الـقـنـبـلـة الإيـرانـيـة: فـشـل إسـرائـيـل الأكـبـر مـنـذ قـيـامـهـا!

حجم الخط

بقلم: ايهود اولمرت

 

 


في أعقاب الانتخابات، العام 2009، في مرحلة مبكرة من ولايته الثانية، قرر بنيامين نتنياهو أن يضع على رأس سلم أولويات حكومته الصراع ضد خطر تحول إيران الى قوة عظمى نووية. اعتقد نتنياهو بأن عليه أن يحدد أهداف الصراع لإسرائيل وللأسرة الدولية كلها أيضاً، ولكن خطواته أدت الى فشل تام. الفشل السياسي – الأمني الأكبر والأكثر إيلاماً لإسرائيل منذ قيامها.
منذ سنوات غير قليلة تعرف محافل الاستخبارات في إسرائيل وفي العالم بأنه كانت لإيران بالفعل نوايا للحصول على قدرة نووية وانتاج قنبلة ذرية. بل انها بدأت بتطوير صواريخ تسمح لها بالوصول الى مطارح بعيدة، بما في ذلك كل الاهداف الاستراتيجية الممكنة في إسرائيل. وكانت السياسة الإسرائيلية واستعدادها للصراع تقوم على اساس هذه الفرضية وبموجبها.
في تلك السنين عملت إسرائيل ضد إيران في ارجاء العالم بقيادة "الموساد"، وبتعاون كل محافل الأمن (وأولاً وقبل كل شيء شعبة الاستخبارات "أمان"، لجنة الطاقة الذرية، وزارة الخارجية، "الشاباك"، وباقي الجهات الرسمية). عن حجم هذا النشاط، مداه، ونتائجه لم يعرف شيء، ولكنه سيسجل في صفحات الذهب لدولة إسرائيل. اريك شارون وأنا بعده اعتقدنا أنه ينبغي العمل في جبهات مختلفة، في ظل اخذ مخاطر عديدة، ولكن دون الكشف عن اي من هذه الاعمال. اعتقدنا انه لا يوجد ما يدعونا الى أخذ مخاطر زائدة، وان الاحتمال الوحيد للنجاح في هذا الجهد الدولي المركب هو الحفاظ على ضبط النفس لأقصى حد ومواصلة قيادة الولايات المتحدة له.
في خطاب في مؤتمر هرتسيليا، في بداية العام 2007، شددت على أن إسرائيل ستعمل بكل القدرات والقوى التي لديها ضد التحول النووي الإيراني، ولكن الصراع على المستوى الدولي يجب أن تقوده الولايات المتحدة. كانت لي ثقة كاملة بقدرة وإرادة وتصميم الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش الابن، لقيادة المعركة.
في تلك السنين بدأت الساحة الدولية تفرض العقوبات الاقتصادية ضد إيران. وتشكلت قيادة خاصة في الولايات المتحدة بادارة نائب وزير المالية، ستيوارت ليفي، الذي عمل بالتعاون مع جسم خاص اقيم في إسرائيل للمس بحرية العمل الاقتصادية لإيران وتجارتها الدولية. واتخذ مجلس الأمن في الامم المتحدة قرارين بشأن العقوبات ضدها. وكانت الساحة الدولية ملتزمة بالعمل على صدها، وهكذا تصرفت.
الى أن جاء رئيس وزراء إسرائيلي قرر أن يحطم كل الأواني في محل الفخار الحساس هذا، وإملاء نموذج جديد للصراع، كان يفترض ان تكون ذروته تصفية عسكرية لكل القواعد في إيران التي اشتبه بها كمرتبطة في جهدها النووي. قرار نتنياهو لم يبقَ سراً ولم يُبحث في الغرف المغلقة فقط: فإمكانية الهجوم على إيران أصبحت موضوعاً علنياً مكشوفاً واستفزازياً، سُمعت أصداؤه من أقصى العالم وحتى أقصاه. ولا يزال الجميع يذكر العرض الساخر من على منصة الجمعية العمومية للامم المتحدة، حين استعان نتنياهو بالرسومات عن توسع القدرة النووية لطهران، في ظل تحديد الخط الاحمر الذي لا يكون عنده مفر غير العمل عسكرياً. وخشي افضل أصدقاء إسرائيل في العالم من إمكانية أن تبادر الى خطوة عسكرية مستقلة، تهز الشرق الأوسط كله.
