هارتس- في إسرائيل: كُن نازيّاً؛ ولكن لا تكن مناهضاً للصهيونية !

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي



من المشكوك فيه أن يكون الشرطي الذي ضرب عضو الكنيست، عوفر كسيف، يعرف حقا من الذي يقوم بضربه. ربما عرف أنه عضو كنيست وربما لا، لكن هذا لا يهم. كان يكفي أنه ضرب متظاهرا من اليسار كما يستحق. ولكنه بالتأكيد لم يعرف أنه يضرب يساريا من سلالة جديدة في الكنيست، يساري دون تلعثم ودون اعتذارات؛ يساري لا يتملص من الحقيقة ولا يغطي عليها. ليس فقط هو «غير صهيوني» – «مناهض للصهيونية» بشكل واضح وعلني ودون أي تزيين. في الاجابة عن سؤال لنير غونتاجي في ملحق «هآرتس»، قال كسيف بشكل صريح: «لستُ مجرد شخص غير صهيوني، بل أنا ضد الصهيونية. أنا اعارض الايديولوجيا والممارسة الصهيونية... هذه ممارسة وايديولوجيا عنصرية تؤيد التفوق اليهودي».
من المشكوك فيه أن تكون سمعت مثل هذه الاقوال من الكنيست الإسرائيلي، وبالتأكيد لم تسمع من شخص يهودي منتخب. 73 سنة مرت على قيام الدولة ولم تنبت حركة يهودية مهمة (باستثناء «متسبين»)، تمردت ضد الصهيونية، أو على الاقل شككت في عدالتها. عدد من كبار اليهود كانوا مناهضين للصهيونية، لكن ليس عندنا. هنا هذا الامر ممنوع. كسيف حطم النافذة وتم حسم مصيره: سيصبح مقصورا على فئة معينة، مهرج، حيث سيعرف النظام، بمساعدة وسائل الاعلام، كيفية سحق أي معارض للنظام. اذا كان حظه جيدا فسيتحول الى عدو، خائن وشخص مكروه. من سبقوه، مثل البروفيسور إسرائيل شاحك أو المحامية بليتسيا لانغر، عرفوا مصيرا مشابها.
ما زلتُ اذكر كيف تعاملت وسائل الاعلام مع شاحك: غريب الاطوار. في العالم ذاع صيته، أما هنا فقد شككوا في قواه العقلية. إسرائيل غير مستعدة لتحمّل معارضين للنظام. ووسائل الاعلام تقف في خدمتها بخنوع كامل.
إسرائيل مفتوحة امام الانتقاد، لكن ليس انتقادا موجها للأسس التي انشئت عليها. أمنها الذاتي مبني على صدقها، وثقتها بنفسها لا تسمح لها بالانفتاح على الاسئلة الاساسية حول ظروف ولادتها والنظام الذي ساد فيها منذ ذلك الحين. وأطلال مئات القرى الفلسطينية التي دمرتها غطتها بغابات الكيرن كييمت، والاسئلة الاساسية تغطيها بالشيطنة أو السخرية ممن يتجرؤون على طرحها.
في إسرائيل مسموح أن تكون من «زعران التلال»، عضوا في حزب نازي جديد، وحتى أن تكون ارهابيا يهوديا، فقط أن لا تكون مناهضا للصهيونية.
هذه هي حدود المسموح. منذ موت الشيوعية لم تكن هناك ايديولوجيا مسيطرة مثل هذه. مع ذلك يجب أن يدوي تعريف كسيف لذاته: عضو كنيست مناهض للصهيونية. شخص يعتبر الصهيونية حركة عنصرية، شخص لا يرغب في تفوق اليهود، وايضا لا يرغب في تفوق العرب، بالمناسبة. غير اصولي من ناطوري كارتا أو عربي خائن من حركة «الارض» – عضو كنيست يهودي – إسرائيلي. لحظة قبل أن يحولوه الى شخص معتوه أو خائن، يجدر التوقف للحظة والتفكير: هل مقبول علينا جميعا أن تكون هناك اسئلة يحظر طرحها؟ وأنه فقط الصهيونية مسموح بها هنا؟ هل حقا نحن على ثقة بأنها ليست عنصرية؟ استنادا الى ماذا حقا؟
اليمين لا توجد له مشكلة: هو يقر بوجود تفوق اليهود في «ارض إسرائيل»، ويعتقد أنه لا يوجد أي شيء اكثر عدالة من ذلك. اليسار الصهيوني يجد لديه صعوبة اكبر: هو يريد الاثنين معا. لذلك، هو يتلوى، ينفي ويبعد، بسبب ضميره اليقظ ومشاعر الذنب القوية لديه. في اعماق قلبه يعرف أنه في اساس الصهيونية هناك تأييد تفوق اليهود، وهو أمر يحولها الى عنصرية في تعريفها، لكنه يفضل الانكار والاقصاء والعيش في كذب ذاتي، وليس لديه شجاعة ووقاحة اليمين ليقول ذلك، هذا صحيح لكننا نستحق ذلك. ليس لديه شجاعة ونزاهة كسيف ليقول: اذا كان الامر هكذا فأنا ضد، مثلما يجب على أي ديمقراطي أن يقول ذلك.
بالقميص الممزق والملطخ بالدماء والنظارات المحطمة، فإن كسيف الذي ضرب على أيدي النظام والشرطة وضع تحديا غير بسيط. لذلك، هو شخص مهم. سترد إسرائيل عليه على طريقتها: اذهب إلى غزة، لماذا أنت في الاصل تعيش هنا. يجب على إسرائيل هذه أن تجيب: من المسموح العيش هنا وطرح سؤال هل نحن نعيش تحت نظام عادل، وليس فقط أن ننشغل بشكل قسري ببنيامين نتنياهو، وأنه قد حان الوقت للاصغاء لكسيف وامثاله ومواجهة ادعاءاتهم؟ هل حقا يمكن التوفيق بين اليهودية والديمقراطية، بين الصهيونية والمساواة، وبين إسرائيل والعدالة؟ كيف بالضبط؟

عن «هآرتس»