لـمــاذا تـفــجّـرت الانـتـفـاضـــة؟

sport_1444042178
حجم الخط

قيل كلام كثير عن الاحداث الاخيرة في دولة اسرائيل، والسؤال اذا كانت هذه انتفاضة أم لا أصبح غير ذي صلة تماما. فقد قال رئيس شعبة الاستخبارات، اللواء هيرتسي هليفي، هذا الاسبوع، في استعراضه ان موجة "الارهاب" اندلعت نتيجة لاحباط المواطنين الفلسطينيين من شروط حياتهم ومن انعدام التقدم والتحسن في وضعهم. هذا القول صحيح، ولكنه جزئي فقط. فالوضع الحالي نشأ بسبب أربعة اسباب لا تزال قائمة وتواصل اشعال الدوافع لتنفيذ "الارهاب".
السبب الاول هو غياب مسيرة سياسية أو اتصالات مع السلطة الفلسطينية على تسوية ما. صحيح أنه في الطرف الفلسطيني ايضا لا يوجد من يمكن الحديث معه اليوم بسبب انعدام اداء ابو مازن وتركيزه على التحريض، نشر الاكاذيب، والتوجه الى المؤسسات الدولية؛ ولكننا ملزمون بان نتحمل المسؤولية عن الوضع، دون ان ننتظر خطوات يقوم بها الفلسطينيون.
السبب الثاني للوضع الحالي هو انعدام استراتيجية اسرائيلية لمعالجة الفلسطينيين وبشكل عام. فليس فقط لا توجد مبادرة سياسية، بل لا توجد ايضا خطة بعيدة المدى لشكل التصدي لـ "الارهاب" الفلسطيني، لادارة شؤون الحياة الفلسطينية، لـ "حماس" في قطاع غزة وللحركة الإسلامية داخل إسرائيل. مبدأ حكومة اسرائيل هو اطفاء الحرائق المحلية على أمل منع الانفجار الكبير. هكذا هو الحال على مدى السنين.
السبب الثالث هو انعدام كل مبادرة اسرائيلية. وهو ينبع من انعدام الاستراتيجية، والنتيجة هي أن دولة اسرائيل ترد دوما، وأبدا لا تبادر باي خطوة – لا سياسية، لا عسكرية، لا استخبارية، لا دولية. وليس هذا فقط، بل ان رد اسرائيل هو دوما مضبوط، محسوب، مكيف مع الضرر ومناسب للتوقعات العالمية. أما الطرف المقابل فقد تعلم كيف يقدر بالضبط أي رد عليه ان يتوقعه بعد كل خطوة يتخذها.
من السبب الثالث – انعدام المبادرة – ينبع السبب الاخير وهو انعدام الردع. لقد فقدنا الردع تماما. هذا يبدأ في كل حملات الجيش الاسرائيلي حيال قطاع غزة، والتي جاءت دوما كرد، وكانت محسوبة ومضبوطة، وانتهت دون حسم ساحق؛ وهذا يتواصل في الخطوات والردود العسكرية في "يهودا" و"السامرة"، في الردود الضعيفة وفي غياب العقاب حيال المشاغبين في القدس في السنوات الاخيرة، في غياب كل فعل حيال الحركة الاسلامية في اسرائيل، في التعليمات المقيدة لفتح النار في "المناطق"، وبالاساس في الاعتذار الذي لا يتوقف عما نفعله للدفاع عن حياتنا وعن وجودنا هنا. كل هذا مس دراماتيكيا بقدرة الردع الاسرائيلية. فالفلسطينيون يعرفون بان الجيش الاسرائيلي عظيم، قوي وفظيع، ولكنهم يعرفون ايضا بانه مكبل.
والنتيجة المحتمة هي انفجار ينبع من كل الأسباب الطيبة: الاحباط، اليأس، الكراهية، التحريض، التعليم ضد الاحتلال، التطرف الديني، التطلعات الوطنية وغيرها. السبب ليس ذا صلة، النتيجة هي المقررة. معظم عمليات "الارهاب" التي نفذت في الاسابيع الاخيرة قام بها افراد، عمليات محلية وغير مخططة ولا تعتمد على شبكات "ارهاب" وعلى تعليمات قيادات تنظيمية.
عملية تجر عملية. هذه ظاهرة معروفة وتكرر نفسها كل مرة من جديد. الخلفية موجودة منذ الآن، الدافع موجود، الواقع لا يتغير. وهكذا عملية واحدة ناجحة تشجع على الفور الآخرين على تجربة حظهم هم أيضا. معظمهم شباب عديمو الاحترام والمكانة، ضحايا محيطهم أو عائلاتهم، ينتجون لأنفسهم بحركة سكين وغرسها في يهودي مكانة ابطال في الأمة الفلسطينية.
إذا قتل "المخرب" فسيكون الى الأبد شهيدا مقدرا، وعائلته تعوض بمئات آلاف الدنانير من السلطة الفلسطينية. أما إذا اعتقل فقط، فسينال المجد العالمي، مخصصا شهريا محترما من إسرائيل ومن السلطة الفلسطينية على حد سواء وتعليما شاملا في السجن الإسرائيلي.
ما بدأ كانفجار للاحباط واليأس للافراد اصبح وباء منتشرا لـ "البرابرة المتطرفين"، الذين يتغذون على تحريض لا يتوقف من الزعامة الفلسطينية الدينية والعلمانية على حد سواء، والتي تتلقى تشجيعا من افلام الدعاية لـ "حماس" و"داعش" والتي تبث بلا انقطاع في التلفاز وفي الشبكات الاجتماعية. وفجأة توجد شرعية لكل فلسطيني ليأخذ سكينا ويطعن يهوديا. فالرئيس ابو مازن نفسه قال: "نحن قريبون من النصر". إذاً، فبعض عمليات القتل الاخرى لا بد ستقرب الحل.

*  *  *
لا يوجد حل سحري لوقف عمليات الافراد غير المخطط له. من أجل الكفاح الناجع ضد هذه الظاهرة من جهة ومحاولة تقليلها من جهة اخرى، على دولة اسرائيل أن تتخذ عدة خطوات.
زيادة الردع بشكل فوري. ردود قاسية وشديدة في مواجهة المخلين بالنظام، راشقي الحجارة، ملقي الزجاجات الحارقة، الطاعنين والداهسين. تشديد العقاب بشكل دراماتيكي من خلال تغييرات تشريعية لازمة تسمح بالمعالجة بقبضة حديدية للتحريض وجريمة الشارع ايضا.
المبادرة إلى خطوة سياسية. خلق اجواء مصالحة واستعداد للحوار في ظل اتخاذ مبادرة حقيقية، بمرافقة دول غربية وعربية ذات نفوذ
تحديد أهداف استراتيجية شجاعة، بعيدة المدى وواضحة والاعلان عنها سواء حيال السلطة الفلسطينية أم حيال "حماس" أم حيال الحركة الاسلامية أم في موضوع القدس والحرم.

عن "معاريف"
*قائد سابق في "الشاباك".