انتخابات الكنيست: الوسط العربي يبعث رسالة إلى أحزاب الوسط - اليسار

حجم الخط

بقلم: جاكي خوري

 

 


الساحة السياسية في إسرائيل محتدمة. لأول مرة تتحدث العناوين عن حزب عربي يمكنه تتويج رئيس حكومة إسرائيل. أي تغيير تاريخي حدث هنا؟ إذا كان تعريف نفتالي بينت مع نهاية فرز الأصوات بأنه بيضة القبان، دخل الآن اسم إضافي: منصور عباس. نجم بلا منازع، ليس فقط بسبب صورته في «بلد العجائب». فجأة أصبحت مطالبه مهمة. هو يدرك ذلك، ويستمتع به.
مطالبه ليست بروتوكولاً. قانون القومية موجود بينها، والاحتلال أيضاً، لكن ليس في رأس القائمة. هناك مشكلات أكثر أهمية بالنسبة إليه وإلى ناخبيه. وهذه المشكلات ليست على المستوى السياسي، بل على المستوى المدني: محاربة العنف في المجتمع العربي، إصلاح التخطيط والبناء، الاهتمام بالصلاحيات القانونية للسلطات المحلية، ميزانيات واعتراف بقرى النقب. لكن كونه لا يلوّح بعلم فلسطين لا يسحر ناخبيه فقط، بل أيضاً يسحر شركاءه المحتملين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا قابل للتطبيق؟ هل دولة إسرائيل التي عاشت التحريض والانقسام في أيام بنيامين نتنياهو في العقد الأخير ترغب في التعاون مع العرب؟ ومع هؤلاء الذين لا يشكلون جزءاً من أحزاب صهيونية؟ الجواب: ثمة شك كبير في ذلك. وهذا لا يخطر بتاتاً على البال، ليس في واقع الحياة القائم حالياً. لكنّ هناك جواباً آخر يتعلق برئيس الحكومة الذي لا يزال يتولى منصبه، وبقاؤه السياسي في رأس أولوياته، والذي يعتبر أن كل الاتفاقات مشروعة.
لكن يخطئ مَن يعتقد أن منصور عباس يتطلع فقط إلى حكومة «ليكود». هو وأنصاره يقولون لمن يتحدث معهم: إنهم ليسوا سذجاً. هناك باب مفتوح على «الليكود»، وهناك باب مفتوح أيضاً على حزب «يوجد مستقبل»، أو لكل مَن يستمع بانتباه إلى مطالب القائمة، ومستعد للعمل على تنفيذها.
من بعض النواحي يبدو أن هذه الحالة أثارت إحساساً بالنشوة لدى المواطنين العرب، في الأساس لدى ناخبي «راعم». كأنهم لم يعرفوا هذا الشعور قبل أقل من سنة مع القائمة المشتركة التي نالت 15 مقعداً. لكن حزب «أزرق ــ أبيض» أنهى كل ذلك من دون أن تحصل القائمة المشتركة على شيء. اليوم يقولون: إن الوضع تغيّر. الآن وبعد أن تبنى نتنياهو العرب في الانتخابات، من المستحيل، أو على الأقل من الصعب نزع الشرعية عنهم.
ليس الجمهور العربي وحده يرى أن الثمار أصبحت ناضجة، أيضاً في اليسار - الوسط يشعرون بالحماسة. فجأة أصبح لديهم الشجاعة للقول: إن العرب هم شركاء شرعيون. كأنهم نسوا حكومة رابين التي اعتمدت على دعم الأحزاب العربية من خارج الحكومة. هذا التأييد بالإضافة إلى اتفاقات أوسلو والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أدى أيضاً إلى الاعتراف بعشرات البلدات العربية في الجليل. يومها هاجم اليمين الاعتماد على العرب واعتبره غير قانوني، ووقف اليسار موقفاً دفاعياً.
