كيف يستكمل الفلسطينيون فوائد الانتخابات

حجم الخط

بقلم مروان كنفاني 

 

تبدو نتائج ما بعد الانتخابات المنتظرة لدى معظم الفلسطينيين، وربما لدى الغالبية من المراقبين العرب والأجانب، غامضة في ما يتعلق بوحدة الشعب ومواقفه وأهدافه الوطنية والسياسية، وربما الاقتصادية أيضا.

ليس هناك من شك حول رغبة الفصائل الفلسطينية وبالذات الفصيلين الأقوى والأكثر شعبية (فتح وحماس) ولأسباب مختلفة في دخول امتحان الانتخابات العامة.

ويعكس اللغط حول الوضع الفلسطيني الداخلي وتبادل الاتهامات وتزايد المظاهرات وتكتل الجماهير خلف المناطقية والعائلية والحزبية، فشل القيادات في التوصل إلى تفاهم مشترك حول كيفية التصدي لنقاط الخلافات، والوسائل التي يجب استعمالها لاستكمال فوائد الانتخابات التي تفتح أبوابا جديدة في مسيرة الدولة الفلسطينية، واسترجاع القدس العربية، والتصدي للاستيطان الإسرائيلي الذي يلتهم أرضنا.

الانتخابات هي وسيلة وليست هدفاً في حد ذاته، لأن الهدف في النهاية هو الدولة الفلسطينية التي بدونها لا يتم الحق والعدل اللذين ضحّى الشعب خلال قرن من الزمن بآلاف من الشهداء، وما زال الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على ما هو عليه.

ما نرى ونسمع من أخبار وقرارات دولية لا يعني نهاية هذا الصراع، وليس محاولة دولية للبدء في مناقشة أبعاده المزمنة، فحل الدولتين الذي يتحدثون عنه اليوم ليس الدولة الفلسطينية التي نتحدث نحن عنها، والتأييد الجديد من الولايات المتحدة والدول الأوروبية على أهميته لن يحقق أهدافنا.

نحن ووحدتنا وتحالفنا كفلسطينيين، أفرادا وفصائل، واتفاقنا على ما نريد ضمن المقبول الدولي، هو الذي يحقق أهدافنا في الدولة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس العربية، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن قضية اللاجئين.

هل الفلسطينيون جميعا متفقون على هذا الحل، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نقول جميعنا للعالم كله إننا جميعا نريد هذا الحل؟

البدء في نقاش جدّي حول التوصل إلى حل دولي مُلزم يعتمد على الاتفاق الفلسطيني على برنامج سياسي فلسطيني مشترك، يحمل رسالة كاملة من كل المواطنين وفصائلهم وأحزابهم لجميع دول العالم ومؤسساتها الدولية.

يجب ألّا يتضمن البرنامج السياسي المشترك تنازلات عن الأهداف التي قررتها اللجان الوطنية ووافقت عليها معظم الفصائل، بما فيها حماس علانية. ويكرس لتوقع غير المؤكد بإتمام الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة الاتفاق الفلسطيني على دورية الانتخابات وتداول السلطة، ويحوي الجهد الجماعي المتفق عليه الحقوق بوضوح وإصرار.

يتمسك الشعب الفلسطيني وقيادته بحقهم في الدفاع عن النفس، والتصدي للاستيطان الإسرائيلي، ومصادرة الأراضي وتهويد القدس، والمقاومة بكافة أساليب الدفاع عن الحقوق بما فيها القوة المسلحة، ويؤيد الجانب الفلسطيني أن يكون التفاوض بإشراف الأمم المتحدة ومشاركة الاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية.

من المفيد والمطلوب أن يتقدم الجانب الفلسطيني بمبادرة يطرح فيها البرنامج السياسي المشترك للتفاوض من أجل حل المشكلة الفلسطينية، وتقترح تحديد مرحلة زمنية متفق عليها للتوصل إلى اتفاق مُرضِِ يعتمد على قرارات الأمم المتحدة المعنية، والمبادرة العربية لعام 2002، واتفاق أوسلو لعام 1993 

فرق كبير بين تفاوض السلطة الوطنية ممثلة بعدد من فصائل فلسطينية دون مشاركة الكل، وبين تفاوض يتضمن الكل وفصائلهم، متفقين على الوسيلة والهدف ومدعومين من الدول العربية والإسلامية ومعظم دول العالم.

