الانتخابات والقدس .. هل نتصرف كما ينبغي؟

حجم الخط

بقلم د. عبير ثابت

 

 

 رغم أن الحكومة الاسرائيلية لم تعلن حتى تاريخه أنها ستسمح بإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية فى القدس الشرقية؛ إلا أنها عمليا تقوض أى محاولة فلسطينية للشروع فى إجراءات تلك الانتخابات هناك، وكان آخرها اعتقال عدد من المرشحين الفلسطينيين فى القدس وابلاغهم أنه لن يكون بوسعهم إجراء أى اجتماعات خاصة بتلك الانتخابات ما لم تصدر الحكومة الاسرائيلية قرار بالسماح بذلك. 

وعلى الرغم أن كافة المواثيق والقرارات الدولية وكذلك اتفاقات أوسلو تعطي الفلسطينيين حق إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في القدس؛ وسبق وأن أجريت الانتخابات ثلاث مرات في عام 1996،2005،2006، إلا أن الحكومة الاسرائيلية تمارس فى الانتخابات الحالية سياسة مغايرة حيث أنها التزمت الصمت إلى يومنا هذا فى الرد على الطلب الفلسطيني؛ وهو وإن كان صمت يثير الريبة إلا أنه فى الواقع يمثل حالة أفضل مما كان عليه موقف الحكومة الاسرائيلية فى العام 2005و2006 حيث صرحت الحكومة الاسرائيلية  في حينه أنها لن تسمح بإجراء الانتخابات الفلسطينية فى مدينة القدس؛ وفى نهاية المطاف تراجعت عن موقفها تحت الضغط الفلسطينى والدولى والأوروبى بشكل خاص؛ والذى كان له بالغ التأثير على القرار الاسرائيلى؛ وسمحت بإجراء الانتخابات ضمن الاتفاقات الموقعة. وبالرغم من العراقيل التى وضعتها الشرطة وأجهزة الأمن الاسرائيلية أمام المرشحين من حيث حرية الحركة والدعاية الانتخابية أنذاك إلا أننا لم نسمع فى حينه أى تصريحات من القوائم المرشحة بتأجيل أو إلغاء الانتخابات إذا لم تسمح اسرائيل بإجرائها فى مدينة القدس كما نسمع اليوم. 

وعليه الدعوة اليوم لتأجيل الانتخابات أو إلغاءها هي بمثابة سياسة الهروب إلى الأمام؛ وتمثل غياب الإرادة عن الدفاع عن حق سياسى فلسطينى كفلته الاتفاقيات الموقعة والقوانين الدولية، ولا تفسير لمن يدعو للالغاء الانتخابات دون مقاومة الرفض الاسرائيلى إلا بشكل من أشكال العته السياسى؛ فلا يمكن بأى شكل من الأشكال أن يكون الرد على اسرائيل التى تريد تعطيل أهم استحقاق سياسي سيادى فلسطينى يمثل شرعية الهوية السياسية الفلسطينية فى مدينة القدس بإلغاء أو تأجيل هذا الاستحقاق إلى أجل غير مسمى، ويبدو أن دُعاة التأجيل دون مقاومة وفرض للإرادة الفلسطينية لا يدركون أن  أحد أهم أبعاد الصراع مع اسرائيل يتمثل فى النموذج السياسي المثالي لنظام الحكم؛ والذى مضمونه الأساسي الديمقراطية وتجديد الشرعيات عبر الانتخابات؛ وهم يتجاهلون بذلك حيوية وضرورة أن يكون الشعب الفلسطينى جزء أصيلا وشريكا أساسيا للعالم الحر الذى يؤمن بالديمقراطية والحرية. 

وللعلم عواقب تأجيل الانتخابات أو إلغاءها ستكون كارثية على النظام السياسي الفلسطيني، ولا يمكن لأي كان توقع ردة الفعل الشعبي على هذه الخطوة حتى وإن كان هناك ضوء أخضر من البيت الأبيض على هذه الخطوة؛ فإن هذا فى الحقيقة إنما يعكس رغبة أمريكية فى التعامل مع الفلسطينيين ضعفاء سياسيا  بشرعية متآكلة يمكنها الضغط عليهم أو ابتزازهم بعكس قيادة منتخبة تحظى بشرعية صندوق الاقتراع.  

لذا فإن أسلم الخيارات للكل الفلسطينى وبعيدا عن أى حسابات انتخابية ضمن الأوزان النوعية للقوائم الانتخابية هو خوض معركة القدس بتجنيد كافة الجهود الوطنية والدبلوماسية للسلطة الفلسطينية والقوى والفصائل الفلسطينية فى الضغط على إسرائيل وبكافة الطرق لكى تجرى الانتخابات فى مدينة القدس حتى وأن تطلب ذلك التهديد بوقف العمل بتفاهمات التهدئة فى غزة ووقف العمل بالاتفاقات الموقعة والعودة إلى تجميد التنسيق الأمني وتفعيل المقاومة الشعبية في القدس والضفة الغربية.   

وإسرائيل لن يكون بمقدورها الصمود أمام مثل هذا الموقف الفلسطينى لأنها تدرك العواقب التى تترتب على منعها لقرابة 350 ألف فلسطينى فى القدس الشرقية من حق الانتخاب والترشح فى الانتخابات الفلسطينية لأنه يعطي مؤشرات خطيرة اسرائيليا عن مصير هذا العدد من الفلسطينيين. 

علينا أن نتصرف بحكمة ورؤية سياسية حكيمة وأن نجيد توظيف أزمة الانتخابات الفلسطينية فى القدس لتأكيد الحق الفلسطينى وكشف وجه اسرائيل الحقيقى للعالم.