منذ ذلك الوقت تغيرت أشياء كثيرة، يقولون في اليسار: إن التطرف والكراهية والتمييز أوجدت إسرائيل أُخرى. شروط استهلالية مختلفة لشراكة تاريخية، العرب (مؤيدو «راعم») ليسوا تلقائياً «يساراً». وهم ليسوا مضطرين إلى مواجهة قضايا، مثل الاحتلال والمستوطنات. حتى وجود إيتمار بن غفير اختفى بين السطور، مَن ناقش عموماً شرعيته أو شرعية سموتريتش؟ هذا ليس مطروحاً على جدول العمل. السؤال أين سيكون عباس. ربما هذا ثمن يجب أن يُدفع كنوع من تعويض على السكوت. كل ذلك كي يصبح الخطاب العربي المدني جزءاً من الخطاب الإسرائيلي وليس عدواً له.
من هنا سيأتي الخلاص، توقعوا في اليسار تدفُّق المال والإمكانات بوفرة. ستأتي الميزانيات من الولايات المتحدة ومن أوروبا، وسيزدهر المزيد من منظمات المجتمع المدني، وستعمل على الشراكة من أجل الدفع قدماً بالمجتمع العربي. لقد حدث شيء مشابه لكن بطريقة مختلفة بعد أحداث تشرين الأول 2000. يومها برزت نتائج على الأرض، نوع من بشائر أمل، لكنها ظلت على المستوى المحلي ومؤقتة. لم يشعر أحد بها على المستوى الوطني والسياسي.
في كل المعارك الانتخابية، التي جرت منذ ذلك الحين، ازداد اليمين قوة، وازداد التحريض. وربما أفضل صورة عمّا جرى هي صورة الكنيست المنتخَب: أكثر من ثلثي النواب الذين انتخبهم الجمهور ينتمون إلى المعسكر اليميني في الخارطة السياسية. سواء هؤلاء الذين يؤيدون نتنياهو أو يعارضونه. هذا التطرف اليميني في المعارك الانتخابية جرى في واقع أمني داخلي - إسرائيلي هادئ جداً: من دون تفجير الباصات في التسعينيات، ومن دون انتفاضة ثانية بدأت في سنة 2000، هناك توتر مع الفلسطينيين (في الأساس في قطاع غزة)، لكن لا يبدو أن هذا هو سبب التطرف. أيضاً ليس التهديد الإيراني. ربما كلام التحريض الآتي من شارع بلفور مقر رئاسة الحكومة في القدس، والذي تحول فجأة إلى كلام مصالحة.
صحيح حتى الآن أنه ليس معروفاً مَن سيؤلف الحكومة المقبلة (أم ستجري انتخابات من جديد)، لكن في هذه المرحلة من الواضح أن المحافظين انتصروا في الجانب اليهودي، وأيضاً في الجانب العربي. لقد كان هذا أساس حملة حزب «راعم» الذي نال 4 مقاعد. لقد أحدث هذا الحزب أيضاً تغييراً داخلياً في الاقتراع. «حداش»، التي تتبنى قيماً ليبرالية، لم تعد الحزب الأكبر وسط الجمهور العربي. هناك بشرى أُخرى، «الليكود» نال أصواتاً أكثر في المجتمع العربي مقارنة بـ «ميرتس» (21 ألف صوت مقابل 17 ألف صوت) - على الرغم من سجل «ميرتس» الموثوق به فيما يتعلق بالجمهور العربي، ومن وجود 3 مرشحين عرب في الأماكن العشرة الأولى في لائحة الحركة.
إذا كان اليسار الصهيوني يتطلع فعلاً إلى شراكة حقيقية، فعليه أن يعمل من الأساس من أجل شراكة فعلية تُترجَم إلى أعمال على الأرض في معاقله، لا في تظاهرة أو تجمّع في ساحة رابين، ولا في لقاء أصدقاء في حانة في تل أبيب، وليس في تجنيد عربي في حزب أو هيئة.
لقد سئم العرب من شعارات شراكة كهذه. نتائج الانتخابات هي أفضل نموذج لذلك. هناك المرغوب فيه وهناك الموجود. في هذه الأثناء اختار العرب الموجود، لأن اليسار لا يقدم بديلاً.

عن «هآرتس»