شاهدت شخصيا وبأم عيني، الفوضى وعدم التنظيم والتخبط والصياح وإلقاء اللوم والمسؤولية، خلال عملية التطعيم ضد فيروس كورونا، قبل عدة أيام في مقر المدرسة المجاور لمديرية صحة محافظة رام الله والبيرة، وفي ظل الشمس الساطعة في ذاك الصباح، قبل عدة أيام، كان القلق والغضب والحزن باديا على المتواجدين في ساحة المدرسة، وفي معظمهم من كبار السن من الرجال ومن النساء، بالإضافة الى مرافقيهم من الأبناء أو الأقارب، وفي الغالب لم يتجاوز العدد المائة شخص في ذلك اليوم.
وفي ظل الامتعاض والغضب من الجهات المسؤولة بشكل مباشر عن برنامج التطعيم في ذلك المكان بالتحديد، وذلك بسبب عدم القدرة على تنظيم عملية بسيطة بشكل فعال وحضاري وإنساني لقطاع من مجتمعنا هو الأكثر تضررا أو الأكثر هشاشة للإصابة وربما الوفاة من فيروس اجتاح العالم بأكمله، إلا أن المسؤولية غير المباشرة الأخلاقية والإدارية والتنظيمية، تقع على الوزارة بمجملها.
فمن الواضح ومما شاهدت شخصيا في مكان التطعيم، لم يبذل الحد الأدنى من الإجراءات الإدارية والتنظيمية التي تكفل إجراء التطعيم الذي لا يستغرق دقائق، بشكل منظم وهادئ وإنساني ويحترم من تكبد الصعاب والسفر من أماكن مختلفة في المحافظة، من أجل تلبية اتصال الوزارة المبرمج من خلال التسجيل على المنصة، وقبل فترة من أجل الحضور للتطعيم في ذلك اليوم المحدد.
وفي ظل ذلك، يصادف في السابع من نيسان من كل عام، ما يعرف بـ»يوم الصحة العالمي»، حيث يتم الاحتفال به كل عام لمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس منظمة الصحة العالمية، ويتم التركيز في كل عام على موضوع صحي محدد، وفي هذا العام، أي في العام 2021، وفي ظل تداعيات وآثار جائحة كورونا المتواصلة التي أربكت العالم، اختارت منظمة الصحة العالمية الاحتفال تحت شعار «نحو توفير العدالة الصحية للجميع»، وبالأخص للفئات الفقيرة والمهمشة وغير القادرة على توفير ثمن أو الوصول الى احد لقاحات «كورونا» وبالتالي الحصول على التطعيم.
ونعرف أن الأولوية في وسائل مقاومة أو محاولة التغلب على «كورونا»، أصبحت في الوقت الحاضر لبرامج التطعيم، حيث يتباهى المسؤولون بنجاح برامج التطعيم ضد فيروس كورونا التي بدؤوها في بلادهم، وليس ذك فقط، ولكن من الواضح أن الإنجازات للكثير مرتبط بمدى نجاعة وشمول برامج التطعيم، وكذلك أصبح من الواضح أن عودة النشاطات الاقتصادية من عمل وتجارة وسياحة وطيران وما الى ذلك قد أصبح مرتبطا بمستوى ونوعية برامج التطعيم في تلك البلد أو ذاك.
وفي بلادنا، وبصرف النظر عن أسباب فشلنا حتى الآن، في الحصول على كميات كافية من اللقاح وبالتالي البدء ببرنامج تطعيم مؤثر وفاعل وعادل ولقطاع واسع من الناس، فيجب تركيز الجهود على ذلك، أي الحصول على اللقاحات بشتى الطرق وحتى لو كان بأعلى الأسعار، لأن آثار الفيروس وكما يتضح لنا هي وخيمة، سواء على الاقتصاد أو على الصحة أو على العلاقات الاجتماعية وغيرها، خاصة واننا نشهد موجة وراء أخرى من انتشار الفيروس في بلادنا، وبالتحديد في قطاع غزة في هذه الأيام، هي الأخطر من موجات الانتشار حتى الآن، حسب وزيرة الصحة.
وفي يوم الصحة العالمي، فإن العدالة الصحية تعني كذلك العدالة والمساواة فيما يتعلق بالسياسات المتعلقة بالوقاية وبأنواعها، مثل التطعيم والتوعية الصحية، والرعاية الصحية الأولية وما يشمل من صحة البيئة والمرأة وسلامة الأغذية توفير الأدوية والفحوص، مرورا بتوفير الرعاية في المستشفيات من أجهزة وكفاءات ومختبرات ومن تعامل وتوثيق ومن عمليات متخصصة وما الى ذلك.
والعدالة الصحية تعني الحصول على مكان أو سرير في المستشفى أو غرف العناية المكثفة لمن يحتاج ودون تمييز، حيث إننا ما زلنا نشاهد الاكتظاظ الكبير في غرف الطوارئ في المستشفيات، وعدم وجود أماكن او أسرة لحالات طارئة، وبالتالي، نلحظ الحاجة الماسة الى المزيد من التوسع، والى المزيد من الأسرة والى المزيد من الطاقم والإمكانيات، وحتى الحاجة الى إعادة ترتيب أولويات، والى تبني أنظمة إدارية اكثر كفاءة واكثر وضوحا وانجع، وهذا يؤكد على الحاجة الملحة الى التوسع الأفقي والعمودي والذي بدوره يحتاج الى القرارات الإدارية، بإعادة توزيع المصادر والإمكانيات المادية والبشرية، سواء الداخلية، او الخارجية، من اجل تلبية أولويات الناس، والتي في أحيان عديدة تكون أولويات مصيرية.