ومنذ العام 2008، في اثناء زيارة الى البلاد، قال بوش لايهود باراك، وزير الدفاع في حينه، بحضوري، إنه لن يسمح لإسرائيل بأي حال مهاجمة إيران، وان الولايات المتحدة ستمنع عبور الطائرات الإسرائيلية فوق العراق. وتعهد بوش بأن يعمل بكل قوته ضد التحول النووي الإيراني، ولكنه اعتقد بان محاولة إسرائيل القفز الى الامام لتقوض كل الساحة الدولية هي محاولة مغلوطة، خطيرة ومن شأنها أن تكون هدامة.
أدار براك اوباما سياسة مشابهة، وكان ملتزماً تماماً بمنع كل محاولة إيرانية للدفع الى الأمام باحتمال التسلح النووي. وتبين في تلك السنين تماما انه منذ العام 2003 أوقفت إيران برنامج السلاح النووي لديها، وإن كانت واصلت تطوير قدرة لإطلاق الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، القادرة على أن تحمل سلاحاً نووياً ايضاً.
قررت حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو ان تعمل كل شيء كي تؤدي الى عملية عسكرية ضد إيران. فالتهديدات التي لا تتوقف وظهور نتنياهو المتواتر من فوق كل منصة في البلاد وفي العالم ساهمت في نهاية المطاف في بدء المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة وشركائها الاوروبيين، بما في ذلك روسيا، وبين إيران. وهكذا ولد الاتفاق النووي، الذي وقع في العام 2015، دون أن تكون إسرائيل شريكة في الخطوات والتأثير عليها.
لم يكن الاتفاق النووي لاوباما ليوقَّع لو لم يخلق نتنياهو خوفاً حقيقياً في أن إسرائيل تستعد لعملية عسكرية شاملة. واذا كان الاتفاق النووي سيئاً حقاً مثلما ادعى رئيس الوزراء فقد كانت له مساهمة حاسمة في أنه وقع. الكثيرون، وأنا بينهم، اعتقدنا بأن الاتفاق يعاني من مواضع ضعف غير قليلة، ولكن رغم علله، كان أفضل من انعدام الاتفاق. نتنياهو، بخلاف رأي الكثيرين، قرر تفعيل كل قوة إسرائيل السياسية في أميركا والتهديد بكل امكانياتنا العسكرية الكامنة كي يؤدي الى الغاء الاتفاق النووي.
أنهى اوباما ولايته. انتخب دونالد ترامب. وبعد وقت غير بعيد انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق. في اثناء تلك الفترة نفذت إسرائيل بضع حملات فاخرة تُعتبر درة التاج، كان من بينها اقتحام الارشيف النووي الإيراني في ضواحي طهران. وكشفت الحملات الإسرائيلية ما كان الكثيرون يعرفونه قبل ذلك: إيران أوفت بالتعهدات التي أخذتها على عاتقها في الاتفاق الذي قاده اوباما. وجاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق ليس فقط كي لا يحسن الوضع بل ادى الى تحسن دراماتيكي في نشاط إيران النووي وتقدمها الكبير نحو امكانية انتاج القنبلة. وذلك في ظل تفعيل أجهزة طرد مركزي متطورة لم تكن لديها في الماضي وزيادة كمية اليورانيوم المخصب.
من كان نائب رئيس "الموساد" وشغل منصب رئيس منظومة العمليات فيه (اسمه محظور نشره) قال مؤخراً بشكل صريح ان خطوات نتنياهو أدت الى فشل استراتيجي. كما شدد نائب رئيس "الموساد" على انه في هذا الشأن كانت ادارة المعركة السياسية فاشلة بشكل مطلق. مرة اخرى: يقول هذا من وقف على رأس تخطيط العمليات الإسرائيلية ضد إيران. لم يقلل من انجازات الحملات التي كانت رائعة، ولكن شرح بكلمات بسيطة: انتصرنا في المعركة، خسرنا الحرب.
من لا يزال بحاجة الى تفسير لماذا يزيد كل يوم آخر يتولى فيه نتنياهو رئاسة الوزراء المخاطر على امننا، يمكنه أن يعود ليقرأ ما قاله احد اشجع وألمع مقاتلي إسرائيل. وحتى اسمه لا يعرفه الجمهور، وهو ليس مرشحاً للكنيست، وهو ليس نشيطاً سياسياً، بل مجرد مواطن قلق كان في قلب المعركة الفاخرة، الشجاعة والجسورة لإسرائيل، ويقول ان النتيجة هي فشل استراتيجي.
ما الذي نحتاجه أكثر كي نبعد هذا الرجل الهستيري عن بلفور؟

 عن "معاريف"
*رئيس وزراء أسبق.