عقبات قبل الانتخابات الفلسطينية وبعدها

حجم الخط

بقلم مروان كنفاني 

 

يبقى السؤال المحيّر في الوضع الحالي للقضية الفلسطينية، هو ما الذي تحقق اليوم للتوصل إلى اتفاق للعودة إلى الانتخابات، ولم يكن بالإمكان تحقيقه منذ خمسة عشر عاما، لكن كما يقال أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا.

تجري الإجراءات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية بانتظام وفق ترتيبات اللجنة العليا للانتخابات، وينتظر الشعب التاريخ المقرر لانتخابات طال انتظاره لها.

في اختلاف عن سائر دول العالم، شأنُ الانتخابات وشروطها والتزاماتها وإتمامها ليس شأنا فلسطينيا فحسب، بل تتدخل فيه دول قريبة وبعيدة، ومؤسسات دولية، وتحالفات أوروبية وأميركية، تضاف كلها إلى التوسط في خلافات قديمة جديدة بين الفصائل.

من المفروض، على غرار ما تتبعه دول العالم، فإن المجالس البرلمانية المنتخبة هي صاحبة الولاية في إقرار كل ما يتعلق بالنصوص والتواريخ، بينما تقوم لجان الانتخابات المحايدة بالإشراف على العملية وإعلان نتائجها.

تم تنفيذ ذلك في فلسطين في انتخابات عام 1996 وعام 2006، عندما كان هناك مجلس تشريعي منتخب، ويتعذّر تنفيذه اليوم لأسباب يعرفها الجميع. ويتأرجح نجاح الانتخابات على إمكانية التغلب على عقبات تسبقها، وأخرى متوقعة تتبعها. وسواء جاءت قبل أو بعد سوف تتأتى من الفصائل أو الحكومة الإسرائيلية، أو كليهما.

العقبة الرئيسية في طريق الانتخابات، هي القدس، بالأحرى القدس العربية. ولن يكون الخلاف الحالي حول موافقة إسرائيل للمرة الثالثة منذ أن تم اتفاق السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، بتخصيص ثمانية مكاتب لانتخاب الفلسطينيين المقيمين في القدس.

والتصعيد الجديد في هذا الموضوع هو طلب السلطة الفلسطينية زيادة عدد تلك المكاتب لتصبح ستة عشر مكتبا، بينما جاء التصعيد الإسرائيلي بعدم الرد على المطلب الفلسطيني حتى كتابة هذا المقال.

“لا قدس.. لا انتخابات” شعارات صدرت تقريبا من معظم المسؤولين في الفصائل الفلسطينية، بما فيها فتح وحماس. ويضع هذا الخلاف الانتخابات على شفا السقوط الفوري، فيما لو رفضت إسرائيل تخصيص مكاتب الانتخابات، أو ربما برفض زيادة عدد المكاتب وفقا للطلب الفلسطيني.

نقطة اللقاء في هذه العقبة، التي قد تسلكها الدول المتوسطة بين الطرفين، قد تكون موافقة إسرائيل على تخصيص ثمانية مكاتب وقبول الفلسطينيين لهذا الحل. فهل حل تلك العقبة بهذا الشكل يخلّ بالتوافق الفلسطيني الذي يبدو متماسكا؟

إن التدخل الإسرائيلي المعلن يتمثل فقط في انتخابات الفلسطينيين المقيمين في القدس المحتلة، بينما يحتكر الفلسطينيون وفصائلهم العقبات الأخرى التي قد تعترض سيولة الانتخاب واحترام نتائجها.

الواقع الحالي لتقييم ساحة الانتخابات وتوقع النتائج لم يعد في قدرة أو تقدير أحد، حيث تشير البيانات النهائية للجنة العليا للانتخابات أن حوالي ثلاثين قائمة انتخابية تم إقرارها لخوض الانتخابات، وتردد أنه تم رفض نحو خمس عشرة قائمة من قبل اللجنة العليا، تتضمن قوائم منشقّة من قوائم أخرى تخوض عمليّا نفس الانتخابات.

تتعرض أيضا كبرى الفصائل الفلسطينية، حركة فتح، لانقسامات وانشقاقات، تمثلت بمسيرات ومظاهرات بعضها مسلّح، واحتجاجات على نتائج الأسماء المختارة والتوزيع للمناطق وإهمال التدرج الحزبي.

وتسود “بلبلة” داخل حركة حماس، رغم صرامة وحديدية قراراتها، بسبب قيام قيادتها بالتخلص من بعض الكوادر عن طريق ترشيحهم في قائمة حركة حماس الانتخابية في ترتيب متأخر.