والعدالة الصحية تتطلب توفير الأدوية لمن يحتاجها أو بأسعار في مقدور المريض. وهذا يتطلب إعادة النظر في الآلية او في الطريقة الإدارية، التي يتم من خلالها مراجعة أسعار الأدوية، وفي طريقة الإعلان عن ذلك الى وسائل الإعلام، وكذلك والاهم في متابعة ومراقبة تطبيقها في الصيدليات والمستودعات.
والعدالة الصحية تعني إمكانية الحصول على التحويلات الطبية لخارج القطاع الصحي الفلسطيني الحكومي لمن يحتاج ودون اللجوء الى الطرق الالتوائية، ورغم التطور ومحاولة الضبط والمأسسة والحذر، ورغم النقاش المستفيض الذي أخذه هذا الموضوع، إلا ان موضوع التحويلات الطبية الى خارج القطاع الصحي الفلسطيني، ما زال موضوعا مقلقا، ومربكا، ومكلفا ومحيرا، ويحتاج الى العناية والدراسة والمراجعة، وما زال المواطن العادي يشك في الإجراءات وفي إمكانية حصوله الى تحويله ملائمة ولازمة إذا احتاجها، دون أن يضطر الى اللجوء الى الآخرين للواسطة وما الى ذلك.
والعدالة الصحية في بلادنا، وفي ظل مواصلة ضبط ومصادرة والحديث عن وجود مواد فاسدة متعددة، أي غير آمنة أو تفتقد الى الفعالية المرجوة، تتطلب العمل من اجل طمأنة المستهلك، فالمطلوب من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بسلامة الغذاء والدواء ولمنع وصول المواد الفاسدة للناس، وضع برنامج منظم ومتكامل من اجل سحب عينات عشوائية، سواء أكانت من الخضار او من الفواكه أو من منتجات غذائية، او من الدواء، او حتى من الخبز والكعك، والحليب ومشتقاته، وإجراء الفحوص الروتينية لهذه العينات، في مختبرات تم اعتمادها، وتم التأكد ومن خلال مختصين بجاهزيتها، سواء طاقمها او أجهزتها، والاهم كذلك نشر نتائج الفحوص من خلال الإعلام، لكي تصل الى المستهلك.
وفي يوم الصحة العالمي في هذا العام، الذي يتم الاحتفال به في إطار العمل من أجل أن يكون النظام الصحي عادلا للجميع، فإن النظام الصحي في بلادنا وبشكل موضوعي، ورغم الصعاب والتحديات وربما الضعف الإداري والتنظيمي، وغياب نظام متكامل للمتابعة والتقييم، فإن من يتتبع التطورات الصحية في بلادنا، لا ينكر ان هناك تطورا متواصلا يحدث في القطاع الصحي، سواء من قبل القطاع العام أي من خلال وزارة الصحة الفلسطينية، او من قبل استثمارات ومشاريع القطاع الخاص، وبأن هناك زخما جماعيا وتكاتف ودعوات من جهات مختلفة من اجل الارتقاء بهذا القطاع في إطار توفير الرعاية الصحية المتكاملة للمواطنين، سواء فيما يتعلق بإجراء العمليات في داخل البلاد، أو إحضار الأجهزة المتطورة، أو استخدام الخبرات والاحتفاظ بالكفاءات، أو من خلال التطور الإداري والمهني والتعامل، أو فيما يتعلق بافتتاح مراكز صحية متخصصة.
وفي نفس الوقت، ومع كل التطورات الإيجابية النوعية والكمية، فإن القطاع الصحي في بلادنا يحتاج الى التركيز على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد مبدأ الوقاية والتوعية كأولوية للحفاظ على الصحة العامة ومنها صحة المواطن وصحة البيئة التي يحيا فيها من طعام ومياه وهواء وبيئة العمل، والى التركيز أكثر على التطور النوعي وليس الكمي وبشكل مستدام في الرعاية الصحية الأساسية، ويحتاج الى إرساء فلسفة وأسس نظام المتابعة والتقييم والمساءلة والتعلم بشكل ممنهج وموضوعي، وفي الاتجاه الصحيح، لكي يصبح القطاع الصحي، من القطاعات التي يثق بها المواطن الفلسطيني وبالتالي يدعمها، ويفتخر بها سواء من حيث خدمة المواطن أو من حيث توفر الكفاءات المتخصصة، أو من حيث استعمال الأجهزة والمعدات الحديثة، أو من حيث وجود أنظمة إدارية توفر على المواطن الوقت والجهد والمال والضغط النفسي لكي يحصل على الخدمة الصحية التي يستحقها، ومنها الحق البسيط في التطعيم ضد فيروس كورونا.