الهبّة أو الانتفاضة، سمّوها ما شئتم، تقترب من شهرها الثالث، عدد الشهداء حتى، أمس، وصل إلى 78 شهيداً بينهم 17 طفلاً و3 سيدات، إضافة إلى 2379 مصاباً بالرصاص... ولكن على الرغم من فداحة هذه الأرقام، فإنها لا تأخذ انعكاساتها الإنسانية في محيطنا العربي أولاً، وفي العالم بشكل عام.
العالم ينظر ببله إلى ما يحدث في فلسطين وكأنه أمر طبيعي. وكأن هذا الدم لا معنى له... بل على العكس لاحظنا في بداية الهبة من يخرج من هذا العالم الأحادي النظرة، ليؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها... ولا نعرف كيف استوعب قادة الاحتلال هذه الرسالة... وقاموا بتصعيد إجرامهم، حتى أصبح القتل أمراً طبيعياً مستساغاً بل أصبح أمراً مطلوباً عند كثير من الإسرائيليين وعلى رأسهم المستوطنون المجرمون.
التصريحات الأميركية الأحادية في الأيام الأولى، لم تهدئ الأمر بل ربما زادت الأمر تعقيداً، لأن أيدي الاحتلال الملطخة بالدم الفلسطيني اليوم تستمد عدوانها من هذا الموقف الصامت أو المؤيد.
الصمت، أيضاً، سيد الموقف في الأمم المتحدة، التي يجب أن تدافع عن السلم، وحقوق الشعوب في التخلص من الاحتلال، ووقف الجرائم التي ترتكبها الدولة المحتلة... ولكن في حالتنا الفلسطينية الوضع مختلف تماماً... فالمنظمة الأممية أيضاً، وقفت في طابور الصامتين أو المغمضين عيونهم عما يدور في فلسطين، سوى من تصريحات خجولة للأمين العام، وزيارته «شبه البروتوكولية» التي لم تترك أثراً حتى بعد ساعات من انتهائها سوى شعارات فارغة دون مضمون.
وربما لو كان العدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في مكان آخر لعقد مجلس الأمن مجموعة من الجلسات وخاصة تحت البند السابع لأن هناك جرائم حرب ضد الإنسانية... في حالتنا يبدو أن إسرائيل ما زالت فوق القانون أو المحاكمة السياسية.. أو حتى الضغوط الحقيقية التي تساهم في الحد من الاعتداءات المنهجية والمتواصلة بحق الشعب الفلسطيني.
أما رد الفعل الأوروبي فهو تقريباً في خانة الصمت نفسها، ما عدا منظمات المجتمع الدولي التي تحاول أن ترفع صوتها دون جدوى.
ولعلّ أوروبا منشغلة بمشاكلها الداخلية وعلى رأسها قضية اللاجئين... علماً أن ترك الأمور تتدهور في دول المنطقة هو الذي أدى إلى تدفق اللاجئين هرباً من القتل الممنهج الذي يستهدفهم.
ولكن اللافت للنظر، هو الموقف العربي على الصعيدين الرسمي والشعبي... وهو موقف غير معهود بالمطلق على مدى العقود الماضية... عندما كانت القضية الفلسطينية هي ضمير العالم العربي... وقضيته الأولى... ولكن يبدو أن الشعارات المطروحة لم تتوافق هذه المرة مع الحقائق على الأرض... .
فالنظام العربي الرسمي أصبح غير معني بالمطلق بالحديث عن مقاومة الشعب الفلسطيني، أو التأثير ولو من باب رفع العتب لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ولجمها، والمواقف العربية بمجملها ضعيفة جداً لم ترتق إلى الحد الأدنى المطلوب... بل إن الصمت أيضاً هو سيد الموقف في عالمنا العربي... حتى على المستوى الشعبي، لم نشاهد أي زخم للدعم أو التأثير لوقف الجرائم الإسرائيلية... وكأن هناك حالة مرضية تعاني منها الشعوب، أو كأنها مخدَّرة غير قادرة على الفعل، وغير قادرة على إدراك ما يدور حولها... .
حتى النخب العربية، ما عدا قلّة قليلة، ارتفع صوتها في الأيام الأولى ثم انضمت إلى فئة الصامتين.
في الجانب الإسرائيلي، الإجرام والتصريحات الوقحة والتحريض في أعلى مستوياته، بحيث أصبح القتل والإعدام ميزة للقاتل، والمجرم يكافأ على جرائمه.
الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن الجندي ابن التسع عشرة عاماً الذي قتل 3 فلسطينيين في أقل من أسبوع على مفترق التجمع الاستيطاني «غوش عتصيون» دلالة واضحة على تشجيع عمليات الاغتيال والتصفية لا لشيء سوى لأن الضحية فلسطيني يجب التخلص منه... وعلى الرغم من وجود كاميرات بينت في السابق أن حالات القتل هي عبارة عن إعدام مسبق... فإن سلطات الاحتلال والقادة الإسرائيليين والإعلام الإسرائيلي شجعوا هذا الإجرام.
هذا الجندي كان يجب ألا يفلت من العقاب كقاتل ومجرم، ولكن في الحالة الإسرائيلية يتم الافتخار به، وربما ترقيته قريباً.
التحريض الإسرائيلي مستمر بكافة الأشكال حتى بين الأطفال، حيث يتم تشجيعهم على قتل «العرب المخربين»، وهذا جزء من منظومة إسرائيلية لا بد من تعريتها... وربما للمرة الأولى نجحنا كفلسطينيين وكإعلام فلسطيني في توثيق حقيقي لجرائم القتل والإرهاب الإسرائيلية... وبالتالي لا بد من الاستفادة القانونية من هذا التوثيق وتشكيل رأي عام لعل وعسى أن تتغير لعبة القتل الإسرائيلية؟!.
حركة "فتح": صمت العالم بمثابة ضوء أخضر لحكومة نتنياهو
04 أكتوبر 2023