حكومة بدعم «راعم»: مجال عمل إسرائيل فـي مــواجــهــة «حــمــاس».. سـيـتــقـلّــص

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 


في الملحمة الحزينة وغير المنتهية، التي دخلت إليها إسرائيل بسبب هرب رئيس الوزراء من رعب القانون، تم دمج درجة من السخرية على الاقل. أول من أمس بعد أن تبين أن جولة الانتخابات الرابعة انتهت دون حسم واضح، تم اختراق حاجز آخر سخيف. بعد ست سنوات من خطاب "العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع" وثلاث سنوات بعد أن قادوا إلى سن قانون القومية العنصري، بدأ بنيامين نتنياهو و"الليكود" بمغازلة متحمسة لقائمة "راعم"، برئاسة منصور عباس. جوقة الأبواق، التي حتى قبل لحظة قالت إنه من المحظور على أي حكومة في إسرائيل الاعتماد على اصوات اعضاء الكنيست العرب، انتقلت للحديث عن فضائل التعايش.
في الوقت الحالي، وإلى حين فرز الاصوات في المغلفات المزدوجة، فإن أمل نتنياهو في تشكيل الحكومة القادمة يستند بالاساس إلى ممثلي الجناح الجنوبي للحركة الاسلامية في إسرائيل في الكنيست. ولكنّ منصور عباس وأصدقاءه هم اكثر من ذلك. فهم أيضا ممثلو حركة "الإخوان المسلمين" الاقليمية. من الصعب تخيل عملية انضمام "راعم" لحكومة أو حتى دعمها من الخارج دون أن تكون هناك موافقة على ذلك، على الاقل بالصمت، من اخواتها الحركات الاسلامية في منطقة الشرق الاوسط. وتشمل هذه الحركات ايضا "حماس" في قطاع غزة، التي حسب دلائل كثيرة معنية بالتوصل الى تسوية بعيدة المدى مع إسرائيل في الجنوب.
اتفاق محتمل مع "راعم"، الذي قام نتنياهو ورجاله بنفيه قبل الانتخابات، يمكن أن تكون له تداعيات ايجابية على اندماج اجزاء من الجمهور العربي في المجتمع الإسرائيلي. ولكن يجب الفهم بأن هذا سيكون صفقة يمكن أن تقلص مجال عمل إسرائيل امام "حماس"، بالتأكيد في حالة اشتعال آخر في القطاع. من جهة اخرى، الصفقة يمكن ايضا أن تصعب على علاقات إسرائيل مع دول صديقة مثل مصر والسعودية والامارات، التي تعتبر حركة الاخوان المسلمين حركة عدوة وخطيرة.
ولم نتحدث بعد عن الصعوبة في تجنيد دعم منصور عباس لحكومة سيشارك فيها اعضاء من اليمين المتطرف مثل بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غبير. وباستثناء الخوف من المثليين والرغبة في اعادة النساء الى المطبخ فان هذين الحزبين لا يتشاركان في الكثير من المواقف الفكرية.
نتنياهو في الحقيقة سيكون عليه إظهار مرونة سياسية استثنائية من أجل أن يستكمل بنجاح هذه الخطوة.
من ناحية اخرى، الشخص الذي لم ينجح رغم تبجحه في الحصول على اغلبية واضحة للمرة الرابعة على التوالي، هو سياسي مجرب بدرجة لا تقدر مقارنة بخصومه، ولا توجد له أي كوابح، وبالاساس يئس من الحصول على طريقة تنقذه من استئناف محاكمته بعد اسبوعين تقريبا. يبدو أنه كالعادة، ما زال الوقت مبكراً لتأبينه.
كانت هذه الانتخابات غريبة جدا، ليس الايديولوجيا وليس الأمن أو حتى ازمة "كورونا" في مركزها.
ما كان هنا هو استفتاء رابع، انتهى كما يبدو دون حسم واضح حول مستقبل نتنياهو الشخصي.
الشلل الوطني يمكن أن يستمر بسبب الشخص الذي يرفض التنازل، ومستعد ليذهب الى جولة انتخابات خامسة وسادسة وعاشرة من اجل التهرب من المحاكمة. ما يحدث هنا ليس انقساما ايديولوجيا، بل عاصفة قبلية تتركز جميعها حول مصير رئيس الحكومة.
غابت عن جولة الانتخابات القضايا السياسية والامنية. وساهمت هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في أميركا في ذلك. لأن ادارة جو بايدن تنشغل في مواجهة "كورونا"، ولم تتفرغ بعد للقيام بخطوات واضحة في الشرق الأوسط. نية الرئيس المستقبلية في العودة الى المفاوضات حول الاتفاق النووي مع ايران لا تشغل الناخبين في إسرائيل. ايضا الهدوء المتواصل في "المناطق" وعلى الحدود ساعد على ازالة هذه المسائل عن جدول الاعمال. لم يكلف "الليكود" نفسه، هذه المرة، عناء بث أفلام قصيرة يظهر فيها مقاتلو "داعش" وهم يقودون سيارات الجيب بسرعة نحو القدس، بمجرد سقوط الحكومة في يد يئير لبيد أو بني غانتس أو في يد أي يساري خطير آخر.
مع ذلك، يبدو أنه في الخلفية يوجد خوف شديد من المشكلات الامنية أو غيرها من المشكلات التي يمكن أن نواجهها، ومن المفترض أن نتنياهو هو الوحيد الذي يمكنه الإجابة عليها. بالنسبة لمؤيديه ورغم لوائح الاتهام والتحريض والتقسيم، إلا أن نتنياهو ما زال هو المرشح المناسب لمسألة المكالمة الهاتفية في الثالثة فجرا، حتى بالمعنى القديم (مشكلات أمنية غير متوقعة)، وأيضا بالمعنى الاكثر حداثة (مكالمات هاتفية مع مدير عام فايزر من اجل المصادقة على ارسال التطعيمات). صحيح أنه من المفاجئ رؤية أن "كورونا" لم تغير أي شيء في علاقات القوى مقارنة مع الانتخابات السابقة، لكن ربما دون نجاح عملية التطعيم كان نتنياهو سيلاقي فشلا اكثر وضوحا في صناديق الاقتراع.
بالنسبة لي، نصف الجمهور الذي هو مستعد لغض الطرف عن اتهامات ثقيلة بشأن الرشوة والخراب الذي احدثه في كل اجهزة الحكم فان نتنياهو ما زال ينجح في تسويق صورة الحامي الاكبر، مثلما قال، إنه يرغب في أن يُذكر فيها في تاريخ إسرائيل. هذه ربما تكون حكمة قليلة، لأنه لم يتم منح أي مرشح آخر فرصة لأكثر من عقد. مع ذلك، من المدهش رؤية كيف أن الجمهور الذي يحترم القانون بدرجة كبيرة مستعد لشراء مزاعم نتنياهو الفضفاضة حول الظلم الذي يتم الزعم بأن نظام العدالة ارتكبه ضده.

