صوت أميركي في الصندوق الفلسطيني

حجم الخط

بقلم نبيل عمرو  

 

استقبلت السلطة الفلسطينية بترحاب شديد، قرار واشنطن بتقديم رزمة مساعدات مالية لها ولوكالة «غوث»، التي لو تجددت لترمب ولاية أخرى لذبلت وعجزت إن لم تصل إلى حد التصفية النهائية.

الفاتورة الفلسطينية شديدة التواضع قياساً بفواتير الدعم الأميركي الخارجي، ولا ينظر إليها من زاوية مالية أو اقتصادية صرفة، فهي بالكاد تفي ببعض ما هو دون الحد الأدنى بكثير من الاحتياجات الدائمة والعاجلة للسلطة، خصوصاً في هذا الوقت بالذات الذي تضافرت فيه «كورونا» مع انخفاض الدعم الخارجي، وتوقف معظم مجالات الإنتاج على نحو غير مسبوق في سجل الأزمات الاقتصادية الفلسطينية منذ بدأت تجربة السلطة وعبر كل مراحل وجودها.

الدعم المالي الأميركي ينظر إليه على أنه مقدمة لاستئناف العلاقات الأميركية الفلسطينية التي يعتبرها الفلسطينيون عاملاً مؤثراً يحد ولو نسبياً من تغول حكومات اليمين الإسرائيلي تجاههم استيطانياً، وابتعاداً عن إمكانيات فتح المسار السياسي التفاوضي، ما وضع الفلسطينيين أمام حالة صعبة من الاستفراد الإسرائيلي بهم، الذي تعاظم في عهد ترمب وتواصل وإن بوتيرة أقل إعلاناً وأكثر حذراً في عهد الإدارة الديمقراطية الجديدة.

الفلسطينيون الذين رحبوا بالدعم المالي الأميركي وبفعل تجربتهم مع الإدارات الأميركية جميعاً في حقبة ما بعد أوسلو، تعودوا على التواضع في الرهان على السياسة الأميركية التي فشلت حتى الآن في إعادة المسار التفاوضي إلى العمل، إلا أنهم من جهة أخرى يدركون أهمية الاهتمام الأميركي بهم، ما يخفف كثيراً من العزلة المفروضة على قضيتهم الأساسية، فهم يستمدون التشجيع من العودة الأميركية إلى تفضيل حل الدولتين الذي أوسعته الإدارة السابقة تجاهلاً وتنكيلاً، وكذلك استئناف دعم «الأونروا» لما له من دلالات بالغة الأهمية على الصعيد الاستراتيجي، فـ«الأونروا» ليست مجرد دعم لاحتياجات حياة اللاجئين بقدر ما هي وثيقة حقوق أساسية تحافظ على بقاء قضية اللاجئين في صلب الحقوق الفلسطينية المؤيدة دولياً والتي وصفها العالم بغير القابلة للتصرف، وحين قرر ترمب بالتنسيق مع نتنياهو حل القضية الفلسطينية بتصفيتها كان الهدف المركزي هو «الأونروا» أي اللاجئين، وفق مقولة الاستعاضة عن موازناتها ووضع خطط تنمية وتعويضات في الطريق إلى حل سياسي نهائي يضع الفلسطينيين تحت سيطرة إسرائيلية أبدية ومطلقة من خلال خرائط صفقة القرن.

ما تقدمه أميركا وغيرها من دعم مادي أو سياسي يضع باقي ما يلزم على عاتق الفلسطينيين أنفسهم، ووفق هذه المعادلة المنطقية والعملية لا يملك الفلسطينيون دفاعات كافية ولا حتى مبررات لتقصيرهم في حق أنفسهم، وإذا ما وضعنا الحالة الفلسطينية الراهنة تحت فحص موضوعي فإننا نجد ثغرات كبيرة وحتى قاتلة تعتري بناءهم الذاتي، والعنوان الأبرز فيه هو الانقسام الذي لم يجد حلاً حتى الآن، وكذلك غياب عمل المؤسسات التي تدير الحياة الفلسطينية من كل جوانبها، وفي حالة كهذه تتكاثر الأخطاء، وتبتعد الحلول، وتتعمق المآزق بحيث لا يجدي إنكارها، أو سوق أسبابها ومبرراتها.

محاولة فلسطينية تقرر أخيراً الإقدام عليها لعلها تنفع في إيجاد المخارج من الأزمات وهي الانتخابات العامة التشريعية أولاً ثم الرئاسية ثم منظمة التحرير، ورغم الإجماع الشعبي على أهميتها وضرورتها فإن شكوكاً واسعة عادت لتحيط بالعملية المرجوة، ما يوحي بقدر من التردد في مواصلتها وإنجازها رغم التأكيدات الرسمية على المضي قدماً فيها.

الأميركيون الذين انتبهوا إلى درس الانتخابات الثانية التي اتُّهموا فيها بالضغط على السلطة لإجرائها، رغم عدم تأكدهم من فوزها فيها اتخذوا موقفاً موضوعياً… «رمي الكرة في الملعب الفلسطيني» فهم أصحاب القرار في هذا الشأن مع نصيحة لا تتخذ طابع الإلزام أو الاشتراط مفادها… أن يكون اللاعبون في حلبة الانتخابات العامة ملتزمين بموقف منظمة التحرير «الاعتراف والاعتدال».

الأميركيون بذلك لا يخفون رغبتهم في فوز عباس؛ ولهذا وضعوا صوتهم في صندوقه بالدعم المالي واستئناف العلاقات، فهل هذا وحده يكفي؟ «بعد أيار يدوب الثلج ويظهر ما تحته».