هآرتس – اليد التي اشعلت النار حيال ايران تحاول اطفاءها

حجم الخط

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل

 

       اليد التي اشعلت النار تريد الآن اطفاءها. في العيد كتبت “نيويورك تايمز”، نقلا عن مصدر أمني اسرائيلي بأن اسرائيل معنية بتهدئة النفوس ولا تنوي الرد على هجوم ايران الأخير الذي أصيبت فيه بصورة بسيطة في بداية الاسبوع في بحر البحر، سفينة بملكية رجل الاعمال الاسرائيلي رامي أونغر. الهجوم الايراني هو الهجوم الثالث خلال شهر ونصف، لكنه جاء ردا على سلسلة هجمات على السفن الايرانية نسبت لاسرائيل ووقعت بعد أن نشر علنا عن الهجوم الاسرائيلي الاول.

       صحيفة “نيويورك تايمز” غير مقيدة بقيود الرقابة في اسرائيل، لهذا تستطيع التطرق للمسؤولية الاسرائيلية عن الهجمات كأمر مؤكد وليس أمر مُقدر، ايضا الكشف عن أن اسرائيل طلبت من الامريكيين مساعدة معينة في الدفاع عن السفينة الاخيرة التي هوجمت، “هبريون ري”. ربما كان هذا هو السبب في أنها تضررت بصورة سطحية جدا وواصلت فورا طريقها. اطلاق الصاروخ على “هبريون ري” كان في هذه الاثناء خطوة أخيرة في سلسلة الهجمات. فقد سبقته ثلاث هجمات نسبت لاسرائيل في أقل من اسبوع: قصف روتيني لارسالية سلاح ايرانية في دمشق، وهجومين استثنائيين، في البداية تفجير سفينة لقيادة حرس الثورة في البحر الاحمر، وبعد ذلك انفجار كما يبدو شوش لاشهر على اعمال اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في المنشأة النووية في نتناز. ايران ردت ايضا على ذلك، في بيان عن الانتقال الى تخصيب اليورانيوم الى 60 في المئة، التي ستضطر الى الاعتماد كما يبدو على المنشأة الاخرى في فردو.

       الانفجار في نتناز، وهو الثاني من نوعه خلال تسعة اشهر، حدث قبل بضع ساعات من قدوم وزير الدفاع الامريكي، لويد اوستن، لزيارة عمل اولى في اسرائيل. حسب الطريقة التي اختارها اوستن للتعبير، وحتى لغة جسده البعيدة، يظهر الشك في أن الامريكيين لم يتلقوا في هذه المرة انذار مسبق. يتبين أن اسرائيل نظمت بهذا حفلة علنية لتشويه سمعة المبعوث الرسمي الكبير لادارة بايدن. في هيئة “كان” قالوا أول أمس إنه في اوساط الدول الاوروبية الثلاثة المشاركة في الاتصالات حول الاتفاق النووي مع ايران (بريطانيا، فرنسا والمانيا) يتعزز التقدير بأن عمليات اسرائيل الاخيرة والشاذة عن سياسة الغموض بشأنها، استهدفت المس بمحادثات فيينا. هذا كما يبدو تفسير معقول.

       السؤال الكبير هو ماذا تريد الآن الولايات المتحدة؟ اوستن الذي تطرق باختصار فقط للشأن النووي، أكد تمسك الادارة بالحل بالطرق السلمية. في الاسبوع الماضي نشر تقرير للمخابرات الامريكية، فيه التقدير السنوي لدرجة المخاطرة التي تتعرض لها الولايات المتحدة. في التقرير ورد أن ايران ستواصل كونها تهديدا مستمرا للولايات المتحدة ومصالح حلفائها في المنطقة. طهران، كتب، “ستواصل كونها لاعبة اشكالية في العراق، ومصممة على الحفاظ على نفوذها في سوريا، ستواصل المس باستقرار اليمن وستبقى تهديد لاسرائيل، عن طريق ترسانة صواريخها، وبصورة مباشرة عن طريق حزب الله ومنظمات ارهابية اخرى.

       مع ذلك، قال كاتبو التقرير، لم يحدث أي تغيير في الافتراض الامريكي بأن ايران لا تنشغل الآن بالجوانب العسكرية للبرنامج النووي (أي انتاج السلاح النووي). الايرانيون لم يتنازلوا عن جزء من التزاماتهم حسب الاتفاق النووي من العام 2015، في اعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018، لكن خطواتهم قابلة للتراجع عنها وهم معنيون بالعودة الى الاتفاق مقابل رفع العقوبات.

