عن تباين الموقف الأميركي - الإسرائيلي

حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

في مكالمة هاتفية مع الملك الأردني عبد الله الثاني، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن التزامه بحل الدولتين، كأساس لحل الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، مع أن المناسبة لم تكن توجب ذلك، إلا إذا كان ما حدث في الأردن حسب اعتقاد كثير من المتابعين جاء على خلفية موقف المملكة من صفقة ترامب، ومن سياسات التطبيع وولاية الأردن على الحرم القدسي، لكن تكرار إعلان إدارة بايدن عن تأييدها لحل الدولتين، يغيظ بالتأكيد حكومة اليمين الإسرائيلي، وربما كان هذا هو الهدف من ذلك الإعلان وتكراره، قبل أن تنطلق أي محادثات بين الإدارة الأميركية، والأطراف المعنية في الشرق الأوسط، وحتى قبل أن يلتقي بايدن أياً من قادة المنطقة.
صحيح أن القول ليس في أهميته مثل الفعل، لكن إقدام واشنطن مؤخراً على استئناف تقديم المساعدات الاقتصادية والتنموية والإنسانية للشعب الفلسطيني، يعتبر فعلاً إيجابياً، يعني بكل بساطة أن مرحلة "دلال اليمين" الإسرائيلي من قبل البيت الأبيض، لم تعد قائمة، بل أكثر من ذلك أن التباينات في المواقف بين واشنطن وتل أبيب، واضحة، ليس في الشأن الفلسطيني وحسب، ولكن في الشأن الإيراني أيضاً.
وفي الوقت الذي كانت فيه واشنطن، بالتوازي مع لقاءات فيينا، تعلن استعدادها لرفع العقوبات عن إيران التي تتعارض مع الاتفاق العام 2015 معها، كان بنيامين نتنياهو يعلن رفض إسرائيل لأي اتفاق مع إيران، فيما كانت قواته تستهدف باخرة إيرانية في عرض البحر الأحمر، في محاولة من حكومة اليمين الإسرائيلي، للإبقاء على التصعيد والتوتر مع طهران، مقابل ما تواصله واشنطن من سياسة التهدئة، وفتح الأبواب أمام المسار التفاوضي الوعر بينها وبين إيران، فيما طار رئيس الموساد لواشنطن ليقنعها بتشديد موقفها في العاصمة النمساوية.
لم تصل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب بعد إلى مستوى الجمود أو البرود، أو التوتر، لكنها لم تعد دافئة جداً كما كان الحال في الأعوام الأربعة السابقة، وربما يكون هذا أحد أسباب استمرار المأزق داخل إسرائيل، أي فشل اليمين وزعيمه بنيامين نتنياهو في الفوز بالانتخابات التي جرت الشهر الماضي، رغم ما حققه من إنجازات خلال العام الماضي فيما يخص اختراق جدار التطبيع مع أربع دول عربية، دون أن يكون ذلك مشروطاً بانسحاب إسرائيل من الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة، كما نصت المبادرة العربية المقرة في بيروت العام 2002.
كما كنا قد أشرنا في مقالات سابقة، ومنذ بدأ التنافس الجدي في الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل عدة شهور، ظهر واضحا أن إدارة جديدة برئاسة بايدن، رغم أنها لن تكون صورة مطابقة لإدارة باراك أوباما، إلا أنها ستنهج سياسة مختلفة عن سياسة إدارة ترامب فيما يخص ملفي الشرق الأوسط: إيران وفلسطين، حيث حاولت إسرائيل/ نتنياهو أن تفرض قطعاً للطريق على عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل ترامب، فاغتالت العالم النووي الإيراني محسن زادة، ثم شنت ما يمكن وصفه بحرب السفن في بحر العرب والبحر الأحمر، مع إيران، كذلك استعجلت في عقد اتفاقات "أبراهام"، لتجهض الضغط التقليدي العربي عليها بدفع مفاوضات الحل السياسي مع دولة فلسطين، لكن اليوم يتضح تماماً فشل نتنياهو في تحقيق مأربه فيما يخص الملف الإيراني، فيما نظرة خاطفة تجاه التطبيع مع الدول الأربع توضح أنه قد تحقق حتى الآن نصف فشل بهذا الشأن، حيث يمكن القول إن التطبيع مع دولتين فقط يجري بشكل متوسط، فيما التطبيع مع السودان والمغرب، يكاد لا يلاحظ.
