هـل بـدأ الـتـحـالـف الـمـنـاوئ لإيـران يـعـد أيـامـه الأخـيـرة؟

هجوم نتانز: إسرائيل أصبحت «مراقِبة» بدلاً من لاعبة رئيسة !

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

 


 



اجتماع الكابنت السياسي، بعد أشهر من التجميد، يجب أن يثير الانفعال. فقط بعد أن حرك الرئيس الأميركي، جو بايدن، المفاوضات مع إيران، وبعد جولة من الهجمات المتبادلة، حسب تقارير مختلفة، بين إسرائيل وإيران، وعلى خلفية الانفجار في منشأة نتانز، تذكروا في القدس أنه ربما من الجدير إجراء نقاش معين حول ما يجري بشأن "التهديد الوجودي" الإيراني.
الصحوة المتأخرة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وانشغاله بالتطعيمات وضعته أمام واقع جديد، بقيت فيه إسرائيل مراقبة من الجانب في المنافسة التي كان يجب أن تشارك فيها كلاعبة رئيسة. فهي عالقة بين خطوات سياسية جوهرية لا تستطيع فيها التأثير أو التدخل، وانهارت تقديراتها بخصوص نتائج الحادثة في نتانز، وتقوضت مكانتها كمجندة للدعم الدولي ضد إيران، وهو الانجاز الكبير الذي جرف نتنياهو. وهي الآن يمكنها فقط أن تصوغ بلهجة شديدة "الخيانة الأميركية".
من جولة المحادثات النووية الثانية، التي بدأت، السبت الماضي، في فيينا بدأ يتصاعد دخان ابيض. نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي يترأس الوفد الإيراني، أبلغ بأنه "أصبح، الآن، بالامكان البدء بصياغة مسودة الاتفاق". فـ "في فيينا اصبح يوجد فهم جديد". الطريق ما زالت طويلة، حذر عدد من المشاركين في النقاشات، لكن الاتجاه واضح. اعتبر وزير الخارجية الأميركي، انطوني بلينكن، قرار إيران تخصيب اليورانيوم الى مستوى 60 في المئة "استفزازاً"، وأكدت وكالة الطاقة الدولية النووية على أن إيران بالفعل نجحت في ذلك، لكن واشنطن لم تتأثر بشكل خاص.
القدرة على التخصيب الى مستوى 60 في المئة ما زالت لا تنتج قنبلة نووية. ما زالت كمية التخصيب مقلصة، بالأساس بسبب الحاجة الى تشغيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي من الطراز الجديد. أيضا إذا نجحت إيران في زيادة نطاق التخصيب فهي ستحتاج الى مكونات كثيرة اخرى، والتغلب على صعوبات اطلاق الرؤوس المتفجرة النووية. ولا يقل عن ذلك اهمية أن إيران لا تريد المخاطرة بأن ينظر اليها كمسؤولة عن انهيار احتمالية العودة الى الاتفاق النووي بعد أن بدأ بايدن في ازالة هذه التهمة عن كاهل الولايات المتحدة.
الدليل على ذلك يمكن ايجاده في جهود طهران لتأطير قرار زيادة نوعية التخصيب على اعتبار أن هذا عملية ثأر ضد إسرائيل، وليس وسيلة لدهورة المفاوضات أو المس بها. وأشار محللون إيرانيون في وسائل اعلام رسمية الى المؤامرة "الصهيونية – الأميركية – العربية" التي تمت حياكتها من اجل المس بقدرة إيران في نتانز، لكن النظام اقتنع كما يبدو بأن الولايات المتحدة لم تكن متورطة في هذه القضية. على أي حال، مصلحة إيران في اعادة الحياة الى الاتفاق النووي اكثر اهمية في الوقت الحالي من غرس عود في عين واشنطن. افتراض إسرائيل يجب أن يكون، بناء على ذلك، بأن واشنطن ستبذل كل ما في استطاعتها من اجل استئناف الاتفاق النووي، وأن أي عملية احباط إسرائيلية، سياسية أو عسكرية، ستعتبر مساً بمصالح أميركا الوطنية.

سباق ضد الزمن
حسب التقارير من فيينا، فان جميع الاطراف يلاحقها ضغط الزمن. اللقاءات المتواترة والمشاورات السريعة التي يجريها الوفد الإيراني مع القيادة (مقابل اطالة الوقت لاسابيع واشهر، والتي ميزت النقاشات في المفاوضات السابقة قبل الاتفاق النووي) يمكن أن تدل على أن إيران معنية بالتوقيع على الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في حزيران. هذه أجندة مكتظة تقتضي تنازلات ومرونة كبيرة من جميع الاطراف. وليس من الواضح ما الذي قصده عراقجي بـ "فهم جديد"، سيمكن من البدء بصياغة الاتفاق، لكن يمكن التقدير بأنه يشمل استعداد أميركا للتنازل عن خطة النبضات، التي بحسبها سيتنازل كل طرف عن شيء معين، وسيتم اعتبار التنازل لفترة معينة قبل أن يتم تنفيذ النبضة القادمة الى حين انتهاء كل العملية.
إيران، حسب رأيها، سبق لها أن تنازلت عندما وافقت على المشاركة في المفاوضات قبل أن يتم رفع جميع العقوبات، وعندما وافقت على تعليق الحظر الذي فرضته على التفتيش في منشآتها مدة ثلاثة اشهر (بالقيود التي تم الاتفاق عليها مع وكالة الطاقة النووية الدولية). الآن هي تطالب برفع كامل للعقوبات. يسعى بايدن الى أن يشمل الاتفاق الجديد تعهداً إيرانياً ضمن برنامج زمني لاجراء المفاوضات حول قضايا اخرى مثل توسيع الرقابة ايضا لتشمل منشآت عسكرية غير نووية، وبرنامج الصواريخ البالستية ودعم إيران للتنظيمات الارهابية. حتى الآن تعاملت طهران مع هذه الطلبات على أنها تدخل غير مقبول في شؤونها الداخلية ومس بسيادتها. بالنسبة لها كل تنازل كهذا يقتضي ايضا اجتياز اختبار النخب المحافظة والحرس الثوري الإيراني، ويمكن أن يثير مواجهات سياسية بالضبط قبل الانتخابات. ولكن في السابق عرف الزعيم الاعلى، علي خامنئي، كيف يطلق مصطلحات مثل "مرونة بطولية" من أجل التوفيق بين المصالح السياسية والاقتصادية وبين الحفاظ على المبادئ الايديولوجية وتخفيف الانتقاد الداخلي.