       إن تحليلات ادارة بايدن تختلف جدا عن الخط المتشدد، الذي يزرع الفزع والذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في المسألة النووية. وعندما نضيف الى الاختلافات في المقاربات ايضا عمليات على الارض، ستزداد الامكانية الكامنة للخلاف العلني مع واشنطن. في الخلفية، بقيت مسألة الرد الايراني: هل طهران ستكتفي باطلاق النار على السفن؟ توجد لديها وسائل اخرى لايلام اسرائيل، لكنها تستطيع ايضا أن تقرر وقف خطواتها العسكرية اذا توصلت الى استنتاج بأنه على الاجندة توجد فرصة للتوصل الى اتفاق سريع مع الامريكيين بشروط مريحة بالنسبة لها.

       وقت للتحقيق

       الحسابات التي نشرها هذا الاسبوع البروفيسور عران سيغل من معهد وايزمن، استنادا الى معطيات وزارة الصحة، لا تقل ادهاشا. منذ ذروة وباء الكورونا في اسرائيل، في منتصف كانون الثاني الماضي، حدث انخفاض 98 في المئة في عدد المصابين الجدد اليومي، و93 في المئة من عدد المرضى في حالة صعبة، و87 في المئة في عدد الوفيات. 85 في المئة من ابناء 16 فما فوق في الدولة هم محصنون. الوتيرة السريعة لانخفاض عدد الاصابات والوفيات فاقت معظم التوقعات السابقة. جزء من العلماء يقولون الآن علنا بأن اسرائيل وصلت الى مستوى مناعة القطيع المقدرة للكورونا. أحد التفسيرات المحتملة  لذلك هو أن الكثير من الاطفال اصيبوا في السنة الماضية بالمرض أكثر من الذين تم تشخيصهم – حتى اكثر ثلاثة – اربعة اضعاف. وبهذا رفعوا نسبة المتعافين والمحصنين اكثر بكثير مما تم تقديره في البداية.

       هذه ايضا البيانات التي تهديء المتشائمين من بين الخبراء في جهاز الصحة ومكنت من اجراء الاحتفالات بعيد الاستقلال هذه السنة تقريبا كالعادة. الاهم من ذلك هو أن هذه البيانات أدت الى الغاء التعليمات الزائدة حول ارتداء الكمامة في المناطق المفتوحة في الاسبوع القادم. والاكثر اهمية من ذلك هو أنه بفضلها فان جهاز التعليم سيعود في يوم الاحد الى النشاط الكامل بدون قيود (ايضا في هذه الحالة يبدو أنه كان يمكن تبكير اخذ المخاطرات ازاء الضرر الكبير الذي تسبب به الغاء التعليم للاطفال). من المرجح أن الطفرات المعروفة للكورونا لن تشعل هنا حريق جديد، طالما لم يتم تشخيص سلالة يمكنها التغلب على اللقاح. حتى تأثير اندلاع المرض في مناطق السلطة الفلسطينية هو تأثير محدود داخل اسرائيل، طالما أن الحديث يدور عن السلالات القديمة.

       النجاح الباهر لعملية التطعيم (يجدر القول مرة اخرى بأن جزء كبير من الفضل فيها يعود الى علاقات نتنياهو)، لا يجب أن يعفي الدولة من واجبها في القيام بفحص دقيق لكل ما حدث هنا منذ شباط من العام الماضي. وحقيقة أن الوباء العالمي السابق اندلع قبل نحو مئة سنة، لا تضمن أن يكون هذا هو معدل تكرار هذه الظاهرة ايضا في المرة القادمة. وازمات اخرى تهدد الامن القومي يمكنها أن تندلع من العديد من الاسباب الاخرى، التي يقف على رأسها تأثير تغير المناخ.

       الكورونا بالتأكيد في الاشهر التي سبقت وصول لقاح فايزر الى اسرائيل، كشفت العديد من نقاط الضعف في الانظمة في اسرائيل. التدمير المنهجي لوزارات الحكومة خصخص مجالات حاسمة وقلص الميزانيات التي خصصت للاحتياجات الاجتماعية، أضرت جميعها بأداء الدولة في فترة الازمة. اثناء عملية التطعيم، اسرائيل تفاخرت بالنظام الفعال لصناديق المرضى الذي ساعد على توزيعها وركز المعلومات الطبية الواسعة المطلوبة لذلك. ولكن الصناديق هي في الحقيقة من بقايا العهد القديم، التي عملت حكومات الليكود على تعاقبها بصورة حثيثة من اجل القضاء عليها.