وأدرجت معظم القوائم المرشحة العدد الأعلى للمرشحين الذين يسمح بهم قرار اللجنة العليا للانتخابات، بينما رشّحت بعض القوائم عددا أقل.

سوف يكون يوم الانتخابات في 22 مايو المقبل مزدحما ومتناثرا ومفاجئا، ولا تأمن فيه أي قائمة سيطرتها أو حتى نتائجها في انتخابات يخوضها الآلاف من المرشحين.

يقسم عدد القوائم، وليس عدد المرشحين، الأصوات. وعلى سبيل المثال فإن الانتخابات البرلمانية الفرنسية الأخيرة تضمنت 6 قوائم فقط، كل قائمة حوت عددا من الأحزاب والجمعيات المتوافقة على برنامج تلك القائمة.

العقبات المتوقعة، وهي الأخطر، تلك التي تبرز بعد انتهاء الانتخابات، فمن الطبيعي أن تبادر بعض القوائم التي لم تنصفها اختيارات المنتخبين لاتخاذ قرارات تزيد الهوة في التفاهم الحالي في عضوية منظمة التحرير الفلسطينية الذي يعتمد في العضوية على الجماعية وليس الوزن الجماهيري. وسوف يثور تنافس داخل الفصائل حول ملء الفراغ الذي يسببه انتقال بعض القيادات الحزبية لعضوية المجلس التشريعي.

وتعتمد العقبات الإسرائيلية المتوقعة على اتفاق السلام الموقع عام 1994، وسوف تتمسك إسرائيل بفرض شروط ذلك الاتفاق، الذي اعتمد على مبدأ الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير والدولة الإسرائيلية ولم تكن هناك بعد السلطة أو الدولة الفلسطينية.

سوف تطالب إسرائيل باعتراف كل الفلسطينيين وحكومتهم ورئيسهم ومجلسهم التشريعي بإسرائيل نظير اعتراف الأخيرة بالدولة أو الدولتين الفلسطينيتين.

وتكمن العقبة الإسرائيلية لما هو قادم بعد الانتخابات في نص القانون الأساسي الفلسطيني، حيث ينص على أن رئيس الدولة الفلسطينية، الثابت والقادم الرئيس محمود عباس، يجب أن يعرض منصب رئيس الوزراء على الفصيل أو الحزب الذي يفوز بغالبية أعضاء المجلس التشريعي.

على افتراض أن قائمة فتح أو حماس فازت بالأغلبية، أو بالتحالف مع فصيل أو فصائل أخرى، يتحتم على رئيس الوزراء المقرر احترام الاعتراف المتبادل الموقّع بين الطرفين. وقد تقود هذه العقبة إلى رفض الاعتراف المتبادل، ليس في ما يتعلق بالمجلس التشريعي فحسب، بل بالدولة الفلسطينية ككل.

تتمثل العقبة الفلسطينية بعد الانتخابات فيما لو فازت فتح أو حماس، ورفض كلاهما تسليم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية للطرف الفائز.

لا يعتقد فلسطيني إمكانية تسليم حماس غريمتها كل ما بنته من تجنيد وتحشيد، وتحالفات مع دول قريبة وبعيدة، وسلاح وصواريخ، وشرطة وقوانين خلال السنوات التي مرت منذ انفصالها بغزة. كذلك ستفعل فتح فيما لو أحرزت حماس انتصارا مفاجئا في الانتخابات المقبلة.

يشير الواقع إلى أن نتائج الانتخابات، إذا تمت، قد تثبت عمليا أن الناتج الأساسي والعقلي والمؤكد، بغض النظر عن الانتخابات والأصوات والفوز والفشل والنتائج، هو بقاء حركة فتح في قيادة الحكم في الضفة الغربية، واستمرار حركة حماس في السيطرة على قطاع غزة.

هذه النتيجة هي المطلوبة من الدول الأجنبية البعيدة والقريبة التي ستكمل معهما خطة الاستقرار في الشرق الأوسط، بما فيه فلسطين وإسرائيل.

الفائز في الانتخابات الفلسطينية القادمة هو فتح وحماس، لأن الهدف المنشود تجديد الشرعية للفصيلين، بانتظار الخطوات القادمة، وليس كما يحلم المتهافتون بنهم والمتصارعون على تشكيل القوائم على أمل الحصول على عضوية المجلس التشريعي.