سقوط الأقنعة
مرة واحدة اختفت الاقنعة من الاستوديوهات، أول من أمس. خلال اشهر جرت في الاستوديوهات مراسيم عبادة مختلفة. فيها رفع الاشخاص الذين يتم اجراء المقابلات معهم الاقنعة بطريقة خرقاء فور توجه مقدمة البرامج اليهم. أول أمس، قبل العينات، تم التخلي عن هذا الطقس، ومثله ايضا التعليمات بشأن منع الاكتظاظ.
حول الطاولات في القنوات تواجد عدد مضاعف من الاشخاص الذين أجريت معهم مقابلات مقارنة بيوم عادي. عندما تجادل ليئور شلاين وعضو الكنيست ميكي زوهر (الليكود) والعضو اورنا باربيباي (يوجد مستقبل) في ستوديو "اخبار 12"، جرى النقاش من مسافة قصيرة. بقي فقط للمشاهد أن يأمل بأن يكون الثلاثة قد تلقوا التطعيم.
"كورونا" تم نسيانها يوما واحدا، ومثلها ايضا التقارير الثابتة عن عدد المصابين وعدد الوفيات والتعليمات المتغيرة لوزارة الصحة. وسائل الاعلام ربما لا يمكنها الانتقال الى جدول الاعمال العادي حول استمرار الوباء حتى لو كان الوباء يتقلص الآن في إسرائيل. ولكن دفع هذا المرض الى نهاية نشرات الاخبار طرح مع ذلك سؤال اذا كان لا يزال هناك مكان لتغطية كثيفة يوميا، أو اذا كان يمكن تقليصها قليلا، وربما حتى بذلك تقليل مستوى خوف الجمهور الذي اذكته وسائل الاعلام والسلطات بشكل مستمر خلال السنة الماضية.
بفضل التطعيمات تقترب إسرائيل كما يبدو من مناعة القطيع، وانخفضت الاصابة طبقا لذلك. واذا استمرت الامور بهذا الشكل ولم تظهر سلالة منيعة فان المرض في طريقه الى أن يتحول هنا الى مرض عادي بدلا من أن يكون وباء. ما هي الحدود التي فيها سنتوقف عن فحص حجم الاصابة اليومي بخوف؟ بكلمات اخرى، اذا سقطت شجرة في قسم "كورونا" فارغ فهل سيسمع أحد صوتها؟.

عن "هآرتس"