معادلة: بين عشرين سنة "هدم" واربعة الاف سنة "بعث"

حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

قبل حوالي عشرين سنة فقط ، اقدمت حركة طالبان على هدم تمثال بوذا في افغانستان يناهز طوله ستين مترا ، خطر في بالي هذا وانا اشاهد مذهولا ومأخوذا إنبعاث جثث محنطة "مومياءات" لإثنين وعشرين ملكا وملكة حكموا مصر قبل ما يزيد على اربعة الاف سنة ، الفرق بين عشرين سنة "هدم" وبين اربعة آلاف سنة "بعث" ، اكثر بكثير مما يمكن لعقل انسان استيعابه واستجماعه ، كملامسة القمر الذي كان قبل خمسين سنة فقط كفرا صريحا وتعديا على السماوات ، وقد شهد التاريخ البشري حالات اعدام لمن قال شيئا اقل من هذا القول بكثير ؛ غاليليو الذي قال بكروية الارض ، ما أنكره مفتي السعودية بن باز قبل عشرين سنة . سقراط الذي انزل الفلسفة من السماء الى الارض ، ابن سينا دس له السم في سجنه ، ابن المقفع ، الحلاج ، ابن رشد ، حسين مروة ، نجيب محفوظ ، ناجي العلي ، ناهض حتّر ، المسيح ذاته الذي نحتفي اليوم بقيامته .

أستحضر هؤلاء الملوك بدون لحمهم ودمهم لكن بطريقة جميلة وجليلة ، واستعرضوا حرس الشرف والفرق الكشفية والعسكرية والموسيقية و أطلقت في استقبالهم احدى وعشرين طلقة مدفعية قديمة ، و فشلت ان أحبس دموعا ، هي ما بين الفرح والحزن والهيبة الجليلة ، لهؤلاء الذين يجوبوننا بعد رقدة استغرقت اربعة الاف سنة ، كان في استقبالهم عبد الفتاح السيسي ، حاولت ان اقارن بينهم وبين من يحكم الاثنتين والعشرين دولة عربية ، فوجدت المحنطين اكثر هيبة منهم ، لعل الحاضرين أكثر تحنطا ، على الاقل بينهم اربع ملكات حقيقيات . تصالحت مع نفسي إزاء السيسي ، عندما أيدت استلامه الحكم المصري قبالة مرسي ، فما كان رحمه الله ولا باي حال من الاحوال ان يقدم على "كفر كبير" من هذا القبيل ، بل لربما كان سيفعل ما فعلته طالبان بتمثال بوذا ، فمع وصوله سدة الحكم اسمعت فتاوى وشعارات بضروة هدم الاهرامات ، وتحجيب تمثال أم كلثوم ، وتقديم ليلى علوي وشبيهاتها الى القضاء مقدمة للرجم او الجلد ، و سرعان ما بادر الى عقد مؤتمر "الجهاد العالمي" برئاسته ، واعتقدنا انه سيحرر فلسطين وفوجئنا انه يدعو الى تحرير سوريا ، مطلقا صرخته المدوية "لبيك يا سوريا" مشدداعلى الراء .

في هذه الاثناء كانت السوائب الاصولية ، التي اراد نصرتها ، تحطم التماثيل والاثار السورية من عهود ما قبل الموميائيات المصرية ، فحضارة ما بين النهرين خلّدت حدائق بابل المعلقة كواحدة من عجائب الدنيا السبع ، وكانت قد دشنت اول كتابة بالمسمار في التاريخ الانساني ، وتجاوزت الهدم والردم والتحطيم الى نبش قبور العظماء كقبر ابو العلاء المعري . خطر في بالي عمرو بن العاص ، التي نقلت المومياءات الى مدينته "الفسطاط" ، كنا سنسمع من يقول : ألم تجدوا غير مدينة ابن العاص مكانا لهؤلاء الكفار الفراعين والاصنام المحنطة ؟ دون ان يسأل احد منهم نفسه : لماذا لم يفكر ابن العاص في هدم الاهرامات كما يفكرون اليوم في هدم كل أثر تاريخي من آثارنا العريقة (أو بيعها) ، ترى ما هو سعر مومياء واحدة من هذه المومياءات لو نجحوا في وضع اياديهم القذرة عليها .