نسير الى الازمة بعيون مفتوحة

حجم الخط

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل 

 

​الاشخاص الذين جلبوا لكم في صيف 2014 حرب زائدة كان يمكن منعها في قطاع غزة، 51 يوم بدون حسم في عملية الجرف الصامد – متورطون في معظمهم ايضا فيما يحدث في هذه الايام، الزحف المستمر والخطير نحو امكانية مواجهة عسكرية اكثر شدة مع ايران. بنيامين نتنياهو، بني غانتس وافيف كوخافي، جميعهم كانوا هناك، في ذاك الصيف البائس قبل سبع سنوات. الأخيران حصلا الآن على ترقية، من رئيس اركان الى وزير دفاع، ومن رئيس قسم الاستخبارات العسكرية الى رئيس الاركان. موشيه يعلون الذي كان في حينه وزير الدفاع لم يعد موجود في الصورة.

​الآن، اسرائيل يمكنها بقيادتهم أن تجد نفسها في ورطة بحجم اكبر كليا. هذه هي صورة الوضع، عشية عيد الاستقلال الـ 73، تحت حكم نتنياهو. من الافضل عدم الانجرار خلف تصريحات رئيس الحكومة الواثقة والمتغطرسة في الاحتفالات الرسمية. الى جانب الخطر الداخلي – شرخ خطير بين المعسكرات الصقرية، تحطيم جهاز القضاء ورائحة متواصلة من العنف السياسي في الهواء – يظهر ايضا الخطر الخارجي الذي تشكله احتمالية التصادم مع ايران.

​أمس تم تسجيل فصل آخر في التصعيد، في اعقاب هجوم ثالث خلال شهرين على سفينة تجارية بملكية اسرائيل في بحر العرب.

​اسرائيل عملت من تحت الرادار ضد سفن ايرانية، معظمها قام بتهريب النفط الى سوريا خلال ثلاث سنوات، بعد سلسلة المنشورات حول ذلك، منذ شباط الماضي، غيرت ايران سياستها وبدأت بالرد: سفينة مقابل سفينة.

​خلافا للانطباع الذي يمكن أن يتولد، ليس كل شيء يتم قطعه حسب خطوط الصدع السياسي. نتنياهو ذاهب الى هذه الازمة بعيون مفتوحة، يدا بيد مع غانتس، رغم العداء بينهما. في كل ما هو متعلق بتشكيل الحكومة القادمة، فان الترسبات الشخصية بينهما كبيرة. ومن المشكوك فيه اذا كان غانتس سيوافق على أن يغفر وينسى كل ما اوقعه به نتنياهو في السنة والنصف الاخيرة. حقيقة أنه يواصل المواجهة معه واشتراط التوقيع على شراء لقاحات كورونا اخرى بتعيين وزير عدل. ولكن في الشأن الايراني يبدو أن غانتس مقتنع بأنه هو الذي يقود وليس هو الذي يُقاد. بهذا، في الحقيقة يعدل مواقفه طبقا لنتنياهو. تحتهم يوجد رؤساء الاجهزة الامنية والوحدات التنفيذية في الجيش وفي الموساد، جميعهم نشطون ومليئون بالمبادرات. هم يتنافسون الواحد مع الآخر على التأثير والانجازات، احيانا هكذا يبدو، بدون الفحص التام للتداعيات الاستراتيجية.

​السلوك في غزة، في الصيف الذي كان قبل سبع سنوات، يذكر بدرجة معينة بالوقت الحالي. الآن مثلما في ذلك الوقت، اسرائيل لم تحدد لنفسها أي اهداف ولم تفحص أي بدائل ولم تعد أي خطط للانطلاق. الآن هي تجر عميقا الى داخل مواجهة وهي تزيد في كل مرة قوة الضربات الموجهة للعدو. بعد ذلك سيتحدثون عن خطأ في الحسابات، التي فيها لم يكن أي طرف من الاطراف يريد الحرب حقا. في 2014 هذا على الاقل حدث في ظل حكومة مستقرة نسبيا، في هذه المرة الكابنت لا يجتمع والحكومة الانتقالية تعمل بصعوبة وانظمة الرقابة (لجنة الخارجية والامن ومراقب الدولة والاغلبية الساحقة من وسائل الاعلام) تنام وهي واقفة.

​في الخلفية توجد، هذا من يجدر العودة والتذكير به، ضائقة اللاعب الرئيسي. الاسابيع الاولى من محاكمة نتنياهو التي خصصت لشهادة مدير عام “واللاه” السابق ايلان يشوعا، في ملف 4000، كشفت درجة المخاطرة التي يتعرض لها رئيس الحكومة كلما طالت المحاكمة. توجد لنتنياهو حاجة ملحة في تشكيل ائتلاف جديد برئاسته الذي ربما سيجد طريقة معينة لتعويق الاجراءات الجنائية ضده.

