الفوضى السياسية بين لبنان وإسرائيل

حجم الخط

بقلم: ايال زيسر

 


بينما تنتعش إسرائيل وبقوة من أزمة «كورونا» وصل الجهاز الصحي في لبنان شفا الانهيار. ففي مستشفيات الدولة نفد الأكسجين، وفقط في اللحظة الاخيرة جاء الخلاص من سورية المجاورة. فالطاغية السوري، الذي مرض هو نفسه بـ»كورونا»، توصل على ما يبدو الى الاستنتاج بأن توريد أنابيب الاكسجين الى اللبنانيين سيحسن صورته، وفضلا عن ذلك فإنه يفضل كما هو معروف غازات اخرى مثل الكلور او السارين، التي استخدمها ضد ابناء شعبه.
ان انهيار الجهاز الصحي في لبنان جزء من انهيار الاجهزة الذي حمل الاقتصاد الى الافلاس وسكان الدولة الى الضائقة، العوز، بل والجوع. ولم تكن جائحة «كورونا» الا المسمار الاخير، وسبقه شلل سياسي يعيشه لبنان في السنتين الاخيرتين. يتنازع السياسيون فيما بينهم في شؤون الأنا والشرف وهم غير قادرين على ان يتفقوا على تشكيل حكومة تؤدي مهامها وتخرج الدولة من الطين. وحتى «حزب الله» قلق، إذ إنه بحاجة لحكومة، وبالأساس لدولة مزدهرة كي يحلبها ويحقق في ظلها الشرعية التي تمنحها للمشروع الذي كلفته به ايران ليكون قوة متقدمة لها على شاطئ البحر المتوسط. وحتى هو لا يريد ان يحكم دولة خربة وسكاناً جائعين.
لبنان نموذج 2021 هو بالتالي دولة في حالة انهيار تعيش ساحتها السياسية في شلل. أيبدو لكم هذا معروفاً؟ أيذكركم بإسرائيل؟ ألا يقترحون في برنامج «بلاد رائعة» حربا أهلية على النمط اللبناني لاجل اخراج العربة من الوحل؟ بالفعل ليس ذلك صحيحاً. فرغم اوجه الشبه، ورغم الإغراء لتشبيه الفوضى اللبنانية بمشاكلنا الداخلية فإن التشبيه مدحوض. فالاسس التي قامت عليها الدولة اللبنانية كانت منذ البداية متهالكة وعديمة المفعول: الاتفاق على عدم الاتفاق في شيء، تبني قاعدة «عش ودع الآخرين يعيشون»، والتي تعني دولة ضعيفة ولا تؤدي مهامها، تسمح للطوائف المختلفة، ولا سيما للعشائر الحاكمة فيها أن تفعل فيها كل ما تشاء. هذا الواقع أملى الديمغرافية اللبنانية؛ خليط من الطوائف الدينية التي ما يفرقها اكثر مما يجمعها. في مكان كهذا لم تنشأ أبدا هوية لبنانية حقيقية، تتماثل مع الدولة ومؤسساتها والاستعداد للكفاح والتضحية من أجلها.
وصفة كهذه يمكن ان تنجح لزمن ما، ولا بد أنها أفضل من الانظمة الدكتاتورية في دول عربية مجاورة. ولكن نهايتها ان تنهار. والدليل هو أن ضعف لبنان تركه المرة تلو الاخرى عديم الوسيلة، تارة في يد «م.ت.ف»، والآن في يد «حزب الله» ومن خلفه إيران. في لبنان، المشكلة هي في الجوهر وفي الأساسات. أما إسرائيل بالمقابل، وان كانت تشهد أزمة سياسية، ولكن هذا لا يتعلق بجذور الامور. فالقاسم المشترك أكثر من المفرق، وفي الهوية الإسرائيلية، التي أساسها كون الدولة للشعب اليهودي، يوجد ما هو حقيقي لا يمكن للتقاليد الطائفية أن تشوشه.
وبالفعل، لا يزال امامنا عمل كثير. ينبغي تعميق اندماج الجمهور الحريدي في حياة الدولة، وبالطبع من المهم بقدر لا يقل عن ذلك مد اليد لمواطني إسرائيل العرب ممن يريدون أن يكونوا جزءا من الحلم الإسرائيلي. ولكن رغم الغضب على السياسيين، إسرائيل هي دولة قوية تقف على اساسات متينة. ومع ذلك فإن حقيقة أننا وصلنا الى انه في برنامج ترفيه يقترحون حربا اهلية كحل لمشاكل الدولة، حتى بالمزاح، ليست مؤشرا طيبا. رغم كل الفوارق التي في العالم، من الجدير بالفوضى التي خلقها السياسيون في لبنان ان تشكل اضواء تحذير وربما طبول ايقاظ للسياسيين الإسرائيليين.

عن «إسرائيل اليوم»