مــعــركــة جــويــة: نتـنـيـاهــو أمـر بإغــلاق السـماء بـين إسـرائيل والأردن!

حجم الخط

بقلم: بن كسبيت



بعد صمت طويل، استمر ساعات طويلة، قال مصدر أمني كبير، مساء أول من أمس: إنه «لحق بالعلاقات مع الأردن ضرر إستراتيجي هائل». المصدر الذي اطلع متأخراً على الأمر المتهور، الذي أصدره رئيس الوزراء لسلطة الطيران المدني بإغلاق السماء مع الأردن وخرق البند الأول في اتفاق السلام، أضاف: إنه «من الصعب أن نصف كيف سيكون ممكناً أن نرمم في المستقبل المنظور الثقة بيننا وبين القصر في عمّان».
وحسب مصادر سياسية مخولة، فإن الحديث الأخير بين الملك عبد الله ونتنياهو جرى قبل نحو سنتين. ومنذئذ، أخذت العلاقات في البرود، والجمود، حتى كانت الذروة، الخميس الماضي.
حتى ساعات متأخرة من بعد ظهر أول من أمس، لم يكن الجيش الإسرائيلي يعلم بعد أن رئيس وزراء إسرائيل أمر «بإغلاق السماء» بين إسرائيل والأردن، في ظل خرق فظ لاتفاق السلام، دون إجراء أي مشاورات مع الجهات المهنية، الجيش، وزارة الدفاع، أو وزارة الخارجية.
كلي أمل أن تبدي شعبة الاستخبارات العسكرية قدرات محسنة أكثر في المسألة الإيرانية. وحقيقة أن الخطوة أوقفت بعد ساعتين من وصول الأمر المتهور (مهمة الرسول اختير لها مدير عام وزارة المواصلات، بعد أن فهمت وزيرته أيضاً، ميري ريغيف، قابلية الوضع للتفجر) وصل إلى علم قادة الجيش فقط بعد أن تفضل هؤلاء برفع عدة مكالمات هاتفية للمكاتب المناسبة.
مهما يكن من أمر، فقد جاء بيان وزير الدفاع، بيني غانتس، أول من أمس، بتأخير في الساعة الثامنة مساء فقط: «نتنياهو تحركه مصالح سياسية – شخصية ويمس بالأمن القومي لإسرائيل»، غرد غانتس، «أعماله بخلاف الاتفاقات السياسية، ومحاولته تجاوز جهاز الأمن ومنظومة السلك الدبلوماسي تضعضع كل منظومة اتخاذ القرارات السليمة في الدولة».
وتضاف قضية أمر إغلاق السماء بين إسرائيل والأردن إلى إلغاء رحلة وزير الخارجية، غابي أشكنازي، إلى احتفال افتتاح الممثلية الدبلوماسية في الإمارات والذي يعود هو أيضاً لنتنياهو. في الوقت ذاته يواصل عرقلة التعيينات العاجلة في خدمة الدولة رغم قرار محكمة العدل العليا. فبعد أسبوع من الانتخابات تنتهي أيضاً ولاية بيني غانتس كقائم بأعمال وزير العدل، وستكون إسرائيل من دون وزير عدل نافذ. كل هذا لا يحرك لنتنياهو ساكناً. يعطي الانطباع بأنه يستمتع بالفوضى. يفكر غانتس الآن بكتاب إلى المستشار القانوني يطلب منه فيه أن يقرر بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يدخل في حالة عجز.
قصة أمر إغلاق السماء بين إسرائيل والأردن تبدو وكأنها مأخوذة من مشهد من مسلسل «بوليشوك»: فقد جاء البلاغ الإلكتروني، الخميس الماضي في الساعة 12:13. وكان أرسله مدير عام وزارة المواصلات، عوفر ملكا، إلى يوئيل بلداشو، مدير سلطة الطيران المدني. الموضوع: «بلاغ لسلطة الطيران الأردنية عن حظر عبور الرحلات التجارية الجوية في المجال الجوي الإسرائيلي ابتداء من اليوم في الساعة 13:00».
وكان نص البلاغ الإلكتروني كالتالي: «يوئيل سلاماً، عطفاً على المكالمة الهاتفية بيننا، بودي أن أنقل لك تعليمات الوزيرة في ضوء تعليمات رئيس الوزراء، الذين وجه تعليماته بأن تبلغ سلطة الطيران المدني سلطة الطيران الجوي الأردني بأنه حل حظر عبور فوق المجال الجوي الإسرائيلي للرحلات الجوية المدنية من الأردن، وذلك ابتداء من اليوم في الساعة 13:00 وحتى إشعار آخر». مسؤولون كبار كثيرون اطلعوا في الزمن الحقيقي وبأثر رجعي على هذا الأمر، يصفونه بـ «فقدان التوازن». «خسوف» أو «طيش مطلق». فإغلاق السماء بين إسرائيل والأردن ببلاغ مسبق من 45 دقيقة هو خرق فظ لاتفاق السلام. فقصة السماء المفتوحة بين الدولتين كانت واحدة من الأمور التأسيسية في اتفاق السلام بينهما. فضلاً عن أن هذا الأمر ينطوي على خرق لعدد لا يحصى من اتفاقات الطيران مع دول أخرى من شأنها أن تتضرر: طائرات أميركية وأوروبية تجتاز المجال الجوي آنف الذكر بالمئات كل يوم.
