الانتخابات ليست شراً

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

للمرة الأولى في العالم اسمع نقاشاً محوره ان الانتخابات ستكون نتائجها وبالاً على المجتمع. ومصدر الاستغراب انها صادرة عن ذات الأشخاص الذي كانوا يشخصون حالة الوضع الفلسطيني الراهن ويصرون على انها مدخل لإنهاء الانقسام، واليوم باتوا يرفعون الراية للحكم بشكل مباشر أو غير مباشر: إياكم والانتخابات، هم ذاتهم يقولون: نحن في قائمة فيها فتحاويون غير القائمة الرسمية، ولكن لن نكون حطباً لمعركتهم الداخلية الفتحاوية، طب كيف!!!!! معناه جيتوها لصالحكم وبدكم تقفوا على مسافة واحدة منهم مثلا!!!!
في اللحظة التي حدث فيها توافق فتحاوي_حمساوي فصائلي على اجراء الانتخابات واعتبارها مخرجاً مهماً، وعندما بدأنا عملياً بالعملية الانتخابية بات البعض يطلق التحذيرات، وانا أعتبرها تحذيرات ذاتية أنانية ضيقة، لأن الانتخابات تجاوزت بعضاً من الجغرافية والعشائرية والفصائلية بات البعض يسعى لوضع العصي في الدواليب دون جدوى.
مرد هذا النقاش أننا قبائل ولا نملك أحزاباً سياسية بالمعنى الحرفي ولا نقيم وزناً للتعددية السياسية، منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية وهناك من يخرج عن تنظيمه وحزبه، وتفاوتت ردود الأفعال، ولعل جردة تظهر تاريخياً ردود الأفعال من العنف الى الإقناع الى المقاطعة، وحتى «حماس» كيف تعاملت لحظة قبول شخصيات منها منصباً وزارياً في عهد القائد المؤسس ياسر عرفات وقامت الدنيا عليهم ولم تقعد.
نظامنا التعليمي قاصر عن إنتاج كوادر بشرية قادرة على تحمل مسؤولية المفاصل التاريخية التي نمر بها.
 في انتخابات البلديات والغرف التجارية والجمعيات العائلية نشهد ذات ردة الفعل من خريجي الجامعات والكليات والمدارس، فقط تكرار ذات العبارات وردات الفعل، حتى أنك تكون عارفاً بها قبل توجهك صوب الدعاية الانتخابية ومركز الاقتراع، تُرى ماذا ترك فينا النظام التعليمي بمراحله كافة من أثر ايجابي؟ عندما ترى خريج اعرق الجامعات الأميركية والبريطانية وخريجي المدارس الخاصة التي يرقص لها الناس وخريجي المدارس الحكومية والجامعات الفلسطينية يرجعون الى واقع المجتمع فيمتلكون ذات ردة الفعل تجاه الديمقراطية الفلسطينية (ستدمرنا الانتخابات!!!) (اتركونا من الانتخابات!!!) (من هو ذاك ليقدم نفسه!!!!) (من هي تلك لتتقدم هي!!!) يا أخي يا أختي دعوا صندوق الاقتراع يقول من هو ومن هن ومن هو؟.
بعض القيادات لا تتصرف انها كذلك، بل تأخذها الرياح هنا وهناك وتلك هي المصيبة. بدلاً من أن تكون مصدراً تنموياً تطويرياً في الحياة السياسية ومفاهيم النضال تصبح جزءاً من المشكلة، وتبحث عن ذاتها وعن عشيرتها وجيرانها في الانتخابات، وتنسى هذه الحشود البشرية وكأنها كم فقط، والأصل هي عشيرتي ومنطقتي الجغرافية.
المجتمع المدني والمراكز البحثية والدراسات «ولا أعمم» باتت هدفاً لتفريخ مشاريع مرشحين أو مشاريع مبشرين بمصائب جراء الانتخابات، وما عليك الا ان تفعل مثل اللغة الانجليزية، ان تبحث باسم العائلة لبعض رموز هذه المؤسسات لتعرف اين ميولهم وأين يصبون، ودعهم يعقبون على رأي في مرحلة الانتخابات والتحضير لها فتظهر العشيرة والقرابة والموقع الجغرافي وكأن كل التوعية الديمقراطية والتوعية باحترام التعددية السياسية ذهبت وولت، لا تسمعوهم فقط في العلن اسمعوهم على المجموعات المغلقة، مثلاً أقل اتهام رأيُك مقتبس من (الإدارة المدنية!!!!) أما الانتصار للعشيرة فهو امتداد للثورة البلشفية.
المشكلة تكمن في عدم التقاط الأحزاب لمبادرات كوادرها، بل تركها في مهب الريح، وفي لحظة الكسب يعضون على أصابعهم ندماً: يا ليتنا تابعنا قضايا الاحتكار الجماعي ورفع الأسعار والتلاعب بجودة السلع وقاطعنا المنتجات الإسرائيلية، لماذا لم تنتصروا لتحقيق الاسترداد الضريبي للمزارعين، لم ننجز مشروع إسكان منخفض التكاليف مثلاً، كم منشأة صناعية وتجارية أُغلقت وتاه عمالها وموظفوها؟ ماذا قلتم عنها؟ وعندما يستقبلون وفداً يجب ان يكون احدهم قد هاتف ووصى عليه، وعجزها عن إنتاج مبادرات من رحمها، بل اللهاث وراء شخص من جبل الى واد سعياً لالتقاط صورة افتخاراً بنشاط، ولكنهم لا يطلقون مبادرة واحدة.
نعم نحن أمام مشهد انتخابي مختلف عن 2006، ولكن هذا مصدر فخر لمن يدافع عن العملية الديمقراطية واستمرارها، وعلى القوائم الانتخابية ان لا تتمرجل على من يصر على الانتخابات وهو صاحب القرار بالقانون باستمرارها، لتظهر نفسك بطلاً وقد تكون راغباً بالغائها من حيث تعلم وتلك هي المصيبة.