2015-11-09
تتساءل أوساط إسرائيلية، كثيرة ومتعددة، عن الأسباب الكامنة وراء اندفاع شبان فلسطينيين، ولدوا ونشؤوا في ظل الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، للقيام بعمليات الطعن والدهس، وهم يعرفون، بأن مصيرهم الموت! لا تتمكن مراكز الدراسات الإسرائيلية، من التوصل إلى حقائق قائمة، وفي المقدم منها، تداعيات الاحتلال الإسرائيلي، الذي طال أمده، ومحاولة تهويد الضفة الغربية، والقدس، عبر منهج مدروس، يرمي لإلغاء الفلسطيني، وتحويله إلى تابع، للإسرائيلي، محاولة إلغاء «الآخر» الفلسطيني، عبر العنف الأمني والعسكري، الذي تقوم به الأجهزة الإسرائيلية، أو عبر الاستيطان، وتشجيعه وحمايته ورعايته، من لدن السلطات الرسمية الإسرائيلية، يأتي عبر محاولات إلغاء الفلسطنة، أرضاً وتاريخاً وسكاناً وثقافة ومستقبلاً. صحيح أن الفئات العمرية، لشبان الانتفاضة الراهنة، هي ما بين 18 ـ 22، ومعظمهم من الطلبة وصغار الموظفين والعاطلين عن العمل. وصحيح أن تلك الفئات ولدت في ظل اتفاق أوسلو، وفي مناخات المفاوضات الماراثونية، التي لم تأت بأي شكل من أشكال الاستقلال الوطني، أو التمهيد لولادة بدايات استقلال، بل على النقيض من ذلك، فقد حملت تلك السنوات العجاف، ارتفاع وتيرة الاستيطان والمستوطنين، وجرت خطا جدية للغاية، لتهويد مدينة القدس، وجعلها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. في ظل ذلك، نشأ جيل فلسطيني، يشعر ويتحسّس، أبعاد المأزق الوجودي الفلسطيني. هنالك انسداد للآفاق، في العمل والحياة والهوية في آن. هنالك غياب لأي أفق مشرق. أذكر، بأنني كتبت مقالاً في «الأيام» على هامش إضرابات طلابية في جامعة بيرزيت، وقلت فيه، إن ما جرى لا يعبر عن إضراب مطلبي ـ نقابي، بقدر ما يعبر عن حالة احتقان، شبابي ـ طلابي، بات لا يرى أفقاً قادماً، وبأن حالة الانسداد تلك، عبر عنها الطلبة، بأحداث عنف، كخلع الأبواب، أو إغلاق الجامعة، عنوة وبالقوة، أو الاعتداء على العاملين فيها. من يدرس حالة الشباب الفلسطيني، خلال السنوات الماضية، يدرك، تمام الإدراك بأن مشاعر الشباب، ووعيهم وإدراكهم، باتت تتمحور حول انسداد الآفاق، ومحاولة الهروب من تلك الحالة بطرق شتى. الشباب يحاول أن يعمل وينجح، وأن يكوّن أسرة، تكون هانئة ومستقرة. حاول الإفادة من الزمن القادم، ليكرس ذاته ووجوده، باختصار أن يحيا ويعيش. ما هو قائم ميدانياً وعملياً، يجد الشاب نفسه، في وسط دوامة.. المشروع السياسي الفلسطيني، في المفاوضات والاستقلال ونيل الحرية والاستقلال، بأت يصطدم بجدار، تعبر عنه السلطة قبل غيرها... السفر من البلاد يحتاج إلى موافقات إسرائيلية... فرص العمل محدودة للغاية وهي فرص غير مجزية... الأطر السياسية والنقابية القائمة، لا تتسع لا لحجوم الشباب، ولا لأحلامهم وطموحاتهم. العدو يجثم على كل شيء، وهو موجود في كل الأشياء، يفرض نفسه بشتى الوسائل، وفي المقدم منها القوة والعنف. إزاء نفي الآخر ـ الفلسطيني، نشأت فكرة نفي الآخر الإسرائيلي، ولو جاء ذلك عبر دهسه أو قتله بالسكين، على الأغلب أن عملية النفي تلك، ستؤدي إلى إلغاء ـ قتل ـ الفاعل، وهنا تكتمل دورة النفي، ونفي النفي. من الصعب على مراكز البحث الإسرائيلية، الوصول إلى تلك الحقيقة.