       الشرطة، بذريعة اجراءات الكورونا، نكلت بصورة متواصلة بالمواطنين من جميع الشرائح وجميع التجمعات، لكنها ركزت بصورة خاصة على المتظاهرين ضد نتنياهو. هكذا، تم الحديث هنا عن السحق الممنهج لحقوق المواطن، التي ليس فقط سياسيون، بل ايضا موظفون، شاركوا فيها بتعاطف لا بأس به. السلوك المميز للحكومة اثار النزاعات بين المعسكرات المختلفة وقضى على التضامن في المجتمع، بتناقض صارخ مع ما ظهر في احتفالات عيد الاستقلال.

       قدرة التخطيط والتنفيذ لوزارات الحكومة تبين أنها ضئيلة جدا. من الاخفاق في مطار بن غوريون الى عجز وزارة التربية والتعليم في ادارة نشاطات رياض الاطفال والمدارس بشكل منظم في فترة الطواريء. مجلس الامن القومي وجد صعوبة في ادارة معالجة الكورونا، في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يرفض، بالاساس لاسباب سياسية، نقل صلاحيات لوزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي. وأداء الدولة تحسن قليلا في الصيف الماضي عندما استجابت الحكومة أخيرا الى تعيين مدير للمشروع يركز اعمال الوزارات الحكومية في الازمة ويعطي صلاحيات ايضا للجيش. ولكن في حينه ايضا تم احباط خطة “الاشارة الضوئية” التفضيلية والمنطقية، المطلوبة، التي حاول أن يطبقها المدير الاول للمشروع، البروفيسور روني غمزو.

       خلال قضية الكورونا، التي تقاطعت مع ازمة سياسية وقانونية شديدة حول لوائح الاتهام ضد نتنياهو، برز تعامل متشدد، مهين احيانا، لعدد من الوزراء تجاه اعضاء المستوى المهني، خاصة في وزارة المالية ووزارة الصحة. الطواقم الطبية تميزت في عملها، لكن الازمة كشفت قيود الميزانية لهذا الجهاز وضعف وزارة الصحة، التي في الاوقات العادية تعمل بالاساس كمنظم. خلال 15 سنة، منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، تستعد اسرائيل بصورة نشطة لسيناريو رعب يتمثل في نشوب حرب مع حزب الله، التي في اطارها سيتم اطلاق الصواريخ والقذائف يوميا على الجبهة الداخلية. ولكن الكورونا كشفت الصعوبة لدى جهاز الصحة في أن يواجه في نفس الوقت معالجة آلاف المرضى/ المصابين الذين يوجدون في حالة صعبة. صحيح أنه في المعركة لا توجد حاجة لحماية الطواقم الطبية من الاصابة بالفيروس، لكن عدد الأسرة في غرف العناية المكثفة بقي ضئيل جدا ازاء التحدي المتوقع.

       ما الذي ارادت الحكومة تحقيقه في الازمة، باستثناء انخفاض عدد الاصابات؟ اهداف الجهد الوطني (صفر حالات كورونا؟ طول نفس للمستشفيات؟) لم يتم تعريفها في أي يوم بصورة دقيقة، بالضبط مثلما لم يتم فعل ذلك في عملية الجرف الصامد، وبالضبط مثلما لم يتم اجراء نقاش حول ذلك في الازمة التي تتبلور الآن مع ايران. استطلاعات اجراها في العام الماضي المعهد الاسرائيلي للديمقراطية اظهرت انخفاض حاد في ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة. في الوقت الذي فيه قيل الكثير من الهراءات، والكثير جدا من الفرضيات تبين أنها فرضيات خاطئة في قضية الكورونا، فماذا سيكون مستوى الثقة بالمتحدثين والتعليمات للجمهور في الازمة الامنية القادمة؟.

       بمقارنة أخيرة مع العالم الامني يمكن اعتبار التطعيمات هي النسخة الصحية من القبة الحديدية. وادخالها الى استخدام نظام اعتراض الصواريخ قبل عشر سنوات بالضبط، عمل على تغيير وجه المواجهة في قطاع غزة. لأنه قلل عدد الاصابات وأعفى اسرائيل من الحاجة الى القيام بخطوات متطرفة مثل احتلال القطاع. بعد القبة الحديدية، التطعيمات هي براءة اختراع جديد، والاسرائيليون يعشقون الحلول السحرية التكنولوجية التي تغطي على اخفاقات القيادة، الادارة اليومية والتخطيط للمدى البعيد.

       مع ذلك، هذا بالضبط هو الوقت المناسب لاجراء تحقيق وطني، واستخلاص العبر من احداث السنة الماضية من اجل أن تكون اسرائيل مستعدة بصورة افضل للازمة الكبيرة القادمة. الاحتمالات تبدو ضئيلة، والدليل على ذلك قرار الحكومة الذي قاده نتنياهو بحفظ كل محاضر نقاشات الكورونا وابقاءها سرية لمدة ثلاثين سنة.