توصف هذه الخطوة كـ «منفلتة وقرصنة» وهي غير مسبوقة: حتى دول معادية أكثر بكثير من إسرائيل والأردن لا تبلغ الواحدة الأخرى بإغلاق السماء بأمر بعد ثلاثة أرباع الساعة.
نزل هذا الأمر من مكتب رئيس الوزراء لوزيرة المواصلات، ميري ريغيف، التي أوقعت حبة البطاطا النووية على المدير العام البائس لديها، عوفر ملكا. والرسالة الإلكترونية التي بعث بها ملكا إلى بلديشو لم تكن الأمر الأصلي، فقد جاء هذا في مكالمة هاتفية جرت قبل نحو 45 دقيقة بين ملكا ورئيس سلطة المطارات، يعقوب غانوت، وبلديشو نفسه.
لم يعرف مسؤولو سلطة المطارات وسلطة الطيران المدني ما يفعلونه. فقرروا اللعب على الزمن. في البداية، طلبوا الأمر خطياً. عندما تلقوا الرسالة الإلكترونية، بدؤوا يقصفون مكتب وزيرة المواصلات بأسئلة مهنية: ماذا عن الطائرات التي كانت قد أقلعت؟ ماذا عن الطائرات التي توجد في الجو؟ هل يدور الحديث فقط عن طائرات تقلع من الأردن أم أيضاً رحلات جوية تجتاز عبر الأردن؟ ماذا عن الطائرات الأميركية؟ وهلمجرا.
وقد أثبتت الطريقة نفسها. في هذه الأثناء تقرر التشكيك بهذا الأمر. اتصل بلديشو بسكرتير الحكومة، تساحي بريفرمان، وشرح له المعاني المجنونة لإغلاق السماء بين إسرائيل والأردن. وحسب مسؤولين اطلعوا على مضمون هذا الحديث، قال بريفرمان لبلديشو: «فهمت، دعني أفحص». فحص وعاد بعد بضع دقائق مع أمر بسيط: رئيس الوزراء يصر على إغلاق السماء. نفذوا الأمر.
«قبل بضع دقائق من دخول أمر إغلاق السماء حيز التنفيذ، جاءت المكالمة الهاتفية الإنقاذية من وزارة المواصلات مع أمر بإلغاء كل شيء»، روى لـ «معاريف» مسؤول كبير اطلع على تفاصيل الحدث: «كان هذا في اللحظة الأخيرة حقاً. أنت لا تفهم أي ضرر دولي كان سيلحق بإسرائيل لو كان هذا الأمر نفذ في الميدان».
ضحك القدر: الأردنيون لم يغلقوا السماء مع إسرائيل على الإطلاق، بل لم يضعوا المصاعب أمام خطة الطيران لرئيس الوزراء فوق أراضيهم للقاء كان يفترض أن يعقد في أبو ظبي. فقد فعلوا شيئاً آخر تماماً: أخروا الطائرة التي بعثت بها الإمارات كي تنقل نتنياهو. هبطت الطائرة في عمّان، انتظرت هناك، وعندها قرر الأردنيون ألا يقروا إقلاعها إلى إسرائيل.
الإماراتيون، الذين اتصل بهم مسؤولو سلطة المطارات كي يستوضحوا لماذا لم تقلع الطائرة لإسرائيل، لم يكشفوا المشكلة الحقيقية ولم «يحرقوا» الأردنيين. قالوا: إن الإقلاع يتأخر بسبب «مشاكل فنية». في مرحلة معينة فهم نتنياهو على ما يبدو أن هذه مناورة من الأردنيين. وكانت المشكلة أنه قرر الرد دون أي توازن. المشكلة الأخرى هي انه اتخذ قراراً ذا معانٍ هائلة دون أن يعقد الكابينيت، أن يتشاور مع وزير الدفاع أو وزير الخارجية أو أي جهة مهنية. لو كان تشاور مع مسؤولي سلطة المطارات أو سلطة الطيران المدني لكانوا شرحوا له كم هو رد فعله عابث إن لم يكن سائباً.
في نهاية المطاف فهم نتنياهو بقواه الذاتية أن عليه أن ينزل بسرعة عن الشجرة. من اللحظة التي وصل فيها الأمر إلى السلطة وحتى اللحظة التي ألغي فيها مرت فترة زمنية من ساعة ونصف الساعة حتى ساعتين. كل الأشخاص الذين تحدثت معهم وكانوا مشاركين في الدراما الهائلة هذه يصعب عليهم أن يصدقوا أنها حصلت بالفعل. ولكنها حصلت. في هذه الحالة، صحا من صحا في الدقيقة التسعين. في المرة التالية لا يمكن أن نعرف.
لم يصلنا من مكتب رئيس الوزراء رد حتى موعد إغلاق العدد.

عن «معاريف»