يرتكز أحد التمارين المعروفة، التي يعلمونها في أكاديمية الشرطة، على إرسال إشارات خلال التحقيق نحو مشتبه فيهم محتملين من اجل جعلهم يردون. بشكل عام المتهم الرئيس، بسبب الضغط، يكون هو أول من يرد، كما يقول المثل: «من على رأسه بطحة يحسس عليها». هكذا يجب علينا أن نفهم مقال عودة بشارات، الذي نشر قبل عشرة ايام تحت عنوان «ايضا بن غبير هو الشائع، يا خوري» («هآرتس، 31/3).
أتفهم غضب بشارات وغضب آخرين، ممن يحتجون على انتقاد اليسار، ايضا في صحيفة «هآرتس». في البداية لا أنوي التشاجر مع عودة بشارات على صفحات هذه الصحيفة، لكن من المهم أن أبرز عدداً من الرسائل التي اختار بشارات تجاهلها: اليسار، في صوره كأحزاب ومنظمات في المجتمع المدني، أخفق بشكل كبير في كل ما يتعلق بوضع جدول اعمال سياسي واجتماعي جديد في إسرائيل في العقدين الاخيرين.
وإلا لا يمكن شرح نتائج الانتخابات، والتشريع العنصري الذي انتشر هنا وحقيقة أن الاجندة العامة يتم التحكم بها بشكل مطلق تقريبا من قبل اليمين، الى درجة أن أداء القسم من قبل حزب يميني عنصري وله خصائص فاشية استقبل كحدث معياري. وربما فيما بعد سنشاهد اعضاءه يجلسون على طاولة الحكومة.
المواطنون العرب لم ينتخبوا ايتمار بن غبير. وبناء على ذلك لا يوجد أي مواطن عربي – من اليمين أو اليسار – لا يدينه.
هو وأصدقاؤه في اليمين الفاشي يتذكرون جيداً المعارضة التي واجهوها عندما حاولوا زيارة سخنين وأم الفحم وعرعرة. من وقفوا أمامه لم يكونوا «نشطاء يسار»، بل سكان عرب.
بنيامين نتنياهو، مع كل الموارد والوسائل التي كانت بحوزة حملته، بصعوبة حصل على نصف مقعد في المجتمع العربي.
حتى لو كان هناك انخفاض شديد في نسبة تصويت العرب إلا أن الاغلبية الساحقة منهم أيدت القائمة المشتركة أو «راعم»، ولم يتدفقوا نحو اليمين أو حتى نحو اليسار الصهيوني.
هكذا لا يمكن اتهام العرب بضياع الهوية. مع ذلك، مجموعة قليلة، تواجه مرة تلو الاخرى برفض الاغلبية لقبولها شريكاً، لن تنتظر جيلا آخر الى أن يستيقظ معسكر اليسار وبصورة مكشوفة وشجاعة يتوجه لطريق اخرى.
بدلاً من الدفاع، يجب على اليسار أن يشرح للعرب «الساذجين» ما هو البديل الذي يقترحه، إلى جانب البقاء السياسي.
تحليل نتائج الانتخابات يجب أن يشكل ضوء تحذير: 230 ألف شخص صوتوا بالأرجل وأداروا ظهورهم للقائمة المشتركة و»ميرتس» وبقايا اليسار.
وهم لم يختاروا اليمين، بل ارادوا نقل رسالة للاحزاب العربية واليسار بأن الحديث لا يدور عن قوة انتخابية حبيسة عقدة اليسار وتنتظر الخلاص. هؤلاء المصوتون الذين خرجوا بجموعهم في آذار 2020 للتصويت، بسبب الوعد بأنه في هذه المرة أخيرا سينظر اليهم على أنهم شركاء حقيقيون، اكتشفوا مرة اخرى بأنه بدلا من استقبالهم واستقبال ممثليهم، تم التخلي عنهم. والسعي إلى إلغاء قانون القومية وقانون كمنتس، بقي حلما.
إذا كانوا يعتقدون في الوسط – اليسار أن العربي سينتظر بصبر الى أن يوافق هذا المعسكر على قبوله شريكا حقيقيا وليس كورقة تين، فان الانتخابات الأخيرة أثبتت له أن هذا لن يحدث.
إذا كان هذا غير كاف، في الاسبوع الماضي حصل العرب على رسالة اخرى عندما تبين أن «ميرتس» و»العمل» أظهرا الاستعداد للمشاركة في حكومة برئاسة نفتالي بينيت، الاساس هو التخلص من نتنياهو. هذه المقاربة كان يمكن أن تكون مشروعة لو أن الامر كان يتعلق بالتراجع من أجل الصعود.
ولكن ما هي علاقة بينيت بالصعود؟ ما العلاقة بين هذه الحكومة وبين مصالح العرب؟ عمليا، يدور الحديث فقط عن صراع بقاء يهودي – داخلي.
عن «هآرتس»