بالمقابل، فإن علاقة إسرائيل بالأردن أولاً وإلى حد ما بمصر، قد تراجعت كثيراً، وحتى طموح نتنياهو فيما يخص تطبيعاً حاسماً مع السعودية قد تلاشى، مقابل تطور الموقف الداخلي الفلسطيني على طريق مسح منجز نتنياهو الخاص بالانقسام الداخلي الفلسطيني، والذي بات أمام بوابة الانتخابات التشريعية، باعتبارها البوابة الأخيرة الحاسمة.
الحقيقة أن فشل نتنياهو في تجاوز محطة انتخابات الكنيست، وبالتالي عدم قدرته على تشكيل حكومة يمين مستقرة، في الوقت الذي دخل فيه المحكمة، بقدمه اليمنى، يعني أن آخر ما بيد نتنياهو هو التمسك بالشلل الداخلي الإسرائيلي لتعطيل إنهاء الانقسام الفلسطيني، فيما الدخول في مفاوضات تبدو مرجحة في نهاية المطاف مع دولة فلسطين في إطار حل الدولتين، يبدو أنه سيكون المسمار الأخير في نعش حقبة نتنياهو.
بتقديرنا، أن نجاح السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، لا يتحقق مع وجود نتنياهو في الحكم، وأن نجاح تلك السياسة يتطلب وجود حكومة إسرائيلية معتدلة أو أكثر توازنا، تبتعد بشكل ملحوظ عن برنامج اليمين المتطرف، أو تخرج من عباءته وإساره، فهل يدفع ذلك إدارة بايدن لتشجيع المعسكر المعارض لنتنياهو لتشكيل حكومة ائتلاف واسعة؟
حتى اللحظة ينأى البيت الأبيض بنفسه عن التدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي، لكن تجاوز الفترة الممنوحة لنتنياهو لتشكيل الحكومة، دون أن ينجح في تحقيق المهمة، مع مزيد من التقدم في ملفي إيران وفلسطين، قد يدفع الأحزاب المناوئة لنتنياهو في الذهاب لذلك الخيار.
أهم شيء الآن، هو أن يتأكد أن نتنياهو قد وصل بنهجه السياسي إلى طريق مسدود، وهذا يتطلب صمود كل خصومه في الداخل والخارج، في وجه قدرته على العودة للحكم مجدداً، لتجبر إسرائيل على تقديم حكومة تكون شريكاً للسلام المنشود مع الجار الفلسطيني، أولاً، وثانياً للتعايش السلمي والهادئ مع الجيران العرب والشرق أوسطيين، دون سياسة الاحتلال وفرض الإرادة بالقوة العسكرية، ودون أن تكون دولة مدللة تحصل على ما هو محرم على غيرها.
وكما كانت إدارة ترامب فرصة لليمين الإسرائيلي لتحقيق أبعد بكثير مما كان يحلم به من الولايات المتحدة، فإن إدارة بايدن، تبدو فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها، بتحقيق التوازن والأجواء لحل طال انتظاره بين فلسطين وإسرائيل من جهة، ولتحقيق سلام تبدد من أجواء الشرق الأوسط، خلال السنوات العشر التي مضت، وحقيقة الأمر أن ترامب الشعوبي اليميني خرج عن التحالف الاستراتيجي الأميركي/الإسرائيلي بعقد صفقته مع اليمين فقط، فيما بايدن الديمقراطي يؤكد التزامه بالتحالف مع دولة إسرائيل بكل مواطنيها وأحزابها، وإسرائيل بالنسبة له ليست اليمين وليست نتنياهو، لذا فإن سبب التباين في موقفي البلدين الحالي، هو نتنياهو وليس بايدن، ومن عليه أن يغير سياسته أو يتغير هو رئيس الحكومة الإسرائيلي، بكل بساطة.