​يجب أن يتمتع المرء بقدر مدهش من السذاجة أو أن يكون تابع غبي كي يعتقد بأن هذا الجانب غائب تماما عن اعتبارات رئيس الحكومة في الساحة الامنية. وخلق وضع طواريء عسكري، هو اسلوب مؤكد كي يتم بواسطته احداث هزات سياسية. اذا لم يكن غانتس فربما يساعد في أن يحث لتشكيل الحكومة الرافضون من اليمين، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غبير وجماعتهم، رغم حاجة نتنياهو الى الاستناد (على الاقل من الخارج) الى اعضاء الكنيست من راعم، اعضاء الحركة الاسلامية. وربما ايضا الاحتكاك مع الادارة الامريكية سيغمز لهم.

​ربما ايضا أن طموحات نتنياهو هي محدودة اكثر. اذا فشل في محاولة تشكيل حكومة، على الاقل سيستعين بوضع الطواريء الامني من اجل أن يسحب هذه الامكانية ايضا من خصومه يئير لبيد ونفتالي بينيت ويمدد فترة ولاية الحكومة الانتقالية برئاسته. نتنياهو يعمل الآن مثل وكيل للفوضى. لأن الفوضى بالضبط تخدمه.

علامات استفهام محلقة

اسرائيل تدير بصورة موازية ثلاث عمليات هجومية ضد ايران: الصراع ضد المشروع النووي الذي يشمل حسب منشورات اجنبية اغتيالات وهجمات سايبر وتخريب في المنشآت نفسها؛ المعركة، الجوية بمعظمها، ضد زيادة القوة العسكرية وتهريب السلاح في سوريا وفي لبنان؛ ومثلما كشف مؤخرا، العمليات البحرية التي اصيبت فيها سفن تقوم بتهريب النفط، واحيانا السلاح، الى سوريا.

​الجهد الاول اثمر خلال السنين عن نتائج جيدة، كما اشار هذا الاسبوع الجنرال احتياط غيورا آيلاند في مقابلة مع هيئة “كان”. تقدير الاستخبارات العسكرية في 2001 كان يقول إن ايران ستتوصل الى القنبلة خلال اربع سنوات. وقد مرت 20 سنة وهذه النبوءة لم تتحقق. هذا لم يحدث بسبب أن ايران لم تحاول التوصل الى قدرات نووية. حتى في القنوات الاخرى، سجل لاسرائيل نجاح عملياتي غير قليل. وفي كل الاحوال، عمليات الرد الايرانية كانت ضئيلة جدا، وعلى الاغلب فشلت تماما.

​علامات الاستفهام تحلق حول الجرعة وتوقيت العمليات الاخيرة. حسب التقارير، وقعت ثلاث هجمات في اسبوع تقريبا. الانفجار في سفينة القيادة التابعة لحرس الثورة الايراني في البحر الاحمر، قصف جوي لارسالية سلاح في منطقة دمشق والانفجار في منشأة نتناز. هذه العمليات تنضم الى الضربات السابقة التي تعرضت لها طهران خلال اقل من سنة، وعلى رأسها اغتيال الجنرال قاسم سليماني ورئيس المشروع النووي العسكري، العالم محسن فخري زادة (الاولى كانت امريكية والثانية نسبت لاسرائيل).

​هذه العمليات الثلاث وقعت في اسبوع استأنفت فيه الدول العظمى المحادثات مع ايران في فيينا حول اتفاق نووي جديد، وحول انضمام الولايات المتحدة، في الوقت الذي فيه جاء وزير الدفاع الامريكي لويد اوستن في زيارة عمل في اسرائيل. فعليا الهجوم البحري والانفجار في المنشأة سبقت كل واحدة منها ببضع ساعات افتتاح جلسة المحادثات ومجيء اوستن. التزامن يدل على أن اختيار هذه المواعيد لم يكن صدفيا، واستهدف نقل رسالة حادة ومباشرة لايران، وربما الاهم من ذلك للامريكيين. في حين أن التراكم قد يؤدي الى تفاقم الوضع من ناحية ايران التي لم تسارع بشكل عام الى الرد على الهجمات السابقة، فان الزعيم الروحي الاعلى، علي خامنئي، قام بتقييد الانتقام في السنتين الاخيرتين، وفضل في تلك الاشهر التركيز على الهدف النهائي وهو رفع العقوبات، وفي المقابل عودة كاملة الى الاتفاق النووي، الذي لا يفرض أي قيود صارمة اكثر على ايران مما هو موجود في اتفاق 2015 الاصلي.

​معضلة استراتيجية

​هذه المرة انضم الى الصورة عامل آخر. اسرائيل تنازلت كليا عن سياسة الغموض. رجال استخبارات غير معروفين قدموا احاطات تفصيلية عن طبيعة العمليات ومن قاموا بتنفيذها. هذه هي النقطة التي فيها اختلف غانتس مع نتنياهو. وزير الدفاع وجه أول أمس انتقاد علني بشأن التسريبات وطلب التحقيق فيها. ليس لأنه يوجد لغانتس اوهام بأن يحدث ذلك. في نهاية المطاف، اثناء عملية الجرف الصامد في غزة، تسرب للقناة 2 وبتوقيت حساس عرض سري قدمه الجيش لمجلس الوزراء حول الثمن المتوقع لاحتلال غزة. بطريقة معينة لم يتم التحقيق في هذه القضية رغم الطلبات المتكررة.

