الزيف الأعظم: الانتخابات "خيانة عظمى"..الانتخابات "مصلحة عظمى"!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور 

من يتابع موقف بعض الفصائل الفلسطينية، خاصة حركة حماس، من إجراء الانتخابات، يعتقد أنها الخطوة الفاصلة بين واقع احتلالي عام، من جنين حتى رفح، وقادم استقلالي عام، يفتح الطريق نحو التحرر العام.

فجأة بدأت وسائل إعلام حماس تنفخ في "القيمة الكبرى" للانتخابات بطريقة تفتح كل أشكال التساؤلات، هل حقا ما تعلنه صوتا وصورة وكتابة هو حقيقة أم هناك "حقيقة كامنة" خلف تلك الأقوال التي يجب أن تدق ناقوس التفكير الوطني، ماذا تريد حماس وما هو هدفها العملي من وراء تلك الحملة "النارية جدا".

وكي ندرك بعضا مما يراد، علينا العودة الى الخلف قليلا، وبالتحديد عام 1996 عندما قررت السلطة الوطنية ورئيسها المؤسس الخالد ياسر عرفات إجراء أول انتخابات على أرض فلسطين للبرلمان الأول الممثل للضفة والقدس وقطاع غزة، وفقا لاتفاق إعلان المبادئ المعروف إعلاميا باسم (اتفاق أوسلو)، نظامها الانتخابات الفردي الكامل لـ 88 نائب فقط.

وفي حينها أقدم 4 من شخصيات قيادية حمساوية اختيار المشاركة في تلك العملية الديمقراطية الأولى لاختيار ممثلي الشعب في أرض السلطة الوطنية، وهم إسماعيل هنية (الآن رئيس الحركة)، خالد الهندي (غادر العمل السياسي)، سعيد نمروطي وعبد الله الفرا (هاجر الى اسبانيا)، وبعد تسجيلهم كمرشحين مستقلين، أصدرت حركة حماس بيانا تحت عنوان "سقط اللثام عن اللئام"، حمل تهديدا مباشرا بالقتل والتصفية ما لم تعلن تلك الشخصيات انسحابها فورا من العملية الانتخابية، وكان لها ذلك.

بيان اعتبر ان انتخابات 1996 "خيانة وطنية عظمى" حرمت "دينيا وسياسيا" المشاركة بها، بل وكانت السلطة بكاملها "سلطة خائنة"، بيان كشف أن المسألة تفوق المشاركة، خاصة وهناك شخصيات كانت في محيط حماس ترشحت وحققت فوزا في غزة.

انتخابات 1996، كانت أكثر تمثيلا سياسيا وتمت في أجواء ديمقراطية كاملة، ونجح عدد من الشخصيات المستقلة عل حساب مرشحين قياديين في حركة فتح، وتميزت انتخابات القدس، تصويتا وترشيحا ودعاية ورقابة دولية وفق شروط لجنة الانتخابات الفلسطينية.

في عام 2006، فجأة قرت حركة حماس أن تشارك في الانتخابات، رغم انها انتخابات تمديد "بقايا اتفاق أوسلو"، وبدء تهويد القدس عبر آلية انتخابية جديدة خارج المدينة، دون أن  تضع "ثوابت سياسية محددة" سوى انها ستشارك، ولم يعد سرا الآن أن القرار الحمساوي لم يكن "وطنيا" ولا "تنظيميا"، بل جاء استجابة لطلب أمريكي – إسرائيلي عبر دولة قطر، وحققت حماس فوزا كاسحا، منحته حركة فتح لها بسبب تشتت الصوت الفتحاوي، ورغبة بعض الشعب بالتغيير، رغم ان فتح في تلك الفترة خرجت من أهم معارك المواجهة مع العدو واغتيال الخالد أبو عمار، مع ذلك كان هناك من بدأ "بعثرة أم الجماهير"، كما يحلو لأبناء فتح وصفها، وبـ"أول الرصاص وأول الحجارة".

وانتقلت حماس لتعيش في كنف "سلطة" وصفتها بالخائنة دون أدنى "وخزة ضمير"، وغرقت في كل الامتيازات السلطوية، دون أن تتجاهل التخوين الدائم لاتفاق أوسلو، مع انها باتت أداة لتحويله من اتفاق انتقالي انتهى أجله الزمني والسياسي، الى أداة لتمديده.

وفي مفاجأة لا تقل عن مفاجأة 2006، اتفقت حركتي الانقسام الوطني على اجراء انتخابات جديدة ضمن شروط إسرائيلية، ولتمديد آخر لـ "حطام اتفاق أوسلو"، والذي لم يبق منه سوى مسمى تستخدمه حماس للشتم والتخوين، في مظهر غير مسبوق من الفجاجة السياسية.

حماس 2021 باتت تعتبر انتخابات تعزيز التهويد والضم وشطب كل "مكاسب اتفاق أوسلو" لصالح التنفيذ اليهودي – الإسرائيلي، "مصلحة وطنية عظمى"، وهي ذاتها الحركة التي اعتبرت انتخابات 1996، والتي كانت أكثر تعبيرا عن الشعب والهوية، "خيانة وطنية عظمى".

حماس التي تعتبر أنها دون غيرها من يمنح الشهادات "وطني أو غيره"، "مؤمن أو كافر"، كشفت في حملاتها الأخيرة والإصرار على عار انتخابات التهويد، ان "المصلحة الوطنية العظمى لها هي مصلحة الذات المقدسة وليس مصلحة الشعب المقدسة".

كان يمكن تصديق بعضا مما تنتج مصانعها الإعلامية، لو أعلنت صراحة وعبر مراجعة علنية انها أخطأت وطنيا عام 1996، وتعتذر للشعب الفلسطيني وللخالد ياسر عرفات، وان مشاركتها اللاحقة في انتخابات أقرب الى "المقاس الإسرائيلي" هو تقدير بإمكانية التأثير على المسار العام نحو التحرر العام.

أما مواصلة سياستها وكأنها دوما على حق بالتخوين والتكفير فذلك هو الزيف الكبير ونفخ بالكيرِ الوطني!

وللأمر بقية ...

ملاحظة: مبادرة أسرى من فتح حول الانتخابات كان لها أن تكون محل نقاش وطني جاد، لو كانت هناك رغبة حقيقية بالخلاص...لكن يبدو أن البعض يبحث الخلاص من الشعب مش من الاحتلال!

تنويه خاص: أول صفعات تلقاها الفاسد الأكبر نتنياهو، عندما خسر تصويتا لتشكيل أهم لجان الكنيست بعد أن "خذله" الإسلاموي منصور عباس في اللحظة الأخيرة...أزمة الكيان تتعمق أكثر...فهل هناك مدركين!