إن البرنامج السياسي المشترك المتفق عليه من قبل كل الفلسطينيين والفصائل سوف يعفي أيضا من لا يريد المشاركة في التفاوض مع إسرائيل، لكنه يدعم الوفد المفاوض ويزيد من التأييد الدولي.

مرور الزمن ليس في مصلحة القضية الفلسطينية، لأن تجربتنا بمفهوم الأمر الواقع منذ بداية الأزمة أعطى إسرائيل الفرصة لنهب الأراضي والتوسع في بناء المستوطنات وطرد المزيد من الفلسطينيين.

تمسّكت إسرائيل منذ بداية تفاوضها مع الدول العربية، من ثم مع الفلسطينيين، بالاستفراد بكل دولة عربية على حدة، وتعتمد إستراتيجيتها حتى اليوم هذا الأسلوب.

وسلكت منذ عام الانفصال الفلسطيني في 2007 نفس هذا الأسلوب في التفاوض المنفرد مع كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس على حدة، مباشرة أو من خلال وسيط، وسوف لا تفضّل أو تقبل التفاوض مع الطرفين جماعيّا، مع أن شروط وأهداف الطرفين واحدة، لذلك فالبرنامج المشترك سوف يفشل الحل المنفرد الذي تعتمده إسرائيل.

يتجه العالم اليوم نحو تهدئة الخلافات الدولية والإقليمية، وتميل الخلافات في شرق البحر الأبيض المتوسط نحو التفاوض بين تركيا والدول المختلفة معها، وابتدأ الكلام المباشر بين مسؤولين ولا يستبعد اللقاء قريبا.

هدأت طبول الحرب في الخليج العربي، وعادت بوادر السلام لدول شمال أفريقيا، ولم يعد من المجدي التهديد والوعيد من إسرائيل أو إيران أو تركيا أو الفلسطينيين، لم يعد ذلك وسيلة يقبلها العالم، ولم تعد إسرائيل أو حماس ولا دول عربية أو فارسية قادرة على التدخل العسكري لحل مشاكلها منفردة.

بالنسبة إلينا كفلسطينيين لدينا ميراث طويل من محاولات حماس وفتح الفردية، وستة أعوام من محاولات إيران والولايات المتحدة لإرغام إحداهما الأخرى بالقوة، وسنوات أخرى من الجهد الفردي التركي لإعادة رسم الحدود البرية مع الجيران. فلن يتم التوصل إلى السلام الدولي لتلك المشاكل والقضية الفلسطينية منها، سوى بالتفاوض والحلول الرضائية.

بين الإغراء الأميركي والتجاوب الإيراني الخجول مساحة ممكنة لاتفاق بينهما، ولسوف تتنازل طهران عن كل ما أضافته من الإنتاج الذرّي والصواريخ وتهدئ من تدخلاتها في شؤون دول الخليج، بينما تعود الولايات المتحدة عن عقوباتها وحصارها العسكري والاقتصادي لإيران.

هذه التوقعات قد تغيّر التوازن العسكري والاقتصادي في منطقة الخليج العربي وفي الشرق الأوسط، وسوف تتأثر كذلك الدول والأحزاب والفصائل التي كانت قد راهنت على التوازن الحالي بين الولايات المتحدة وإيران، وعلى من ستعتمد في تنفيذ أهدافها بعد عودة التفاهم وفقا للشروط الأميركية؟

تعكس بعض القرارات التي صدرت مؤخرا عن واشنطن والمتعلقة بإعادة بعض المساعدات المالية للفلسطينيين وتكرار التصريحات عن تأييد حل الدولتين ودعم الانتخابات تغيرا متواضعا في سياسة الإدارة الأميركية السابقة، لكن القرارات الجديدة لم تمسّ نظيرتها الأخطر والأكثر ضررا ورفضا من الفلسطينيين مثل مصير القدس العربية.