​المنشورات الكثيرة تخدم الصورة العامة لنتنياهو كقائد للخط الهجومي غير المتصالح ضد ايران. ولكن من غير المستبعد أنهم ايضا يدفعون ايران الى نقطة ترى فيها نفسها ملزمة بالرد بصورة أكثر شدة، بهدف الحفاظ على ميزان ردع معين امام اسرائيل.

​انتقام محتمل، وجهاز الامن يستعد لهذا السيناريو من بداية الاسبوع الحالي، يمكن أن يشمل الى جانب المس بسفن يمتلكها اسرائيليون، ايضا هجوم سايبر على مواقع حساسة للبنى التحتية، وحتى سيناريو متطرف، محاولة شن هجوم دقيق بواسطة طائرات بدون طيار. الايرانيون سبق لهم وعملوا ضد مواقع شركة “ارامكو” في السعودية في خريف 2019. واحتمالية أن تجند طهران في القريب لصالحها حزب الله، هي احتمالية أقل واقعية. الامين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي ينشغل بالازمة الاقتصادية والسياسية الكبيرة في لبنان، كما يبدو لن يتطوع لهذه المهمة.

​في الخلفية لم يتضح بعد سؤال متى عرفت الولايات المتحدة عن مهاجمة السفينة الايرانية والانفجار في نتناز. اوستن الذي سئل عن ذلك اثناء زيارته في اسرائيل رفض الاجابة على ذلك، لكنه أكد في المقابل على التزام ادارة بايدن بحل سلمي للمشكلة النووية.

​لم يكن بالامكان تجاهل النغمة الحاسمة والموجزة التي تحدث بها الوزير الضيف عن مشكلة ايران. لم نسمع منه خطابات عن الالتزامات التاريخية للولايات المتحدة بمنع تهديد نووي لاسرائيل. وحتى الزيارة التقليدية في مؤسسة “يد واسم” لم تستخرج من اوستن عبر الكارثة المحببة على رئيس الحكومة. لا شك أن نتنياهو يوجد في ذروة عملية فطام طويلة ومؤلمة في اعقاب الانفصال عن دونالد ترامب.

​كل شيء كان في هذه المرة بارد وموضوعي. ويمكن التخمين بأن العلاقات ستزداد برودة، اذا تبين أن الامريكيين حقا تفاجأوا من الحادثة في نتناز. في المقابل، مثلما يشيرون في اسرائيل، الانفجار في المنشأة، كما يبدو،  شل قدرة ايران على تخصيب اليورانيوم لاشهر كثيرة. بذلك، سحبت من ايران ورقة مساومة رئيسية في المفاوضات مع الدول العظمى على الاتفاق النووي المحدث، وهذا بالضبط يساعد الامريكيين.

​لقد مر يوم تقريبا من التشويش في طهران الى أن اتهم النظام بشكل مباشر اسرائيل بالمسؤولية عن الانفجار في نتناز. وزير الخارجية الايراني، جواد ظريف، توجه الى مجلس الامن وقال إن الامر يتعلق بجريمة حرب لاسرائيل. واضاف بأن العملية كانت مقامرة سيئة بالنسبة لاسرائيل وأنها ستقوم بالرد عليها.

​العقيد احتياط اودي افينطال، من معهد السياسات والاستراتيجية في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، كتب أمس في موقع المعهد بأن المفاوضات بين ايران والدول العظمى تكشف موقف ضعف لواشنطن ازاء الشعور بالالحاحية الذي تبثه بشأن الحاجة الى التوصل الى اتفاق. اسرائيل، كما يعتقد، وجدت نفسها في معضلة استراتيجية. هل تقود الى مواجهة علنية مع ادارة بايدن مثلما تصرف نتنياهو امام ادارة اوباما في 2015، أو تحاول تعميق التعاون معها في محاولة لتأمين مصالحها الاستراتيجية في المفاوضات.

​افنطال غير متفائل. وحسب اقواله “اسرائيل تبدو كمن اختارت بديل مقاربة المواجهة، بالتأكيد اذا كانت تقف من وراء العمليات المنسوبة لها ضد ايران”. وقد حذر من أن هذه المقاربة، يمكن أن تتضح كنسخة ثانية للخطأ الذي حدث قبل ست سنوات عندما لم يمنع خط المواجهة الذي اتبعه نتنياهو الامريكيين من التوقيع على الاتفاق. الآن ايضا، الدول العظمى الاخرى تؤيد موقف بايدن. في هذه الظروف اسرائيل يمكن أن تجد نفسها في عزلة والتهديد النووي سيتحول من تحد عالمي الى مشكلة اسرائيلية.