسير باتجاه آخر مع هذا التعنت والتطرف الإسرائيلي والموقف الأميركي المنحاز والصمت الأوروبي.

وصحيح ان المفاوضات ممكنة في كل وقت ولكن اية مفاوضات؟ وأية اوراق قوة نمتلكها حتى نفرض على هذا الاحتلال الاستجابة لمطالبنا؟ خاصة وان التجربة تؤكد ان هذا الاحتلال لا يمكن ان يستمع لنا إلا اذا أحس بعوامل القوة لدينا، وهو ما حدث بعد الانتفاضة الأولى. كما ان العالم لن يستمع للصوت الفلسطيني طالما بقي خافتا بل يجب أن يشعر العالم بأن الفلسطينيين مصممين على التحرر من هذا العدو العنصري الذي ينكل بالشعب الفلسطيني وينهب ثرواته، وان هذا الشعب لن يصمت بعد على استمرار جرائم المستعمرين اليومية ضد المدنيين العزل ومزارعهم وممتلكاتهم وأنه قادر على الدفاع عن نفسه ووجوده ومستقبله.

ويدرك الجميع ان جرائم هذا الاحتلال ومستعمريه في الأراضي المحتلة متواصلة وتجري أمام العالم أجمع خاصة اميركا واوروبا وحتى روسيا والصين، دون تحرك جدي لوقف هذه المأساة. كما يدرك الجميع ان البيانات التي تصدرها بعض العواصم لم تردع هذا العدو، وهو ما ينطبق ايضا على بيانات الشجب والاستنكار التي نصدرها في ساحتنا الفلسطينية.

لذلك نقول ان الرد الحقيقي على ذلك وحتى نخرج من هذه الدوامة المأساوية يوجد بأيدي شعبنا وقيادته وقواه كافة. فإلى جانب بشائر الانتخابات والوحدة والنضال السياسي والدبلوماسي لا مناص من اللجوء إلى كل ما تتيحه الشرعية الدولية لأي شعب خاضع لاحتلال غير مشروع من مقاومة شعبية عبر انتفاضة عارمة تشارك فيها كل فئات شعبنا وقواه حتى يدرك هذا الاحتلال ومستعمروه ان الدم الفلسطيني ليس رخيصا وأن الأرض الفلسطينية ليست مشاعا مستباحا وأن هناك ثمن للاحتلال غير الشرعي ولمصادرة حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ولا يعقل ان تتواصل جرائم المستعمرين وانتهاكات الاحتلال الجسيمة دون رد فلسطيني فاعل باشكاله السياسية والدبلوماسية والمقاومة الشعبية.

شعبنا ليس داعية حروب او سفك دماء بل ان من حقه الدفاع عن وجوده وعن ارضه وعن حقه في الحرية والاستقلال وهو لم يأت من المريخ ولم يحتل اراضي الغير، بل ان ابناء شعبنا هم اصحاب البلاد الأصليين، مقابل الاشكنازي الذين اتانا من شمال اوروبا بحجة المحارق النازية التي لا شأن لنا بها حتى ندفع ثمنها، ورغم ذلك استنكرنا ولا زلنا تلك الجريمة التي ارتكبها النازي.

ولذلك نقول لكل قوانا الوطنية ان المرحلة حرجة ودقيقة والخطر وجودي واستبشارنا باتفاق القاهرة وبالانتخابات ما هو الا استبشار وتفاؤل باتفاق على برنامج نضالي للتحرر من هذا الاحتلال، ولذا يجب ان تضع كافة القوى نصب أعينها هذا الهدف، وما الانتخابات والبرامج واشكال الوحدة سوى أساليب لتحقيق الهدف المركزي، وشعبنا الذي يكتوي بنيران الاحتلال ومستعمريه قادر على التمييز بين الغث والسمين، بين الشعارات البراقة دون رصيد وبين أولئك الأوفياء لتضحيات شعبنا من قوافل الشهداء والجرحى والأسرى، وها هي صناديق الاقتراع أمامنا وكلمة شعبنا ستكون الحكم بشأن الطريق الذي يريده شعبنا لتحقيق اهدافه الوطنية.

لقد صبر شعبنا كثيرا على ممارسات المحتل، وايضا صبر حتى يأتي اليوم الذي ينتهي فيه هذا الانفصال المدمر لقضيتنا الوطنية، وصبر لاجئونا في كل بقاع الشتات واليوم ينتظر الجميع آليات وبرامج عمل تختلف جوهريا عما سبق وكفيلة بأن توصلنا إلى بر الأمان، ولم يعد هناك مجال للتلكؤ او الدخول مجددا في دوامات الانقسام فالمخاطر جسيمة والتهديد يشمل الكل الوطني.

وباختصار لقد قبلنا بالقرارات الدولية وهي انسحاب المحتل من جميع الاراضي التي احتلت في العام ١٩٦٧م وعودة اللاجئين الى ديارهم، وهو ما تخاذل المجتمع الدولي عن تحقيقه حتى اليوم، وهذا لن يتم تحقيقه الا بوحدة قوانا وبوحدة شعبنا ومواصلة نضاله المشروع حتى التحرير والعودة.... وبهذه الوحدة وهذا الإصرار وهذا الالتفاف حول قيادة شعبنا برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس، الذي قام بكل جهد ممكن لتتحقق المصالحة الوطنية وتتجسد الوحدة على أساس ثوابتنا الوطنية وحقنا الطبيعي في الحرية والاستقلال وبالاعتماد على صمود وعطاء وإرادة شعبنا ومقاومته الشعبية العارمة المشروعة لا بد ان نصل إلى فلسطيننا الحرة المستقلة ذات السيادة... والله المستعان.