إسرائيل والتهديد الإيراني: ما هي التسوية الإقليمية؟

حجم الخط

بقلم: د. دلال صائب عريقات

 

بعد ان كان الاحتلال الإسرائيلي هو الخطر الذي يهدد المنطقة، وبعد أن كانت القضية الفلسطينية هي القضية المحورية في منطقة الشرق الأوسط، عملت اسرائيل خلال العقود الماضية على الترويج لفكرة التهديد الإيراني في المنطقة، ونجحت بإقناع العالم بأن الخطر النووي الإيراني هو التهديد الحقيقي في المنطقة وصرف الأنظار عن الاحتلال الاسرائيلي.

نجح نتنياهو بنشر فكرة الحل الإقليمي، قد نتفق ان التسوية الإقليمية هي فكرة حضارية ومُبتكرة، ولكن السؤال ما هو فحوى التسوية الإقليمية التي يتصورها نتنياهو؟

بعد رحلاته المكوكية واختراقاته الدبلوماسية في العالم العربي والافريقي، ضغط نتنياهو من أجل تسوية إقليمية تلبي مصالح اسرائيل وجعل الهدف الأساسي للتحالف الشرق أوسطي الذي يجمع اسرائيل وجميع الدول العربية والإسلامية السنية في المنطقة هو الوقوف ضد إيران. تعمل دولة الاحتلال على إقناع العالم بأن إيران هي الخطر والخوف و "الإرهاب" في المنطقة، هذا الإطار الإقليمي الذي يجمع الدول الإسلامية مع اسرائيل في مواجهة ايران.

أما الطرح العربي لفكرة التسوية الإقليمية فهو مستوحى من مبادرة السلام العربية 2002 التي اقترحت التطبيع الكامل بين اسرائيل وجميع الدول العربية مقابل قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها وحل عادل لقضية اللاجئين. الحديث عن الحل الاقليمي يبدأ بتحديد حدود دولة اسرائيل والاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران كما هو متفق عليه دولياً مما سيضمن لاسرائيل علاقات سلمية تطبيعية مع جيرانها العرب، ما سيجلب الأمن الى المنطقة ويفتح الباب أمام جهود مصالحة إقليمية أوسع تصل إيران.

نجحت إسرائيل بتحويل انتباه العالم الى التهديد القادم من إيران مما أدى في الواقع إلى:

أولاً: تقويض الجهود المبذولة اقليمياً ودولياً لتحقيق تسوية وحل للقضية الفلسطينية وإيجاد حل نهائي بين فلسطين واسرائيل.

ثانياً: علاقات التطبيع العربي الثنائية مع دولة الاحتلال قضت على النهج العربي للحل الاقليمي (مبادرة السلام العربية) وغلبت فكرة نتنياهو للحل الاقليمي.

ثالثاً: تناسي العالم لعلاقة اسرائيل بالسلاح النووي، فبينما ينشغل قادة الدول الكبرى بالاتفاق النووي مع إيران وتفاصيل الابحاث والتخصيب، تُترك اسرائيل على راحتها دون ادنى استفسار عن برنامجها النووي!

رابعاً: تخويف الجمهور باحتمالية نشوب حرب قادمة في المنطقة.

وللمزيد من النفاق السياسي في الواقعية السياسية التي نشهدها، ذهب الرئيس الاسرائيلي في جولة أوروبية حديثة لإقناع دول العالم بعدم العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران واقناعها بفرض المزيد من العقوبات ولثني المحكمة الجنائية الدولية عن التحقيق في الجرائم الإسرائيلية في حدود ال 1967.

لا يغيب عن أذهاننا أن نتنياهو يواجه أزمة تشكيل الحكومة من جديد بعد الانتخابات الرابعة خلال عامين، وها هو نتنياهو يجند "إيران" لخدمة مصالحه الداخلية، خاصة بعد مواصلة رئيس الوزراء الإسرائيلي استفزاز طهران بالتلميح إلى دور تل أبيب في استهداف أهداف إيرانية، وآخرها تفجير منشأة نطنز النووية، حيث ردت طهران برفع درجة تخصيب اليورانيوم إلى 60% وتعرضت سفينة شحن إسرائيلية إلى هجوم صاروخي قبالة سواحل الفجيرة في الإمارات، مما يعكس تصاعد المواجهة البحرية العلنية الدائرة بين تل أبيب وطهران. قد يظهر نتنياهو وكأنه يتجه نحو حتمية الصدام مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي انحاز إلى الدبلوماسية مع طهران وذهب إلى مباحثات فيينا تمهيدا للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وفي ظل تفاصيل المشهد من جهود دبلوماسية امريكية بمبادرة اوروبية للعودة للاتفاق النووي مع إيران، تتجلى الحقيقة أنه لا تتم مساءلة اسرائيل حول برنامجها النووي.

أما فيما يتعلق بالخوف من نشوب الحرب، إن دراسات الأمن الحديث تؤكد على أن الدول النووية لن تستخدم هذه القوة مع الدول المجاورة لإدراكها أن حجم الدمار الذي سيلحق بها سيكون مماثلاً لما قد تسببه للدول المجاورة. وهنا ستستمر إسرائيل بمحاولة الظهور بأنها على خلاف مع حليفها الأول وأنها غير راضية عن سياسة امريكا تجاه إيران، إلا أن الحقيقة ان الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية تعمل على احتواء ايران دبلوماسياً وتشغل الجمهور بتفاصيل البرنامج النووي الإيراني، تاركين إسرائيل تعمل بحرية على البرنامج النووي الإسرائيلي والمشروع الكولونيالي الاستيطاني.

د. دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.