مغازلة سياسية
الى شرنقة الاعتبارات التي توجه إيران وأميركا يضاف الآن الكشف الذي كشفته صحيفة "فايننشال تايمز" والذي يفيد بأن ممثلين إيرانيين وشخصيات سعودية رفيعة المستوى عقدوا سلسلة من النقاشات في بغداد في 9 نيسان. كان هذا اللقاء الاول بين ممثلين رسميين من الدولتين بعد قطع العلاقة بينهما في كانون الثاني 2016، بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران، الذي جاء بدوره في اعقاب اعدام أحد رجال الدين الشيعة، السعودي نمر النمر. وقد نفت السعودية وإيران انعقاد هذا اللقاء. ولكن هذا النفي يظهر مثل النفي الذي نشرته إسرائيل والسعودية بعد النشر عن اللقاء بين نتنياهو ومحمد بن سلمان. تجري بين إيران والسعودية منذ اسابيع كثيرة مغازلة سياسية، شملت ضمن امور اخرى، اقوال المستشار العسكري لخامنئي، الجنرال حسين دهقان (وزير الدفاع السابق). في مقابلة مع قناة "المسيرة" التابعة للمتمردين الحوثيين في اليمن قال دهقان بأن "السعودية لا تعتبر عدواً. ولكن هذا الموقف يمكن أن يتغير اذا واصلت المملكة اتخاذ خطوات تحايل ضد إيران".
بعد أن اعلنت طهران قرارها تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة ردت الرياض بصورة معتدلة، ودعتها الى التراجع عن هذا القرار، حيث إن هذه "خطوة يجب عدم النظر اليها كعملية تخدم أهداف السلام". وحسب السعودية، يجب على إيران "المشاركة بجدية في مفاوضات (حول الاتفاق النووي) من أجل تطبيق برنامجها لتطوير الذرة لاهداف سلمية باشراف وكالة الطاقة النووية الدولية.
يوم الاربعاء الماضي قالت شخصيات سعودية رفيعة بأن "السعودية تقترح أن يكون استئناف الاتفاق النووي نقطة انطلاق لمحادثات اخرى مع دول المنطقة من اجل توسيع بنود الاتفاق". تشبه هذه الأمور بصورة كاملة الطريقة التي يسوق فيها بايدن المفاوضات. عارضت إيران حقا اشراك السعودية في النقاشات، لكنها اقترحت أن تبادر السعودية الى مناقشة متعددة الاطراف اقليمية فيها إيران "ستكون مسرورة في مد يدها للعون". لا نحتاج الى خيال كثير كي نصف انقباض البطن الذي اصاب نتنياهو عند سماع رد السعودية، والذي يدل على أن التحالف المناوئ لإيران أصبح يعد ايامه. هكذا لا ترد دولة عربية بادرت وقادت المعركة ضد إيران، والتي طرحت نفسها حليفة لإسرائيل في هذا الشأن، وتدير منذ خمس سنوات حربا ضد الحوثيين في اليمن من اجل كبح نفوذ إيران.
ولكن السعودية لا تحتاج الى جلسة كابنت كي تفهم الخارطة السياسية الجديدة. اذا كانت هناك حاجة الى تغيير النغمة (وربما السياسة) تجاه إيران من اجل العودة الى غرفة الضيوف للرئيس الأميركي، هذا ما سيحدث. لن يكون مرفوضاً التقدير بأن خطوة السعودية والمفاوضات حول الاتفاق النووي هما جزء من الرزمة التي تشمل وعدا أميركيا للسعودية بتحسين مكانتها في الولايات المتحدة مقابل تأييد الاتفاق النووي ووقف الحرب في اليمن.
إذا كان دونالد ترامب استخدم السعودية من اجل الدفع قدما بصفقة القرن الخاصة به، فانه يوجد لبايدن صفقة خاصة به، سيكون على السعودية دفع ثمنها السياسي. والآن ايضا في هذه القناة لا يوجد لإسرائيل ما تساهم به. اذا استطاعوا في إسرائيل في السابق أن يسوقوا خدمات الوساطة لدى الإدارات الأميركية (ديمقراطية أو جمهورية) من اجل دول عربية أو دول كانت بحاجة الى علاقة جيدة مع الادارة الأميركية أو مساعدة اقتصادية، يبدو أن هذه الخدمات بدأت في الذهاب الى إجازة بدون راتب. هذا التطور المهم جدا يجب أن يقلق الكابنت بعد أن يدرك بأن الولايات المتحدة تدير بنفسها الموضوع النووي وتفقد صبرها تجاه من يحاول إزعاجها.

عن "هآرتس"